الرئيسة \  واحة اللقاء  \  درعا تفرض مساراً جديداً 

درعا تفرض مساراً جديداً 

04.08.2021
نبراس إبراهيم


سوريا تي في 
الثلاثاء 3/8/2021 
فعلها أهل درعا من جديد، لقد أعادوا للثورة السورية ألقها، زخمها وعنفوانها، في وقت صار يكتب فيه باحثون ويتحدث سياسيون، عن شبه انكسار للثورة واضمحلالها، وبدء تعايش السوريين مع واقع جديد أسوأ من سابقه، واقع يُفرض عليهم محلياً ودولياً. 
درعا التي أطلقت قبل عشر سنوات ونيّف شرارة الثورة، وسبقت كل سوريا في طلب الكرامة والحرية، وفي تحدّي النظام وطلب إسقاطه، درعا التي تلقّت أول رصاصة، وأول قذيفة مدفعية أطقلها النظام باتجاه المدنيين، ورفعت شعارات اللاطائفية، ودعت لرفع الحصار عن حمص ودوما والدير رغم أنها هي ذاتها كانت محاصرة، أعادت اليوم للثورة ألقها، وستدفع الكثير من الأطراف لإعادة حساباتها في القادم من الأيام. 
في 2018، انتهت الثورة المسلحة في درعا، بسبب الخلل الكبير في ميزان القوى العسكرية، ووقوف إيران وروسيا إلى صف النظام عسكرياً، وتراكم عنف هذه الأطراف الثلاثة لينتج عنفاً منفلتاً من عقاله، لكن انتهاء الثورة المسلحة في درعا لم يُسقط المدينة عسكرياً، فبقيت خارج سيطرة النظام، وبقي السلاح الخفيف بيد مقاتليها، ولم يتحالفوا مع التنظيمات الجهادية والإرهابية، واستمرت البيئة الأهلية حاضنة للثورة ومعادية للنظام، ولم يُغيّر انتهاء الثورة المسلحة شيئاً، فأهل المدينة أساساً - وحالهم هنا كحال كل السوريين - ليسوا حملة سلاح، ولا أصحاب حرب، ولم يثوروا من أجل التدمير والموت، ولا في سبيل الجهاد، ولم تكن الحرب خيارهم بل فرضها عليهم العنف المفرط للنظام. 
توقظ درعا السوريين بعد سلسلة من الخيبات التي واجهوها خلال السنوات الأخيرة 
اليوم، عبر صمودهم الأهلي، ولجانهم المحلية وتوزانها، وتمسكهم بأرضهم، وتمسكهم بما قامت من أجله الثورة أساساً، الحرية والكرامة، وتمثّلهم بمقولة "الموت ولا المذلة"، واحترامهم قوانين الحرب مع الأسرى، وتوحّد الريف مع المدينة، سيفرضون منعطفاً جديداً لمسار الثورة السورية. 
توقظ درعا السوريين بعد سلسلة من الخيبات التي واجهوها خلال السنوات الأخيرة، وفي الغالب الأعم، وبسبب خصوصيتها وحساسيتها استراتيجياً، وقدرتها على الصمود دون جيوش، وقدرة أهلها على الاستمرار في مسار الثورة دون تطرّف، توقظ دولاً أخرى، وستكون مواجهة درعا الأخيرة نقطة تحوّل، وسيفهم النظام السوري أنه من غير المسموح له بعد اليوم إدارة عمليات إبادة وتدمير شاملة، وليس أمامه سوى الاتفاقات المحلية التي تُرضي الأطراف الأخرى، وسيُدرك أن السوريين لا يريدونه، حتى لو حوصروا لعشر سنوات كحال أهالي درعا البلد، وأنه منبوذ مكروه من شعبه. 
في الغالب الأعم، سيُدرك المجتمع الدولي أن سلطة النظام المركزية في دمشق لم تعد قادرة على فرض سيطرتها على سوريا، ولا حتى على مناطق خالية من السلاح الثقيل، وخالية من القوات الأجنبية، وأن السير في الحل السياسي وفق القرار الدولي 2245 هو المسار الوحيد المُتاح أمام النظام، وإلا فإن المناطق التي يُسيطر عليها النظام ستفلت واحدة واحدة من يده في قادم الأيام. 
ستكشف مواجهة درعا الأخيرة، وتأكيد أهالي المدينة أنهم خارج سيطرة النظام بعد عشر سنوات عجاف، للقوى الدولية، أن غالبية سوريا عملياً لا تقع تحت سيطرة النظام، وليس فقط شمال غرب وشمال شرق سوريا بعيداً عن سيطرته، وأنه نظام خُلّبي لا يحكم إلا مناطق صغيرة، وتلك المناطق يحكمها بأجهزته الأمنية واستخباراته، وليس كنظام حكم عبر سيطرة أجهزة الدولة، ومن بينها حتى دمشق العاصمة، وحلب وريف دمشق والحسكة وغيرها. 
ستُثبت مواجهة درعا من جديد أن الجيش السوري بات جيشاً ضعيفاً مكسوراً، ومهلهلاً وغير مدرّب، بل ولا يريد الحرب والقتال، ولا يعرف من يقاتل ولا لماذا يُقاتل ولا أهداف قتاله، وأن النظام حوّله بحربه البشعة إلى جيش ثكنات وسخرة وزيادة عدد ليس إلا. 
قالها أهالي درعا في الانتخابات الأخيرة، لا للأسد، ولا للنظام، ولا للتوريث ولا لدولة الديكتاتوريات 
كذلك، سيكون هذا الحدث مفصلياً، لجهة رؤية القوى الدولية للمعارضة السياسية السورية، التي لم يكن لها أي دور يُذكر قبل وخلال مواجهات درعا، وكانت قاصرة غير قادرة على التأثير أو تغيير المسارات، ومشلولة غير قادرة حتى على التعبئة الشعبية "الفيسبوكية"، وكل ما نتج عنها بيان خلّبي عن درعا، لا يُسمن ولا يُغني من جوع. 
قالها أهالي درعا في الانتخابات الأخيرة، لا للأسد، ولا للنظام، ولا للتوريث ولا لدولة الديكتاتوريات، وهم بصمودهم اليوم، يؤكدون للعالم أن السوريين الذين ثاروا قبل عشر سنوات لتغيير النظام، قادرون على تغييره مهما طال الزمن، وأن الثورة السورية ثورة إرادة شعبية، لكافة أطياف السوريين، بتنوعهم العرقي والديني والإثني، وأن الدولة الديمقراطية التعددية التداولية لابد قادمة، ولا بد لكل الأطراف أن تعيد حساباتها، لأن الثورة فكرة لا تموت، ولا تسقط بالتقادم، وأن الحرية والكرامة مُثل عليا لن يتخلى عنها السوريون، وأنه سيكون للثورة السورية طيف واسع من الوسائل، أضعفها كان التسليح، وأقواها الإرادة، وإرادة أهالي درعا أقوى وأوضح مثال.