الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دولة حزب الله الكبرى !

دولة حزب الله الكبرى !

09.08.2017
عبد الحميد المجالي


الدستور
الاثنين 7/8/2017
كشفت معركة عرسال بين حزب الله وجبهة النصره، وتفاصيل الاتفاق بين الجانبين، استهتار حزب الله بالدولة اللبنانية وانكاره المتعمد لدورها . حيث غابت الدولة عن كل ما جرى، وجلست مضطرة على مقاعد المتفرجين مسلوبة الارادة. وفي مقابل ذلك لاذت الحكومة بالصمت، واكتفى بعض زعماء الاحزاب، بالندب واللطم على سيادة الدولة واستقلالها، بل وعلى الشعب اللبناني. وابلغ ماقيل في هذا الصدد، تصريح لسمير جعجع رئيس القوات اللبنانية، اكد فيه ان ملايين اللبنانيين والدولة كلها اسرى في سجون حزب الله .
والحقيقة ان وضعية حزب الله كحزب داخل دولة، فيها من الغرابة والاستثناء بحيث لاتجد لهذه الوضعية ما يشبهها في اي دولة اخرى . فالحزب يمتلك جيشا يكاد يتفوق على جيش الدولة، وله قيادة مستقلة في قراراتها، ومواطنين يدينون له بالولاء والطاعة قبل الولاء والطاعة للدولة، ويسيطر الحزب على مناطق ممنوع على الجيش والامن اللبنانيين دخولها، كما يعتبر مطار بيروت وهو المطار الرئيسي في الدولة، احد محمياته وتحت سيطرته، وللحزب مخابراته واجهزة اتصالاته المفصولة عن اجهزة الدولة، وله علمه الخاص وارصدته المالية التي لاتعلم عنها الدولة ولاتتدخل فيها، وداخل مجلس الوزراء له حق الفيتو على جميع القرارات الوزارية. ويسمى هذا الفيتو بالثلث المعطل، وهو مصطلح سياسي له طابع تنفيذي تم ابتكاره في لبنان وحده دون غيره من دول العالم، من اجل ان يكون للحزب اليد الطولى على الدولة وقراراتها . وفوق هذا كله يتصرف الحزب كدولة كبرى لها مشروعها في الاقليم . فللحزب امتدادته ومقاتلوه في العراق وسوريا واليمن وخلاياه النائمة في العديد من دول الخليج. ان الحزب يقيم في الحقيقة دولة موازية للدولة الشرعية في لبنان، ولم يبق الا ان تعلن دولته استقلالها ما دامت تمتلك مقومات دولة تفوق مقومات الدولة اللبنانية نفسها .
وبهذه السلطات ارسى حزب الله داخل الدولة اللبنانية مجموعة من القواعد والاسس التي تعطيه الحق في التصرف والبقاء الدائم كدولة داخل الدوله ومن اهمها :
اولا : التلازم بين سلاح الحزب كسلاح مقاومة لايخضع للدولة، وبين حقه في الشراكة الكاملة في الحكم وممارسته كسلطة يجب ان تتلاءم مع حاجاته الامنية كفصيل مسلح، وحاجاته السياسية كحزب سياسي.
ثانيا : حزب الله ليس حزب مقاومة من اجل التحرير فقط . بل للحماية والدفاع عن لبنان، وهي وظيفة مستقرة لامتناهية المدة والحدود، تقوم بها عادة الجيوش الوطنية وليس الاحزاب التي تنتمي لها شريحة محددة وواحدة من الشعب ومن طائفة بعينها دون الشرائح الاخرى. وفي حالة لبنان فان جميع منتسبي الحزب هم من الطائفة الشيعية . وهذا يعني توطينا لسلاح حزب الله في بنية الدولة اللبنانية وعقيدتها .
ثالثا : للحزب الحق في بناء علاقات خارجية، بما يكفل حسب رؤيته دوام المحافظة على المقاومة كفصيل مسلح، وكحزب قادر على اتخاذ قراراته المستقلة لخدمة اهدافه، وبناء على هذه القاعدة اقام علاقاته مع ايران وسوريا والعراق والحوثيين وغيرهم .
وفي عقيدة الحزب اشكالية كبرى يتعمد تجاهلها وعدم الخوض بها، وهي التداخل بين الطبيعة الطائفية “ محليا “ للحزب، مع ايديولوجيته ذات الطموح الاقليمي والعالمي. فهناك علاقة ملتبسة بين ولاية الفقيه التي ينتمي لها الحزب، وعلاقته بالنسيج الوطني اللبناني اجتماعيا وسياسيا . وفي هذا الاطار لابد للحزب ان يوضح موقفه العقائدي من الدولة التي يريدها في لبنان، في ظل وجود دولة الولي الفقيه في ايران . بل ان انتماء مواطنين لبنانيين لولاية اخرى في ايران لها مشروعها الاقليمي وفي اطار لبنان، امر لايستقيم مع لبنانية هؤلاء المواطنين وحزبهم من حيث الاهداف والعقيدة والولاء .
لقد تم تاسيس الحزب في الاصل ، لمقاومة المحتل الاسرائيلي.  ولايمكن انكار ما قام به من دور رئيس في هذا المجال، اضفى عليه قدسية شاملة من كل الطوائف في لبنان والاقليم، غير ان السنوات الاخيرة كشفت اهدافا كانت مختبأة وراء جدران سميكة. فعندما غادرت المقاومة اجندة الحزب فعليا وليس قولا، كبند رئيسي وحيد، ارتد سلاح الحزب الى الخلف، واصبح سلاح سلطة لاسلاح مقاومة استخدم مرة لاحتلال بيروت، وعندما دخلت سوريا في ازمتها الحالية، تدخل حزب الله في الازمة تحت عناوين غير مقنعة، ومما ضاعف من عدم مصداقيتها ومشروعيتها، ممارساته الطائفية في سوريا، وتهجيره القسري لطائفة محددة، بالاضافة الى القتل والتدمير المتعمد، واعلانه صراحة التصاقه بالمشروع الايراني في الاقليم، بحيث اصبح احد اذرع طهران في المنطقة، التي تستخدم لتهديد الامن القومي العربي ووجود الدولة الوطنية العربية .
 لقد تحول الحزب بذلك من حزب لبناني عربي، الى حزب ايراني الهوى والانتماء السياسي والمذهبي وجزء من الاستراتيجية الايرانية بكل اهدافها وابعادها . الامر الذي قلب بعد كل ذلك قدسيته في نظر الكثيرين الى شيطنة يمتلك اصحابها المبررات المقنعة لذلك .
من التاريخ، نستذكر انه عندما وقعت الاحداث في لبنان عامي ثمانية وخمسين وخمسة وسبعين من القرن الماضي، فان هذه الاحداث قامت في الاساس احتجاجا مبررا على المارونية السياسية . ومع استمرار حزب الله بهذه الوضعية الاستثنائية داخل الدولة اللبنانية مهددا استقلالها وسيادتها بل وهويتها، فان المخاوف التي تجد لها ما يبررها اليوم وفي المستقبل، هي ان تتكرر هذه الاحداث احتجاجا على الشيعية السياسية المسلحة، مما يدخل لبنان في نفق مظلم جديد نتمنى ان لايصل اليه .