الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دستور؟!

دستور؟!

28.01.2017
علي نون


المستقبل
الخميس 26/1/2017
خطوة غريبة وجريئة، تقديم الروس مسوّدة مشروع دستور جديد لسوريا إلى وفدَي المعارضة وبقايا السلطة الأسدية في مؤتمر الآستانة.
الخبر (مبدئياً) يدلّ على المنحى الاقتحامي في أداء القيادة الروسية، لكن مع خلل خطير في التشخيص منعها ويمنعها من رؤية الفارق بين تكتيكات العسكر وتكتيكات السياسة!
تفترض موسكو أن علو كعبها في الميدان السوري وقدرتها على التحكّم أكثر من غيرها، بخرائط المعارك وخطوط توزعها، يعنيان قدرتها وحدها على وضع مسوّدة دستور جديد لبلاد مطحونة طحناً بالدمار والموت والتشظّي... والانقسام فيها، سياسي – طائفي، مذهبي – عرقي، عدا كونه ترجمة لتحكّم نظام أقلوي فئوي أمني (حزبي!) بالبلد وعموم أهله على مدى خمسة عقود ووفق معادلة شديدة الاختصار: نحكمها أو ندمرها!
ليس قليلاً هذا الجموح الروسي! لكن خطورته الاستثنائية أنه يبدو كنتاج شغل هواة أغرار وليس قيادة دولة تمتلك الكثير من مقومات الدول الكبرى، ولديها أرشيف تاريخي متراكم وخبرات عزّ نظيرها في شأن "المشاكل" الناتجة عن صعود الهويات الدينية والقومية وعن تبدّل أحوال الدول وخرائطها على وقع تلك الاعتبارات الجليلة! أو دون ذلك، مثل توزيع السلطات والثروات ومراكز القوى والتحكّم.. إلخ!
غير أن هذه الخطوة تدلّ بالمعنى السياسي المباشر، على أن موسكو تحاول تعزيز فكرة أنها صاحبة القرار في سوريا، وأن ذلك يسمح لها بمواصلة الخطوات التي ترتئيها بعد معركة حلب.. مثل تثبيت الهدنة ووقف النار (خارج خطوط القتال مع داعش والنصرة) وعقد مؤتمر الآستانا على كيفها، ثم توسيع دائرة الانفتاح على المعارضة بعد اكتشافها! ثم الدفع باتجاه إنهاء لعبة تفريخ هوامش على يسارها ويمينها، ثم الحضّ على تشكيل "وفد معارض واحد" إلى محادثات جنيف في الثامن من الشهر المقبل!
أي أن موسكو تعزز أسباب وبواعث فكفكة اللحام المكين في الحلقة التي تجمعها مع الإيرانيين في سوريا، وليس العكس. وتقول بالعنوان الكبير إن المرحلة الجديدة بعد معركة حلب انطلقت في الاتجاه الذي ترتئيه هي.. أي إنتاج ما يكفي من عوارض لإصابة هؤلاء بمزيد من التوتر، ورئيس سوريا بمزيد من الضيم!
ما قيل قبل الآستانا يصحّ بعدها ويُضاف إليه: المرحلة الراهنة والآتية ستبقى محكومة باستحالتين كبيرتين: قدرة إيران (وحدها) على "الحسم العسكري"، وقدرة روسيا (وحدها) على إنتاج "الحل السياسي".
.. دستور روسي لسوريا! حتى جورج بوش الابن لم يفعلها في العراق ولم يمارس كل هذه الفوقية تجاه العراقيين!