الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "داعش" و "القاعدة" بين تعاون واندماج

"داعش" و "القاعدة" بين تعاون واندماج

22.11.2018
منير أديب


الحياة
الاربعاء 21/11/2018
عندما أعلن تنظيم "داعش" قيام دولته في العام 2014، وصل خلافه مع "القاعدة" إلى العلن، عندما طلب الأخير من الأول إعلان مبايعته للخلافة التي أقامها. وهنا وصف تنظيم "القاعدة" المنتمين إلى "داعش" بأنهم خارجون على "جماعة المسلمين". وهو ما دفع أبو محمد العدناني، الناطق باسم "داعش" وقتها إلى وصف زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، بـ"الشيخ الخرف". الخلافات القديمة بين التنظيمين؛ جعلتنا متأكدين من استحالة الاندماج بينهما رغم الخسارة التي تعرض لها "داعش". في حقيقة الأمر هناك مظلة تجمع التنظيمين تتمثل في إقامة الدولة الإسلامية "الخلافة"، ولكن الخلافات بينهما أعمق من مجرد نسيانها أو تناسيها خصوصاً وأنها فقهية. فتنظيم "داعش" قام على أنقاض تنظيم "قاعدة الجهاد"، بل كان عائقاً أمام انتشار "القاعدة"، فضلاً عن الخلافات التي أدت إلى الاقتتال بينهما في أكثر من مكان، فكلا التنظيمين بينهما دماء أريقت وفتاوى تكفير، ورغم ذلك قد يحدث التنسيق والتعاون والترابط مِن دون الاندماج التام للأسباب التي رصدناها. التحدي الأكبر أمام التنظيمين مرتبط باندماجهما سوياً، وفي حال حدوث ذلك سنكون أمام تنظيم جديد وتكتيك عسكري مختلف، ومزيج من الخلط بين مفهوم قتال العدو البعيد الذي تتبناه "القاعدة" وقتال العدو القريب الذي تتبناه "داعش"، وعليه سينسحب هذا الاندماج على التنظيمات التي أعلنت مبايعتها لكل "تنظيم"، وهو ما سيظهر أثرة في المشهدين السوري والعراقي. وهنا قد يعود وجه الإرهاب المخيف ولكن في شكل جديد.
التنظيمات المتطرفة صاحبة مشروع فكري وسياسي واحد، وكم الاختلافات والتناقضات بينهما ليس بالعمق الذي يجعلهما يخاصمان فكرة الارتباط والتنسيق والتعاون والاندماج، وهو ما حدث في تاريخ التنظيمات المتطرفة.
ففي الحالة المصرية حدث اتصال وتنسيق وارتباط ارتقى للاندماج بين الجماعة الإسلامية المسلحة وتنظيم الجهاد الإسلامي، عندما دخل كلٌ منهما في صراع مسلح ضد الدولة المصرية وأجهزة الأمن في تسعينات القرن الماضي، على خلفية هذا الاندماج، فوجئنا بعدها بانتقال عبود وطارق الزمر إلى تنظيم "الجماعة الإسلامية"؛ وكانا ينتميان من قبل إلى تنظيم "الجهاد الإسلامي". هذا الارتباط انسحب على تنظيمات أخرى دخلت في صراع مسلح مع الدولة بتنسيق وارتباط مع الجماعة الإسلامية مثل "الشوقيين" و"التكفير والهجرة" وغيرهما من التنظيمات الأخرى.
ويلاحظ وجود تنسيق بين "القاعدة" و"داعش" في أفغانستان، يشمل مجموعات صغيرة لمقاتلين من الجانبين. ويمكن في ضوء ما تقدم القول بأن الاندماج التام بين التنظيمين قد يكون صعباً ولكنه ليس مستحيلاً، وفي حال حدوثه سنكون أمام مشكلة كبيرة لها علاقة بمواجهة "تنظيمين في واحد" ستكون أكثر شراسة من أي مواجهة سابقة مع أحدهما. وسوف تستنزف تلك المواجهة البلدان العربية التي ينشط فيها التنظيمان، إذ ستجمع بين الرؤية والإستراتيجية والمقاتلين الأكثر شراسة، قوة قد تغير من موازين القوة في المنطقة، وهو ما يدفعنا إلى مزيد من قراءة التنظيمات المتطرفة وقراءة ما قد يفعلونه الفترة القادمة، فخطورة "داعش" ليست في خسارتها أراضي كانت تستولي عليها وإنما في تشكلها المستقبلي وتقوقعها في خلايا نائمة وغير مرئية كما كانت في السابق.