الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خيارات بايدن لإخراج إيران من سوريا أو تقليص نفوذها 

خيارات بايدن لإخراج إيران من سوريا أو تقليص نفوذها 

17.12.2020
المدن


المدن  
الاربعاء 16/12/2020 
في مطلع الأسبوع الماضي أعلن مسؤولون عراقيون عن قيام غارة جوية باغتيال قائد في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني عند دخوله سوريا من العراق في 29 تشرين الثاني/نوفمبر حاملاً معه شحنة من الأسلحة. 
وقد ظهرت تلك الأنباء بعد مرور أيام على اغتيال ضابط رفيع في الحرس الثوري وهو محسن فخري زاده الذي تعتبر وكالات الاستخبارات بأنه العقل المدبر لبرنامج الأسلحة النووية الخفي السابق في إيران، حيث تمت عملية الاغتيال بالقرب من طهران. وبالرغم من أن إسرائيل التزمت الصمت بشكل لافت، إلا أن شكوكاً كبيرة تدور حول مؤسستها الاستخبارية وبأنها وراء عمليتي الاغتيال هاتين. 
وقد سارع المسؤولون الإيرانيون لاتهام إسرائيل باغتيال فخري زاده مع توعدهم بالثأر، غير أنهم رفضوا الاعتراف بوقوع هجوم على قوات الحرس الثوري بالقرب من الحدود العراقية-السورية، ناهيك عن ذلك الهجوم الذي قتل فيه القائد المهم.  
وقالت "فورين أفيرز" الأميركية في تقرير ترجمه موقع "تلفزيون سوريا"، إن"لدى إيران سبباً وجيهاً يدفعها لتجنب لفت الأنظار تجاه نشاطاتها في سوريا، إذ لطالما قلّل النظام الإيراني من شأن دوره في ذلك النزاع. ولكن خلال الأيام الماضية، ركز محللون أميركيون بشكل كبير على الثأر لمقتل فخري زاده الذي توعدت به إيران، وهل يمكن لذلك أن يحبط آمال الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في إحياء الاتفاق النووي مع إيران". 
نفوذ محدود 
على مدار بضع سنين، تعودت إسرائيل أن تقوم بين الفينة والأخرى بضرب مواقع إيرانية في سوريا. وخلال الأشهر القليلة الماضية، استهدفت إسرائيل مقاراً إيرانية رفيعة المستوى بضربات تسببت بتصعيد التوتر بين إيران والولايات المتحدة. 
بايدن أشار إلى أن مجابهة الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا سيكون أولوية بالنسبة لإدارته. فطهران تواصل زعزعة استقرار المنطقة عبر دعمها للنظام في دمشق الذي يقمع شعبه بشكل وحشي، وكذلك عبر تهريبها للأسلحة والمعدات لحلفائها وشركائها الذين لا يمثلون الدولة  في العراق ولبنان وسوريا. 
وقد حددت إدارة ترامب المشكلة بشكل صحيح لكنها سعت وراء سياسة كل شيء أو لا شيء التي بالغت بإظهار نفوذ واشطن مقارنة بنفوذ طهران، بيد أن هذا النهج لم يتسبب إلا بترسيخ وتوسيخ نفوذ الجمهورية الإسلامية في سوريا. ولتغيير مسار الأمور نحو الوجهة الأخرى، يحتاج فريق السياسة الخارجية لدى بايدن، بحسب "فورين أفيرز"، أن يتعاون مع الشركاء في المنطقة وفي أوروبا كما لابد له من الاعتراف بأن إيران ستحافظ بكل تأكيد على نفوذ لها في سوريا ضمن حدود معينة. 
إيران وسوريا 
عندما بدأت الثورة في سوريا في عام 2011، قدمت إيران لنظام الأسد يد العون لقمعها. إلا أن ما ظنته إيران حملة سريعة في بداية الأمر سرعان ما تحول إلى تدخل عسكري شامل تورط فيه -مع وصول النزاع لذروته -عناصر من الحرس الثوري الإيراني بالإضافة إلى قوات الجيش الإيراني التقليدية.  
وتعتبر إيران سوريا الجزء الحساس من محور المقاومة التابع لها، كما أنها طريق مهم لتوريد السلاح والعتاد لحزب الله. ولهذا فإن الحكومة التي ستأتي بعد الأسد قد لا يعجبها النفوذ الإيراني، كونها قد تعتمد في تركيبتها على عناصر أكثر من السنّة، ولهذا يمكن أن تتحالف مع منافسي إيران في المنطقة وعلى رأسهم السعودية. إذ بوجود عدد قليل من الحلفاء في المنطقة، تعتبر إيران وجود حكومة صديقة لها في سوريا جزءاً أساسياً من بقائها وقوتها. 
الاستعانة بكل القنوات 
على مدى السنوات الأربع الماضية، سعت إدارة ترامب لتطبيق سياسة غير متماسكة حيال سوريا أضرت بصدقيّتها وكل ذلك صبّ في مصلحة إيران. إذ أعلنت الولايات المتحدة مرات عديدة عن سحب الجنود وتقليل عددهم، كما استهانت بالتزاماتها تجاه قوات سوريا الديمقراطية (قسد). هذه القرارات وغيرها التي اتخذت حيال سوريا أتت مناقضة لخطاب ترامب المتشدد وأعطت انطباعاً بأن الوقوف في وجه إيران هناك لم يكن أولوية بالنسبة للرئيس. 
وترى "فورين أفيرز" أنه يتعين على إدارة بايدن المقبلة أن تتقبل فكرة محدودية خياراتها لمحاربة النفوذ الإيراني في سوريا، إلا أنه ما يزال بوسعها أن تتخذ بعض الخطوات الفورية، فمثلاً، تخضع قوات سوريا الديمقراطية حالياً لأوامر قاطعة صدرت عن واشنطن لمنعها من مخاطبة النظام. ولهذا يجب على الإدارة الجديدة أن تزيل تلك العقبة وأن تسمح بحالة تشارك أكبر بين قسد وروسيا بوصفها وسيطاً.  إذ لو كان هنالك عنصر إقليمي فاعل واحد يقف ضد النفوذ الإيراني في سوريا بشدة فلا بد أن يكون قسد. 
وتقوم السياسة الأميركية الحالية على رفض تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، إلا أن الكثير من الدول العربية سعت لإحياء علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، بمباركة أميركية أو بدونها. إذ  قامت عُمان مؤخراً بإعادة فتح سفارتها في دمشق، وقبلها بسنة أعادت الإمارات فتح سفارتها هناك. ولهذا بوسع الولايات المتحدة أن تحاول التأثير على تلك المفاوضات عبر الدول الخليجية التي ستشارك فيها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنها ستسامح تلك الدول على فتح قنوات خلفية مع النظام السوري، بحسب المجلة. 
ولقد حافظت الولايات المتحدة على قناة دبلوماسية مع روسيا في ما يخص سوريا، وفي الوقت الذي ستعترف فيه الولايات المتحدة بنفوذ روسي محدود وبمشاركة إيران، يتعين عليها أيضاً أن تواصل تعاونها مع روسيا حيث تلتقي مصالح الدولتين. إلا أن كلاً من موسكو وطهران تسعيان لإعلان انتصار الأسد والاستثمار في ذلك، وهنا يجب على الولايات المتحدة أن تستفيد من الهوة التي يزداد اتساعها بين روسيا وإيران. 
كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعاون مع أنقرة وموسكو لإبعاد طهران، ومن الاحتمالات المطروحة في هذا السياق إجراء مباحثات ثلاثية حول الخلايا الإرهابية في إدلب. وهذه المهمة لن تكون سهلة، وذلك لأن العلاقات الأميركية-التركية قد ساءت، كما أن موسكو وأنقرة تختلفان بشكل جوهري على الجماعات التي يمكن أن توصف بأنها إرهابية. 
وكذلك على الولايات المتحدة أن تواصل العمل عن كثب مع إسرائيل لضمان حرية إسرائيل بالقضاء على الأخطار التي تقترب من حدودها مع سوريا، إلى جانب ضمان وجود مصلحة لها في أي مفاوضات ستجري حول إيران والجهات المرتبطة بها، بحسب "فورين أفيرز". 
وأخيراً يمكن القول بإن إدارة بايدن سترث ملفاً معقداً بالنسبة للشرق الأوسط، ولا يعود ذلك فقط للتوتر بين إيران وإسرائيل، بل أيضاً لوجود سوريا ضمن هذا الملف. إذ تبالغ السياسة الأميركية الحالية التي تقف في وجه الدور الإيراني في سوريا في تقدير نفوذ الولايات المتحدة وقدرتها على دحر إيران من سوريا. ولهذا يجب على الإدارة الأميركية الجديدة أن تتقبل حالياً فكرة عدم رحيل إيران عن سوريا بشكل كامل، وعدم تخليها عن نفوذها في سوريا تماماً. إلا أن اتباع سياسة واقعية متدرجة في سوريا لا بد أن يساعد الولايات المتحدة على تخفيف الضغوط والتقليل من خسائرها.