الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خيارات الأسد معدومة للإفلات من مقصلة قيصر

خيارات الأسد معدومة للإفلات من مقصلة قيصر

03.06.2020
صابرة دوح



العرب اللندنية
الثلاثاء 2/6/2020
خيارات النظام السوري في مواجهة قانون قيصر أو محاولة الالتفاف عليه تبدو معدومة في ظل صعوبة الرهان على الحلفاء الإيرانيين وحتى الروس الذين يسابقون الزمن لتعويض خسائرهم من التدخل المباشر في الحرب السورية.
دخل قانون قيصر الذي أقره الكونغرس الأميركي ضد النظام السوري الاثنين حيز التنفيذ، وينص هذا القانون على فرض أقصى العقوبات على النظام وكل المتعاونين معه، وسط تساؤلات عن مدى قدرة الرئيس بشار الأسد وطاقمه على الالتفاف عليه لاسيما مع انهيار دراماتيكي للوضع المالي والاقتصادي داخل سوريا، نتيجة حرب التسع سنوات والخلافات المستمرة داخل عائلة الأسد، والتي باتت تضغط بشدة لاسيما على وضع الليرة السورية.
ويلتزم مسؤولو النظام الصمت، وليست هناك معالم خطة واضحة لمواجهة تبعات القانون الذي تم تسميته بالقيصر أو “سيزر” نسبة لضابط سوري منشق قام بتسريب الآلاف من الصور التي توثق عمليات تعذيب لنشطاء ومدنيين داخل السجون السورية.
ويضع قانون قيصر الذي صدر في 15 نوفمبر 2016، ووقّع عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 من ديسمبر 2019، وأدرج ضمن موازنة الدفاع الأميركية لسنة 2020 الاقتصاد السوري ككل تحت مقصلة العقوبات، ويستهدف القانون كل شركة أو كيان أو فرد في الداخل السوري وخارجه لهم علاقات تجارية مع النظام أو قدّموا الدعم العسكري والمالي له.
ويواجه النظام السوري منذ العام 2012 سلسلة متلاحقة من العقوبات فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في محاولة لإجباره على تغيير سياساته، بيد أنه نجح نسبيا في الالتفاف على تلك العقوبات بفضل دعم حلفائه الإيرانيين والروس.
ويبدو الوضع مختلفا اليوم، فطهران تواجه أزمة مالية غير مسبوقة نتيجة الحصار الأميركي فاقمها تفشي وباء كورونا، والوضع ليس أفضل بالنسبة لموسكو التي بات شغلها الشاغل اليوم تعويض خسائرها من الداخل السوري.
ويقول الدكتور أسامة قاضي، وهو مستشار اقتصادي ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا “في الحقيقة لا يوجد أي خيار أمام النظام السوري سوى الذهاب في خيار الحل السياسي من أجل تسهيل عملية إعادة إعمار سوريا وإطلاق ورشة عمل هائلة لانتشال الاقتصاد الذي قد تكلف إعادة ترميمه ما بين 300 إلى 500 مليار دولار وذلك بوجود حكومة إنقاذ تستطيع إزالة ما خلفته الكارثة السورية على مدى 10 سنوات”.
ويوضح الخبير في الشأن الاقتصادي في تصريحات لـ”العرب” أن قانون سيزر ليس قانون عقوبات عاديا وهو يهدف بالأساس إلى إجبار الأسد على السير في خيار التسوية من خلال تطرقه للقرار رقم “22 45”، مشيرا إلى أن روسيا التقطت بالواضح هذه الرسالة وهي تعمل على وضع يدها على سوريا ليس فقط عسكريا بل وأيضا سياسيا واقتصاديا.
وتتجه أنظار روسيا في الفترة الأخيرة إلى الإمساك بكل مفاتيح الاقتصاد السوري، فبعد قرارها تعيين السفير الروسي لدى دمشق ألكسندر يفيموف مبعوثا خاصا للكرملين، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي مرسوما يفوض وزارتي الدفاع والخارجية لإجراء مفاوضات مع الحكومة السورية بغية تسليم الجيش الروسي منشآت ومناطق بحرية إضافية في سوريا.
وفي المرسوم الذي نشر على موقع البوابة الرسمية للمعلومات القانونية وافق بوتين على اقتراح الحكومة الروسية بشأن التوقيع على البروتوكول رقم 1 والذي يقضي بـ”تسليم ممتلكات غير منقولة ومناطق بحرية إضافية” للاتفاقية المبرمة في أغسطس 2015 بين موسكو ودمشق بشأن نشر مجموعة من سلاح الجو الروسي في سوريا.
وأوكل المرسوم إلى وزارة الدفاع بالتعاون مع وزارة الخارجية “إجراء مفاوضات مع الجانب السوري، والتوقيع عليه لدى التوصل إلى اتفاق بين الجانبين نيابة عن روسيا الاتحادية”. ويسمح المرسوم للوزارتين بإدخال “تغييرات لا تحمل طابعا مبدئيا” في مسودة البروتوكول التي صادقت عليها الحكومة الروسية.
ورغم أن الخطوة لا تخلو من أبعاد سياسية في علاقة بقطع الطريق على مساعي إيران تثبيت قدمها على الشريط الساحلي بما يضمن لها حضورا على المتوسط، إلا أنها تعكس أيضا رغبة روسية في تعزيز استثماراتها في الداخل السوري لتعويض التكلفة الباهضة من جراء تدخلها المباشر في الصراع في العام 2015.
واعتبر قاضي أن الروس بدأوا في وضع أيديهم على الاقتصاد السوري منذ سنوات حيث وقع معهم النظام عقودا طويلة الأمد تصل إلى حوالي نصف قرن من أجل حق التنقيب على النفط والغاز كما منحهم الشركة العامة للفوسفات وأيضا ميناء طرطوس، وآخر قرارت لبوتين في هذا السياق والذي اتخذ قبل أيام هو السيطرة على ما تبقى من موانئ لقطع الطريق على إيران التي وقعت اتفاقية مع النظام السوري من أجل وضع يدها على مرفأ اللاذقية، وتريد روسيا اليوم الحصول على مرفئي بانياس واللاذقية معا بعد أن أخذت مرفأ طرطوس لمدة 49 عاما في إطار اتفاقية تمدد بشكل تلقائي لمدة 25 سنة.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن موسكو تريد الحصول على ما تبقى من مفاصل الاقتصاد السوري وربما تدخل قريبا المشغل الثالث الخلوي بعدما وضعت يدها على منظومة ابن خال بشار الأسد رامي مخلوف الاقتصادية بما فيها أسهم وشركات وملاحقة كل رجال الأعمال المحيطين به.
ويتعرض آل مخلوف الذين يمسكون منذ عقود بمفاصل الاقتصاد السوري لحملة كبيرة من قبل النظام وسط حديث متزايد عن ضغوط روسية تقف خلف تلك الحملة الشرسة.
ويقول كبير المفاوضين في وفد المعارضة السابق محمد صبرا إن روسيا تحاول تسديد جزء من فاتورة تدخلها العسكري في سوريا، ويوضح صبرا في تصريحات لـ”العرب” أن موسكو كانت تعول في البداية على ملف إعادة الإعمار بيد أن الموقف الغربي اضطرها لإعادة النظر في ذلك، وهي تسعى اليوم جاهدة لاستباق التحرك الأميركي ووضع يدها على المجالات الحيوية للاقتصاد السوري من موانئ واتصالات ومطارات لاستعادة جزء من خسائرها.
ويلفت صبرا إلى أن “روسيا لا تبدي اهتماما بتبعات قانون قيصر وما قد يفرضه من عقوبات عليها لسبب هو أن الأوليغارشية الممسكة بالبلاد لا تهتم بما يخلفه ذلك على الشعب الروسي من معاناة فهدفها الأساس هو مصالحها ومراكمة الأرباح”.
ويشير صبرا إلى أن قانون قيصر ليس المستهدف منه الشعب السوري بل الهدف الأساس هو تحييد الآلة العسكرية للنظام وحلفائه، وإجباره على الذهاب في الحل السياسي.