الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خليفة خامنئي… صيني أم أميركي؟

خليفة خامنئي… صيني أم أميركي؟

27.05.2019
إياد الجعفري


جيرون
الاحد 26/5/2019
يرتبط التوتر الإيراني – الأميركي الراهن، في جانب منه، بمسألة خلافة المرشد علي خامنئي، نظرًا للأثر الحاسم لتلك المسألة في رسم مستقبل إيران، والتأثير على كامل الجغرافيا السياسية في المنطقة، وصولًا إلى التأثير في مسارات الصراع البارد الدائر الآن، بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
وقد شاءت الأقدار، خلال العامين المنصرمين، أن يتقلّص عدد الأشخاص المرشحين لخلافة خامنئي، بصورة أضرّت برهانات الولايات المتحدة الأميركية، وعززت رهانات الصين وبعض الدول الأوروبية.
فرحيل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، مطلع العام 2017، أضعف من ثقل المعسكر المعتدل في النخبة الإيرانية، الذي لطالما راهنت عليه الولايات المتحدة الأميركية، بوصفه حصانها الرابح، في مواجهة حلفاء محليين أقوياء للصين، في مقدمتهم المرشد نفسه، ونجله، مجتبى، أحد المرشحين للخلافة. لذلك واجه رفسنجاني حملة شعواء ضده، من أنصار خامنئي، قبيل وفاته، كانت تستهدف إخراجه من المشهد السياسي الإيراني، قبل أن يتكفل القدر بإتمام ذلك.
ومن ثم كانت وفاة، محمود الهاشمي الشاهرودي، الرئيس السابق لمجمع تشخيص النظام، نهاية العام الفائت، وقد كان الرجل الأقوى، المرشح لخلافة خامنئي. ويعتقد مختصون بالشأن الإيراني أن الشاهرودي، مع أنه من المحافظين، كان متوازنًا، ويتمتع بعلاقات جيدة مع البريطانيين، وليس من المراهنين على انحياز إيراني كامل نحو “التنين الصيني”.
ومع رحيل الشاهرودي، واحتلال صادق لاريجاني مكانه، تقلصت قائمة المرشحين لخلافة خامنئي، الذي درج إلى الثمانين من عمره، فيما ينهش سرطان البروستات بجسده. وعلى الرغم من قوة المرشد، فإن تساؤلات حثيثة تحوم حول مدى قدرته على تعيين الخليفة الذي يريد له. ويرجح كُثر من المتابعين للشأن الإيراني اليومي، أن خامنئي يعمل بجد على ترتيب المشهد لابنه، مجتبى.
ولكن، سواء أكان مجتبى هو الخليفة، أم صادق لاريجاني، الذي ينتمي لعائلة يطبق ثلاثة من الأشقاء فيها على مواقع حساسة في السلطتين التشريعية والقضائية، فإن السياسة الخارجية الإيرانية لن تكون في صالح الولايات المتحدة الأميركية. فـ لاريجاني، يُوصف بالمتشدد حيال الغرب عمومًا، ومن المتحمسين لانحياز إيران لصالح الصين. ولإيران موقع مهم في استراتيجية التوسع الاستثماري – الاستراتيجي للصين. فهي مسار لا غنى عنه، في “طريق واحد.. حزام واحد”، الذي يُوصف بأنه “طريق حرير صيني” جديد، تطمح بكين من خلاله إلى أن تربط العالم القديم بمختلف نواحيه، بشبكة من الطرقات الدولية والسكك الحديدية والموانئ، التي تتيح لها تعزيز تنافسية صادراتها، عبر تخفيف تكلفة النقل لها. وهو المشروع الذي تعده واشنطن بيضة القبان الأخيرة التي إن وُضعت في ميزان الصعود الصيني، فإنها ستنقله بصورة دارماتيكية إلى موقع القوة الاقتصادية الأولى في العالم. لذلك تجاهد واشنطن بشكل حثيث للتضييق على هذا المشروع، والنيل من الصعود الاقتصادي الصيني نفسه، عبر حرب تجارية – تكنولوجية، أشبه بـ “تكسير عظام” بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
أما بالنسبة إلى مجتبى، نجل خامنئي، فيبدو أن الرجل سيكون أقرب إلى عقلية والده، التي تقوم على الموازنة بين الكفتين الصينية والأوروبية، في العلاقات الخارجية لبلاده. وذلك على حساب الولايات المتحدة الأميركية، التي تفقد، رويدًا رويدًا، تأثيرها على حلفائها الأوروبيين.
في خضم ما سبق، تزداد أهمية هوية الخليفة المنتظر لـ خامنئي، في نظر الأميركيين. ولا يبدو أنه بقي لديهم من يراهنون عليه في طهران، سوى حسن روحاني، الذي أثقلت كاهله ضربات المحافظين، لكنه ما يزال يمثل، بجناحه المعتدل المستند إلى إرث رفسنجاني، أحد الأسماء المرشحة لخلافة خامنئي. وهو ما يجعلنا نفهم الحصار الأميركي المتصاعد على الاقتصاد الإيراني، بالتزامن مع التأكيد على الرغبة في التفاوض مع طهران، بوصفه دعمًا لـ روحاني. فإذا خضع المرشد للضغوط الاقتصادية، وقبِل بخيار التفاوض مجددًا على اتفاق نووي جديد؛ فهذا سيمثل انتصارًا كبيرًا لتيار روحاني، داخل دوائر السلطة بطهران. وإذا اقترنت بداية المسار التفاوضي المحتمل، بلقاء قمة يجمع بين روحاني وترامب، فذلك يعني تتويجًا للأول أمام الشارع الإيراني، بوصفه حبل نجاة قد يخرجهم من ضائقة اقتصادية قاسية للغاية، ألمّت بهم بُعيد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. وعند هذه النقطة بالذات، يمكن أن نفهم انسحاب ترامب من هذا الاتفاق، قبل عام، بالتزامن مع الحديث المتصاعد في طهران عن الخليفة المنتظر لـ خامنئي، بوصفه ضغطًا يستهدف تعزيز حظوظ روحاني في كرسي “المرشد”، عبر إظهار نظرائه أمام الشارع الإيراني، بوصفهم سيكونون عنوانًا لشقاء الإيرانيين، عبر سنين من الفاقة الاقتصادية المرتقبة، تحت عنوان “الصمود ومواجهة الشيطان الأكبر”.
وبما يخدم القراءة الأخيرة، يمكن أن نفهم تصنيف الحرس الثوري الإيراني، كمنظمة إرهابية، أميركيًا، بوصفه طريقة أخرى للضغط، بهدف إظهار هذه المؤسسة التي تتكثف حول رموزها شبهات الفساد، بوصفها سببًا في بؤس الإيرانيين.
ترامب صادقٌ، حينما يتحدث عن عدم رغبته في تغيير النظام الإيراني، بل في تغيير سلوكه. لكن تركيز المراقبين على البنود الـ 12 التي طالب بومبيو الجانب الإيراني بتنفيذها، ربما حرف بوصلة التدقيق في هدف أميركي أهمّ، يتعلق تحديدًا، في أن يكون لواشنطن دور حاسم في تحديد الخليفة المنتظر للمرشد، بما يسمح لاحقًا، لواشنطن، في أن تسحب إيران من تحت العباءة الصينية، التي تكاد تغطيها تمامًا.
في هذه الأثناء، إن دققنا في عوامل قوة وضعف المرشحين البارزين لخلافة خامنئي، قد نصل إلى نتيجة مؤداها أن واشنطن تأخرت في الضغط على النخبة الإيرانية. ذلك أن قوة شخصيات كـ صادق لاريجاني، أو مجتبى خامنئي، أضعاف القوة التي يتمتع بها حسن روحاني، الذي يفتقد الود المطلوب مع مؤسسة الحرس الثوري، التي يعتقد خبراء بالشأن الإيراني أنها باتت “الدولة العميقة” الحاكمة فعليًا للبلاد. بل يذهب مراقبون إلى أبعد من ذلك، أن المرشد الجديد لن يكون بقوة خامنئي، بل سيكون أقل نفوذًا وأكثر ولاءً للحرس الثوري. وهي المؤسسة التي تدير اليوم لعبة “القط والفأر” مع واشنطن، وعينها على كرسي “المرشد”، بعد أن لعبت دورًا بارزًا في عمليات التوجيه لانتخاب جزء من أعضاء مجلس خبراء القيادة، عام 2016، وهي المؤسسة المسؤولة عن اختيار المرشد الجديد.
وبعيدًا من خطاب المقاومة للضغوط الأميركية، الذي تبناه روحاني بوتيرة عالية مؤخرًا، انسجامًا مع باقي النخبة الإيرانية، كي لا يكون خلاف ذلك مَمسكًا عليه؛ يبقى الرجل، الذي أسس كل أجندته الانتخابية في الدورتين السابقتين على هدف التصالح مع الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية، ونقل بلاده إلى حالة من الرفاه الاقتصادي التي يعد بها ترامب الإيرانيين إن هم وافقوا على بعض التنازلات في المفاوضات المرتقبة، يبقى هذا الرجل رهان واشنطن الوحيد، في صراع العمائم الدائر الآن على خلافة خامنئي.
فهل تتمكن واشنطن، عبر الضغوط الاقتصادية والتهديدات العسكرية، من تغيير موازين القوى في طهران، لصالح رهانها، روحاني؟ أم يتمكن الحرس الثوري من حرف بوصلة التوتر، ليتحول إلى نكسة جديدة للهيبة الأميركية بالمنطقة، بما يعزز قدرته على تحديد المرشد القادم، بصورة تسمح للصين أن تصبح على مقربة أكثر من شاطئ الخليج العربي.. بل المتوسط أيضًا، بذراع إيرانية؟
أيام وأسابيع قليلة فقط، وتتضح الإجابة.