الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خمس سنوات على التدخل الروسي… مجازر وانتهاكات وجرائم حرب

خمس سنوات على التدخل الروسي… مجازر وانتهاكات وجرائم حرب

03.10.2020
هبة محمد



القدس العربي
الخميس 1/10/2020
دمشق – "القدس العربي" : تمكنت روسيا خلال خمس سنوات من تدخلها العسكري المباشر في سوريا من تغيير توازنات المشهد في البلاد، وتثبيت النظام السوري بعد أن كان وشيك السقوط، كما كان تدخلها مدفوعاً بمجموعة أسباب أهمها جيوسياسية وعسكرية واقتصادية، حققت موسكو أهدافها ورسخت نفوذها عبر قاعدتين عسكريتين ومجموعة مطارات وضعت تحت تصرف القوات الروسية، كما حالت دوت تحقيق فصائل المعارضة المسلحة أي تقدُّم ميداني على الإطلاق منذ التدخُّل الروسي وأخرجتها من أهمّ معاقلها حيث خسرت كبرى المدن السورية دمشق وحلب وغيرها.
الشبكة السورية: قتلت خلالها 6859 مدنياً بينهم 2005 أطفال واستهدفت 207 منشآت طبية
وبطبيعة الحال، انتهت العمليات العسكرية، كما أعلنت موسكو رسمياً، لكن ماذا بعد؟ سؤال يطرح نفسه أمام بلد مدمر ونظام فاسد وهزيل هو ما أعلنه الروس أنفسهم حيث قالوا إن النظام لا يمكنه إدارة البلد.
دوافع التدخل
الخبير في الشؤون الروسية – السورية د.محمود حمزة قال إن أسباب التدخل العسكري الروسي له مجموعة دوافع جيوسياسية عسكرية وأسباب اقتصادية لا سيما بعد أحداث أوكرانيا ودخول موسكو في مأزق حيث اعتقدت موسكو بتدخلها العسكري ستثبت للغرب موقفها وتفرض نفسها على المجتمع الدولي، فضلاً عن المصالح الاقتصادية فروسيا تعتبر سوريا بوابة وقاعدة للشرق الاوسط لاسيما أن هناك علاقات تاريخية بين الاتحاد السوفيتي ثم روسيا مع سوريا.
وبالفعل ثبتت روسيا في سوريا، عبر قاعدتين عسكريتين جوية وبحرية في حميميم وطرطوس إضافة إلى المطارات التي تنتشر فيها القوات الروسية. الأسباب التي أعلن عنها الروس وفقاً للخبير السياسي هي "محاربة الإرهاب" حيث اعتبر أن ذلك "كلام فارغ لأن محاربة داعش هو مشروع استخباراتي دولي أرادوا منه ضرب الثورة السورية وتحقيق مصالح متعددة".
وقال د. محمود حمزة لـ"القدس العربي" إن أكثر من 80 في المئة من الضربات الروسية استهدفت المعارضة المسلحة ولم تكن ضد داعش، وأضاف "التدخل الروسي لم يحصل لولا ضوء أخضر أمريكي وفي عام 2015 كان النظام في وضع ضعيف للغاية عسكرياً وميدانياً ولذلك تدخلت روسيا واستعادت موازين القوى لصالح النظام واسترجعت جزءاً كبيراً من الأراضي، تقدر بنحو 45 في المئة بعدما كان يملك نحو 20 في المئة فقط".
الروس لهم أهداف عسكرية أخرى، أعلن عنها بوتين ووزير الدفاع الروسي مراراً، "حيث جربوا أكثر من 350 صنفاً جديداً من الأسلحة وتم تحديث بعضها وتطوريها بعد تجريبها في سوريا، اي أنهم اعتبروا سوريا ميداناً لتجريب الأسلحة، وهذا أقل ما يقال عنه أنه غير أخلاقي وله صفة إجرامية حيث جربوها في المدن والقرى والأسواق الشعبية وقتلوا النساء والأطفال" وفق المتحدث.
فروسيا عملياً استخدمت أحدث أسلحتها في ضرب فصائل المعارضة التي لا تملك سوى أسلحة بسيطة وانتصرت عسكرياً كدولة كبيرة على مدنيين عزل وفصائل محلية صغيرة. كما أعلنوا في أكثر من مناسبة تدريب أكثر من 60 ألف ضابط وعسكري روسي في سوريا، إذ يقول د.محمود حمزة "إن الجنرالات الروس طبقوا تعليمهم النظري على الأرض التي تشمل بلد كامل ضمن مئات آلاف الطلعات الجوية وقتلوا الآلاف وهؤلاء فعليا ليسوا من داعش بل من المعارضين السوريين".
وحول دوافع التدخل الروسي أيضاً يقول الخبير السياسي محمد سرميني لـ"القدس العربي" إن موسكو حشدت كل طاقاتها الدبلوماسيَّة والسياسيَّة منذ بداية الأزمة في سوريا، لدعم نظام الأسد، وقد أخذ هذا الدعم في الفترة من 2011 وحتَّى الربع الثالث من 2015 شكل الدعم الدبلوماسي والسياسي، إلا أنَّ روسيا أدركت بعدها أن هذا الجهد الدبلوماسي والسياسي، مصحوباً بالدعم اللوجستي والعسكري، لم يعد كافياً لتحقيق مصالحها في سوريا، الأمر الذي دفعها للتدخُّل المباشر، حيث بدأت أولى غاراتها هناك يوم 30 أيلول/سبتمبر 2015.
أسباب داخلية وخارجية
ويمكن حصر الدوافع الفعليَّة للتدخُّل الروسي في سوريا بعدة أسباب داخلية وخارجية، على رأسها "منع سقوط النظام السوري الذي يمثِّل نظام الأسد الحامل الرئيسي للمشروع الروسي في البلاد، إذ ارتبط هذا النظام مع موسكو بحلف طويل الأمد منذ السبعينيات، وانعكس هذا الحلف في إقامة قاعدة بحريَّة عسكريَّة في طرطوس منذ عام 1971، وقد أدركت روسيا في عام 2015 أنَّ معادلات الوضع الميداني لا تصبُّ في صالح النظام السوري، حيث كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط، رغم الدعم الإيراني المباشر، وهو ما يعني حكماً خسارة نفوذها التقليدي في سوريا، بما في ذلك قاعدتها الاستراتيجيَّة في طرطوس".
وتحدث الخبير السياسي عما حققه الرئيس الروسي من شرعية داخلية، حيث استطاع فلاديمير بوتين إعادة التماسك السياسي والاقتصادي للدولة الروسية، فقد بنى جزءاً من شرعيته الداخلية عبر تقديم نفسه كرجل دولة قوي يحاول استعادة مكانة روسيا على الساحة الدولية، وقد نجح التدخل في سوريا إلى حد كبير في تحقيق هذا الهدف، وهو ما انعكس على شعبية بوتين، التي ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة بعد التدخل مباشرة.
وتحدث سرميني عن استغلال الانسحاب الأمريكي من المنطقة، حيث جاء التدخل الروسي في سوريا مدفوعاً بنوايا روسية لملء الفراغ الناجم عن الانكفاء الأمريكي الجزئي من المنطقة، وقد شكلت سورية ساحة مناسبة بالنسبة إلى موسكو لملء هذا الفراغ، باعتبار أنَّها ساحة نفوذ روسي تاريخيَّاً، ومن السهل على روسيا توسيع دورها فيه.
وفور تدخلها في سوريا سارعت روسيا إلى تركيز جهودها على المؤسسة العسكرية التابعة للنظام، وعليه بذلت روسيا جهداً كبيراً – وما زالت – لإنجاح إصلاح عسكري في مؤسسة الجيش بإعادة تشكيله من جديد مع التركيز على تعليم وتدريب العسكريين ومراقبة عملية الانتقال مع ضمان الاستقرار.
نتائج التدخل
وتمكنت روسيا خلال خمس سنوات من تدخُّلها وفقاً للمتحدث لـ"القدس العربي" من تغيير توازنات لصالح النظام حيث كان النظام، كما "عززت مكانتها الدوليَّة في النظام الدولي، ومن علاقتها بالأطراف الفاعلة فيه مثل الولايات المتحدة وأوروبَّا بالتحديد عبر جولاتٍ طويلة من المفاوضات والأخذ والرد، واستخدام الفيتو، وفتح المعابر الإنسانيَّة في مجلس الأمن، ثمَّ تشكيل اللجنة الدستورية برعاية أممية وتحت مظلة الأمم المتحدة، وغيرها الكثير من المحطَّات التي أثبتت فيها روسيا حضورها الدولي، وقدرتها على حلِّ الأزمات أو تسهيلها وحتَّى تعقيدها" وفقاً للخبير السياسي الذي أوضح أيضاً أن موسكو تمكَّنت من خلال تدخُّلها المباشر في سوريا من التموضع في موقع الشريك المباشر بصياغة المشروع اللازم للخروج من الأزمة، وكان التجلِّي الأهم لذلك هو القرار 2254 الذي جرت صياغته والاتفاق عليه بين روسيا والولايات المتحدة، وحصل على إجماع مجلس الأمن.
كما تمكنت روسيا من حماية قاعدتها العسكريَّة الموجودة أصلاً في سوريا، وتوسيع قواعدها العسكرية منذ ذلك الحين إلى 24 قاعدة، إضافة إلى 42 نقطة مراقبة، حيث وقعت في نيسان/أبريل 2019 اتفاقيَّة مع دمشق تنص على تأجير ميناء طرطوس للروس لمدة 49 عاماً للنقل والاستخدام الاقتصادي والعسكري، حيث تم تصديق الاتفاقية من قبل مجلس الشعب السوري في يونيو /حزيران/ من العام نفسه.
المختص د. محمود حمزة قال إن موسكو ثبتت نفسها في سوريا وانتشرت في مناطق عديدة وتغلغلت في النظام السوري، وشكلت الفيلق الخامس، كما تدخلت في الأجهزة الأمنية السوري، أما اقتصادياً فلروسيا مصالح مع شركات تعمل في الغاز والفوسفات والنفط.
انتهاكات موسكو
وحول انتهاكات القوات الروسية منذ تدخلها، أصدرت الشبكة السورية لحقوق تقرير أكدت فيه ارتكاب موسكو جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سوريا قتلت خلالها 6859 مدنياً بينهم 2005 طفلاً، واستهدفت 207 منشآت طبية.
وذكر التقرير أن روسيا بررت تدخلها في سوريا بحجة الطلب الرسمي من النظام السوري، موضحاً أن التبرير هو مجرد تضليل قانوني.
وأشارت الشبكة السورية لحقوق الانسان إلى أن موسكو قصفت أحياء سكنية ومسحت أحياء من على وجه الأرض، وحسب التقرير فقد استخدمت روسيا العام المنصرم الفيتو ثلاث مرات من بين 16 مرة استخدمت فيها الفيتو منذ آذار/ 2011، وقد كانت هذه الاستخدامات الثلاثة ضد مشاريع قرارات تعمل على إعادة إحياء القرار رقم 2165 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في تموز/ 2014، والذي يُتيح للأمم المتحدة إدخال المساعدات عبر الحدود من دون إذن النظام السوري. وأشار التقرير إلى إصدار النظام السوري قوانين تمييزية لصالح روسيا مشيراً إلى عقود وقعتها وزارة النفط والثروة المعدنية وشركة ميركوري الروسية، التي استطاعت الحصول على ترخيص للتنقيب عن النفط في منطقة الجزيرة السورية وشمال نهر الفرات.
وسجل التقرير مقتل 6589 مدنياً، بينهم 2005 طفلاً و969 سيدة (أنثى بالغة) على يد القوات الروسية منذ تدخلها العسكري، كما سجل ما لا يقل عن 354 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية، وما لا يقل عن 1217 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية بينها 222 على مدارس، و207 على منشآت طبية، ذلك منذ تدخلها العسكري في سوريا حتى 30 أيلول/ 2020. وطبقاً للتقرير فقد قتلت القوات الروسية 69 من الكوادر الطبية و42 من كوادر الدفاع المدني، إضافة إلى 22 من الكوادر الإعلامية، كما استخدام القوات الروسية للذخائر العنقودية، وقد بلغت ما لا يقل عن 236 هجوماً، إضافة إلى 125 هجوماً بأسلحة حارقة نفَّذتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا.