الرئيسة \  تقارير  \  درس مودي العبثي.. هل تسير الهند على طريق “ميانمار” في إبادة المسلمين؟

درس مودي العبثي.. هل تسير الهند على طريق “ميانمار” في إبادة المسلمين؟

12.05.2022
محمد صلاح عبد الجواد


ساسة بوست
الاربعاء 11/5/2022
في التاسع من أبريل (نيسان) 2022 عاش مسلمو مدينة خارجون في ولاية ماديا براديش في الهند حالة من الرعب والهلع بسبب هجمات دموية استمرت لساعات من طرف جماعات هندوسية متطرفة على عدد من شوارع المدينة تضمنت اعتداءات على مساجد وتدمير منازل تابعة للمسلمين.
وقد وثق عدد كبير من الفيديوهات التي جرى تداولها على منصات التواصل الاجتماعي ما جرى في هذا اليوم الدامي؛ ففي أحد الفيديوهات يظهر مجموعة من أصحاب الأوشحة البرتقالية المميزة للحركة الهندوسية اليمينية وهم يلقون بالحجارة على المسلمين ومنازلهم، فيما كانت عناصر الشرطة تشاهد تلك الاعتداءات دون أن تمنعهم.
كما نشر الصحافي الهندي شارجيل عثماني فيديو يظهر فيها تصاعد الدخان من أحد المنازل، وذكر أنه كان تابع لسيدة مسلمة تبيع الورود وتعول أربعة بنات، وقد هجم عليه عدد من الهندوس ودمروه وسرقوا عددًا من المجوهرات كانت تخزنها من أجل زفاف ابنتها.
وفي فيديو آخر؛ يظهر المتطرفون الهندوس وهم يقذفون الحجارة على مسجد عائشة في مدينة خارجون، ولم يكن مسجد عائشة الوحيد الذي تعرَّض للاعتداء، إذ كان لمسجد بلال في المدينة نفسها نصيب من الهجمات الهندوسية.
إذ تعرض مسجد بلال لمحاولة تدمير، كما نشر الصحافي شارجيل عثماني عددًا من الفيديوهات لمجموعة من السيدات كن يحتمين بالمسجد، وقال إن عددًا من الأشخاص اقتحموا المسجد في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي واعتدوا عليهن.
وفي اليوم التالي للهجمات عادت الشرطة إلى المدينة ومعها عدد من الجرافات؛ (تشبه تلك التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين)، وهدمت 50 منزلًا ومتجرًا تابعين لمواطنين مسلمين وبحجة “عدم امتلاك أصحابها للتراخيص اللازمة”.
الأمر الذي يطرح سؤالًا حول من يقف خلف هذه الهجمات الطائفية المتصاعدة؟ وهل تقوم بها الجماعات المتطرفة بدافع طائفي بحت أم أن السلطة السياسية بقيادة رئيس الوزراء، نارندرا مودي، متورطة فيها أيضًا؟ وقبل أن نعطيك الإجابة التي تنتظرها؛ دعنا نحكي لك قصة أخرى من 20 عامًا.
انتقام مودي.. لنلقن المجتمع الإسلامي درسًا قاسيًا
في 27 فبراير (شباط) عام 2002، اندلع حريق في إحدى عربات قطار متواجد على رصيف محطة قطار “جودهرا” بولاية “جوجارات” شمال البلاد، ولم يعرف سبب الحادث، ولكن نتيجته كانت مروعةً؛ إذ أدى إلى مصرع 59 راهبًا هندوسيًّا كانوا يستقلون القطار.
ولم تعلن الشرطة أو حكومة ولاية “جوجارات” معلوماتٍ دقيقةً عن مرتكبي الواقعة؛ سوى في فبراير (شباط) 2021، أي بعد 19 عامًا تقريبًا من الواقعة، ولكن نارندرا مودي حاكم الولاية وقتها (ورئيس الوزراء الحالي)؛ جزم أن باكستان هي التي دبَّرت الحادث؛ ومولت منْ أسماهم “إرهابيين مسلمين” لتنفيذه، وأمر مودي بعد الحادث مباشرةً بإقامة مسيرة جنائزية لضحايا حادث القطار في الولاية؛ في مشهدٍ مهيبٍ كان الهدف منه كما وصف عدد من المراقبين؛ هو “بث الروح الانتقامية” في الأغلبية الهندوسية.
وكان لمودي ما أراد؛ فخلال الأيام التي تلت المسيرة الجنائزية، تصاعد العنف ضد المسلمين في الولاية، وشهدت الهند بعدها واحدةً من أكثر الهجمات الدموية عبر تاريخها والتي راح ضحيتها حوالي ألف شخص طبقًا للمصادر الرسمية، وما يقرب من ألفي شخصٍ وفقًا لعددٍ من الهيئات المستقلة؛ وبالطبع كان أغلب الضحايا من المسلمين.
ونقلت صحيفة “الجارديان” البريطانية تقريرًا عن إحدى مؤسسات التقصي الهندية “تهيلكا” في عام 2007، أن الاشتباكات لم ينتج عنها قتل مئات المسلمين فحسب؛ بل جرى سحل النساء والفتيات المسلمات من بيوتهن واغتصابهن في الشوارع.
حتى إن أحد المتطرفين الهندوس ويدعى “بابو باجرانجي” له تصريح يفتخر فيه بقتل امرأة مسلمة حامل، ثم انتزاع جنينها ووضعه على حد السيف، وبعد أن حصل القاتل على حكم بالسجن مدى الحياة؛ أطلقت المحكمة الدستورية الهندية سراحه في عام 2019.
لذا فقد أشيرت أصابع الاتهام إلى مودي؛ لأنه لم يحرك ساكنًا وترك المتطرفين الهندوس يذبحون المسلمين، علاوةً على ذلك؛ في عام 2011، أدلى ضابط شرطة يدعى “سانجيف بهات” بشهادة مهمة أمام المحكمة الدستورية؛ أفاد فيها بأن مودي دعَّم العنف ضد مسلمي “جوجارات”.
وأفاد بهات بأنه حضر اجتماع ترأسه مودي قبل ليلةٍ واحدةٍ من اندلاع موجة العنف ضد المسلمين، وفيه قال مودي إن الهندوس لهم الحق في التعبير عن غضبهم، وأن المجتمع المسلم يجب أن يُلقن درسًا قاسيًا بعد حادثة القطار، ولكن مودي بالطبع نفى الإدلاء بهذه التصريحات.
السير الوئيد نحو ميانمار.. أولى خطوات الإبادة الجماعية
في الفترة بين 17 إلى 19 ديسمبر (كانون الأول) 2021، شهدت مدينة “هاريدوار” بولاية “أوتار خاند” شمال البلاد مؤتمرًا بعنوان “برلمان الأديان” على مدار ثلاثة أيام، وشهد المؤتمر حالةً من الشحن ضد المسلمين؛ وصل الأمر إلى دعوة القائمين على المؤتمر، حكومةَ بلدهم باتباع “نموذج ميانمار” التي ينفذ جيشها مذابح إبادة عرقية ضد مسلمي “الروهنجيا”.
وكان الراهب الهندوسي “برابودهاناند جيري” أحد المشاركين البارزين في المؤتمر، والذي انتشر له فيديو مؤخرًا يقول فيه: إن “كل بيت مسلم يُولد فيه شخص جهادي”؛ مطالبًا المجتمع الهندوسي بالتصدي لـ”الجهاديين والإرهابيين في بيوت المسلمين وتخليص الهند والعالم منهم”.
وخلال المؤتمر، استمر جيري في ترديد خطابه المعادي للمسلمين، بل طالب الهندوس بتطبيق سياسات الجيش الميانماري ضد مسلمي الروهنجيا، ووصف ذلك بأنه “الطريقة الواحدة المناسبة لتمهيد الطريق لبناء دولة هندوسية فقط”.
ووجه جيري رسالةً أكثر وضوحًا في المؤتمر عندما قال:”الوضع حاليًا إما أن تستعد للموت الآن أو تستعد للقتل، لا يوجد مصير ثالث؛ لهذا السبب، كما هو الحال في ميانمار؛ يجب على الشرطة والسياسيين والجيش وكل هندوسي التقاط الأسلحة ويتعين علينا إجراء حملة النظافة المرجوة”.
“جهاد الحب”.. شائعة هندوسية ضد المسلمين
هناك بعض التعبيرات المتداولة عن نطاقٍ واسعٍ في أوساط المتطرفين الهندوس وأصحاب خطاب الكراهية ضد المجتمع الإسلامي في البلاد، وأبرزها “جهاد الحب – Love Jihad”، وهذا المصطلح يفيد بأن هناك مؤامرة يديرها  قادة مسلمون لحث شبابهم على إيقاع فتيات هندوسيات في حبهم ومن ثم تحويلهن للإسلام بغرض الزواج.
ففي مطلع فبراير (شباط) 2022 تداول النشطاء عبر منصات التواصل في الهند؛ فيديو لراهبةٍ هندوسيةٍ تحث الشباب الهندوس على اغتصاب المسلمات، خلال إحدى المؤتمرات الدينية المثيرة للجدل التي أشارت صحيفة “سياست” الهندية إلى أنها وقعت في “ولاية تشهاتيسجاره” وسط البلاد نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2021.
وطبقًا لما جاء في صحيفة “سياست”، فإن الراهبة كانت تنتقد زواج الهندوسيات من مسلمين، ولكنها وجهت رسائل تحريضية بالغة الهجومية، مثل قولها:”إذا وضع أي مسلم عينه على فتاةٍ هندوسيةٍ من اليوم فصاعدًا؛ فإن نساؤه سيلدم أطفالًا هندوسًا بدون زواج” في تحريض واضح على اغتصاب المسلمات، ووجهت رسالة للشباب الهندوس بالتدخل لمنع زواج الهندوسية من مسلم قائلة: “إذا هربت فتاة هندوسية مع شاب مسلم؛ طاردوها وأعيدوها إلى أهلها، ثم قوموا باستجوابها”.
وبدأ خطاب الكراهية يسفر عن أفعال على أرض الواقع منذ فترة؛ ففي يناير (كانون الثاني) 2022 أجبر مجموعة من الأشخاص الهندوس شابًّا مسلمًا وفتاةً هندوسية على النزول من أحد القطارات؛ ومن ثم تسليمهما إلى الشرطة، بحجة أن الشاب المسلم كان يغري الشابة الهندوسية لكي تترك دينها وتتزوجه وتصبح مسلمةً.
بحسب صحيفة “أنديان أكسبريس- Indian Express” ، فإن الشاب المسلم ويدعى “أسيف خان” كان على متن قطار متجه إلى مدينة “أجمير” بولاية “راجاستان” شمال البلاد بصحبة سيدة هندوسية لم تذكر الصحيفة معلومات عنها إلا أنها تعمل معلمةً، وفي الطريق اعتدى أعضاء تابعون لجماعة “باجرانج دال” الهندوسية عليهما وأجبروهما على النزول من القطار.
وادعى أعضاء الجماعة الهندوسية أن خان كان هاربًا بصحبة السيدة الهندسية وأن دافعه هو “جهاد الحب- Love Jihad”، وأشارت الصحيفة، إلى أنه بعد التحقيقات التي أجرتها الشرطة، تبين أن السيدة الهندوسية متزوجة بالفعل، وأنها كانت على متن القطار بصحبة أسيف خان لأن عائلتها وعائلته أصدقاء وجيران منذ سنوات، وجرى إطلاق سراحهما بعد حضور ذويهما، ولم تسجل ضدهم أي قضية.
منع الحجاب.. الكراهية تتحول إلى سياسة دولة
 في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021 قررت مجموعة من مدارس ولاية كارناتاكا جنوب البلاد؛ منع المسلمات من حضور الصفوف الدراسية بالحجاب، مخالفةً للدستور الذي يكفل الحرية الدينية والثقافية لجميع مكونات المجتمع.
 وفي إثر القرار اندلع عدد من الاحتجاجات المنددة بالتمييز ضد المسلمات؛ بينما انتشرت مظاهرات أكبر مؤيدة للقرار، من طرف الطلاب والنشطاء الذين وضعوا على أكتافهم أوشحة برتقالية، وهو اللون المميز لرهبان الدين الهندوسي.
وفي هذا السياق انتشر فيديو لفتاةٍ هنديةٍ محجبةٍ تقف أمام مجموعة من الطلاب الهندوس الذين حاولوا الاعتداء عليها مرددةً عبارة “الله أكبر”، وهو المشهد الذي حصد آلاف التفاعلات حول العالم من المنددين باستهداف مسلمي الهند.
وشهدت ولاية كارناتاكا اندلاع عدد مظاهرات في مئات المدارس استمرت لشهور؛ إلا أن محكمة ولاية كارناتكا العليا حكمت في منتصف مارس ( آذار) 2022 بتأييد قرار المدارس بمنع الحجاب، وبذلك حصلت الكراهية ضد المسلمين على أول صبغة قانونية.
وحتى الآن لم تصدر أي جهة تنفيذية أو تشريعية قرارات جديدة تستهدف المسلمين بعد قرار منع الحجاب في مدارس ولاية كارناتاكا، ولكن الأعمال العنيفة ضد المسلمين تصاعدت وتيرتها بشكلٍ كبيرٍ، ففي شهر رمضان الفائت، شهدت عشرات المساجد حول البلاد عدة مضايقات شملت إلقاء الحجارة، والرقص والغناء بجوارها (وأعلاها في أحد الحوادث) وبخلاف ذلك، فقد استخدمت الحكومة جرافتها أكثر وأكثر في هدم عشرات المنازل والمتاجر التابعة للمسلمين، فهل يريد مودي الاستمرار في تلقين المسلمين درسًا قاسيًا؟