الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ديمومة فشل الدولة السورية

ديمومة فشل الدولة السورية

03.09.2018
حسام ميرو


قناة سوريا
الاحد 2/9/2018
على الرغم من التصريحات المستمرة، من قبل المجتمع الدولي، منذ سنوات حول ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، فإن تلك التصريحات بقيت للاستهلاك الإعلامي، أكثر من كونها فعالية سياسية تمارسها أطراف وازنة دولياً، فالمجتمع الدولي، يعلم علم اليقين، نتيجة لتجارب سابقة، بأن فتح الجغرافيات الوطنية على حروب داخلية وخارجية يجعل من الأسباب الرئيسة لاندلاع الأزمات أمراً ثانوياً، ولا يغدو مهماً، مع مرور الوقت، من المسؤول عن اندلاع شرارة الأحداث الأولى، أو ما هي مطالب الفئات الاجتماعية المختلفة، وتصبح إدارة الأزمة، بما يتناسب مع المصالح الاستراتيجية للاعبين الكبار، هي الأولوية، في بناء السياسات، أو في طرح الحلول.
في أفغانستان، حيث لا تزال تقبع الجغرافيا الوطنية تحت سلطات متعددة، من بينها السلطة الضعيفة للدولة في كابول، مع وجود قوات أجنبية هناك، فإن قسماً واسعاً من الأجيال الجديدة من الشعب الأفغاني لا يدرك اليوم ماهية الأسباب العميقة والحقيقية لاندلاع النزاع الأفغاني، وقد عانى الأفغان من موجات تهجير مستمرة منذ عقود، نتيجة الاضطرابات والاقتتال، ولم تتمكن الحكومة المركزية في كابول، والمدعومة من الغرب وواشنطن، من أن تعيد ترتيب البيت الداخلي الأفغاني، أو تقوم بنقلة متميزة على مستوى البنى التحتية، ولا تزال أفغانستان تصنف من بين الدول الفاشلة، حيث تأخذ أفغانستان درجة 106.5 من 120 نقطة، وتعد من بين الدوال ذات الإنذار العالي جداً، في قائمة الدول الفاشلة.
من طبائع الأوضاع المضطربة والفوضى ظهور نخب جديدة من رحم الأزمات وهي النخب التي تمكنت من التكيّف مع المعطيات التي تفرزها الكوارث والحروب
منذ عام 2005، تم اعتماد مصطلح الدول الفاشلة، ويصدر تقرير سنوي، يعده "صندوق السلام"، ومجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، يتضمن ترتيب الدول الفاشلة حسب ثلاثة معايير، اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وفي الجانب السياسي، ثمة عدد من المعايير، ومن بينها قدرة النظام المركزي على حماية حدوده، ووجود ميليشيات متقاتلة فيما بينها، ووجود تدخل لقوى أجنبية، والانتهاك الواسع لحقوق الإنسان، وغيرها من المعايير التي تشير إلى فشل الدولة في القيام بمهماتها الأساسية، وتحولها إلى مصدر خطر على مواطنيها، وعلى الدول الأخرى، من حيث فرار أعداد كبيرة إلى خارج الحدود، وطلب اللجوء في دول أكثر استقراراً من البلد الأم.
في تقرير 2017 احتلت سوريا المرتبة الرابعة على قائمة الدول الفاشلة، تسبقها على التوالي اليمن، والصومال، وجنوب السودان، وتوضح جميع التقارير الصادرة منذ عام 2005 صعوبة خروج الدول الفاشلة من الأوضاع التي وصلت إليها، فالعراق والصومال وأفغانستان والسودان لم تغادر تلك القائمة، بل ازدادت أوضاع بعضها سوءاً، ففي كل تلك الدول، توجد حكومات مركزية، لكنها حكومات لا تستطيع أن تحتكر العنف، وهي من بين الوظائف الأهم لأي دولة، كما تعاني تلك الدول من احتلالات مباشرة أو غير مباشرة، كما أن وجود ثروات كبيرة في بعض الدول الفاشلة لم يسهم في استرجاعها لمكانتها الطبيعية بعد الحروب، فالعراق، وعلى الرغم من امتلاكه احتياطياً كبيراً من النفط، فإنه بسبب التدخلات الأجنبية، الإيرانية والأمريكية وغيرها، لم يتمكن من بناء حكومة مركزية قوية، أو جيش وطني، بل ازدادت فيه أعداد الميليشيات المحلية، والتي تتقاسم فيما بينها النفوذ والثروة، بينما يعيش العراقيون في أوضاع كارثية اقتصادياً وخدمياً وإنسانياً.
احتلت سوريا المرتبة الرابعة على قائمة الدول الفاشلة، تسبقها على التوالي اليمن، والصومال وجنوب السودان
ومن طبائع الأوضاع المضطربة والفوضى ظهور نخب جديدة من رحم الأزمات، وهي النخب التي تمكنت من التكيّف مع المعطيات التي تفرزها الأزمات والكوارث والحروب، كما من شأن تلك الأوضاع أن تعلي من شأن العصبيات والهويات الفرعية، فلا يعود المواطن ينظر إلى نفسه بدلالة انتمائه للوطن، وإنما بدلالة انتمائه للعصبية التي تحقق مصالحه، ففي مثالين قريبين من الوطن السوري، هناك لبنان والعراق، ففي لبنان انتهت الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1989، لكن السياسة لا تزال تمارس بدلالة الانتماء للدين والمذهب والمنطقة، وهو ما ينطبق على العراق، فعوضاً من أن يكون سقوط نظام صدام حسين مقدمة لبناء دولة ديمقراطية تعددية، ذهب العراق إلى خيارات ما قبل الدولة، بكل ما فيها من تأخر، وفساد، ونخر للبنى الاجتماعية، بالإضافة إلى انهيار مقومات الدولة.
ماذا عن سوريا؟ وهل يمكن لها أن تكون استثناءً عن العراق ولبنان واليمن وليبيا والصومال وجنوب السودان؟ وهل يمكن أن يفضي أي حل سياسي إلى نهوض الدولة السورية من جديد؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة على مستقبل الوطن السوري والنخب السورية وعموم السوريين، فجميع المعطيات الجديدة، والتي تكرّس بعضها بقوة، في السنوات السبع الماضية، يصعب تجاهل مفاعيلها، إذ إنه ليس من الواضح بعد، وفي سياق التدخلات الأجنبية، إذا ما كانت تلك التدخلات ستزول، أم أنها ستتكرّس أكثر مع الوقت.
إن المجتمع الدولي بل والأطر الإقليمية، أمكن لهما التكيّف مع الدول الفاشلة ومحاولة حصر وخنق الأزمات ضمن جغرافيا الدول الفاشلة
إن المجتمع الدولي، بل والأطر الإقليمية، أمكن لهما التكيّف مع الدول الفاشلة، ومحاولة حصر وخنق الأزمات ضمن جغرافيا الدول الفاشلة، مع محاولة تقليل التكلفة على المجتمع الدولي ما أمكن، وهذه السياسة المتبعة في احتواء الدول الفاشلة، تزيد مع الوقت صعوبة اجتراح حلول جذرية للنهوض بالدول الفاشلة، خصوصاً مع ازدياد الميل العالمي إلى عدم الاكتراث بالدول الطرفية، والتي لا تسهم بأي فعالية تذكر في سوق العمل الدولي، بل يجعل من تلك الدول الفاشلة وثرواتها ساحة لتقاسم النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.
بناءً عليه، فإن كل المعطيات تشير إلى أن سوريا كدولة، وبغض النظر عن الأوضاع الميدانية الراهنة، أو شكل الحل السياسي، ستبقى دولة فاشلة إلى أمد غير منظور، إلا إذا حدثت تغيّرات جذرية في صراع القوى الدولية، أو صراع القوى الإقليمية.