الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خط الأمل الأخير

خط الأمل الأخير

29.11.2017
ايفا كولوريوتيس


القدس العربي
الثلاثاء 28/11/2017
نعم… تمت خيانة الثورة السورية مع جميع الأطراف الدولية والأخوة العرب. نعم… تمسكت الأقليات بالوحش الطائفي على حساب الحرية والديمقراطية. نعم… كان الشعب السوري يعلم أن الجيران من عرب وترك ليسوا أهلا ولا يملكون الشخصية القوية. نعم… إن الغرب المنافق ما بعد الحرب العالمية الثانية باسم حقوق الإنسان والحيوان لم يشعر بعذابات المستضعفين في بحر الدم السوري إلا من منظور اللاجئين والإرهاب. ونعم إن الأسد الأب قد بنى إمبراطورية استخباراتية وتشابكا إقليميا ودوليا صلبا. لكن هل هي النهاية؟
الواقع على الأراضي السورية، بلغة الباحثين بعلم الجغرافيا، يشير إلى أن الأسد تجاوز مرحلة الأيام المعدودة وعاد ينتشر شرقا وشمالا، كما أن الخلافة الإسلامية تحت مسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بلغة الباحثين في الجماعات الجهادية لم يكونوا جند معركة دابق فقد تقلصوا جغرافيا وإعلاميا والمرجح أن يعودوا إلى مغارات صحراء الأنبار. أما المعارضة السورية المسلحة فهي على ثلاثة أقسام: جزء ينادي بحياة أردوغان فيما يسمى درع الفرات. وجزء يتمسح الرضى الأردني والمصري في الغوطة الشرقية والجنوب السوري . وجزء يعاني من بحر العناصر الاستخباراتية التي تتلاعب بحبكات الاقتتال الداخلي هناك إلا أنهم بشكل أو بآخر، أحببت أو كرهت، خط الأمل الأخير.
إقليميا تغيرت البوصلة بشكل متسارع ما بعد التدخل الروسي المباشر إلا أن حجر الانعطاف الأكبر كان مع سقوط مدينة حلب. فدولة قطر لطالما كانت، برأيي الشخصي، صمام الأمان للثورة السورية فدعمها الإعلامي على سبيل المثال يأتي من خلال قناة "الجزيرة" التي وصفت على لسان أكثر المعادين لها بأنها قناة الشعوب.
أما الدعم المادي القطري فكان الدعم الوحيد غير المسيس. وبالنسبة لأصدقاء هذه الثورة اليتيمة من الأعراب فقد شكل سقوط حلب ضوءا أخضر لإعادة رسم استراتيجيتهم بما يخص سوريا. فالمملكة العربية السعودية، التي دخلت معمعة كرسي الملك المقبل، لم تخرج نفسها من الحرب السورية بهدوء وإنما فتحت ملف علاقاتها مع قطر مما أغلق الملاذ القطري على المعارضة السورية.
وتركيا ما بعد الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016 ليست تركيا ما قبله فمطلب خروج الأسد من قصر المهاجرين اندثر من جميع خطابات الرئيس التركي وممثليه في الحكومة، وأصبحت المصلحة التركية الوحيدة سوريا هي إبقاؤها ورقة لعب دولية لا أكثر. وبخصوص الغرب فقد حصر نفوذه بورقة إعادة الإعمار ما بعد انتهاء الحل العسكري إلا أنني متأكدة من أن قبولهم ببقاء الأسد، الذي تكرر على لسان وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا ثم تم نفيه، هو واقع الحال.
أمريكيا فإن ما سرب من لقاء بوتين وترامب عن كون الأولوية الأمريكية مرتبطة بثلاث نقاط توضح المشهد. الأولى القضاء على "داعش" بشكل كامل وبالتالي يظهر ترامب نفسه على أنه بطل محاربة الإرهاب فعملياته التي لم تتجاوز العام حققت ما لم تستطع إدارة أوباما تحقيقه خلال عامين والأمر لا يحتاج خمسة أعوام ولا عشرين عاما، كما توقع مسؤولو الإدارة السابقة. النقطة الثانية هي أمن إسرائيل من خلال إبعاد التواجد الإيراني وميليشيا حزب الله عن الحدود السورية الإسرائيلية بما يزيد عن 40 كلم . وبهذا الشكل يرضي ترامب اللوبي الإسرائيلي الأمريكي بشكل مبدئي ويبقي لهم بابا لتفاوضهم مع الخليجيين حول وحدة العداء مع إيران ليستخدم نافذة لفتح علاقات دبلوماسية مباشرة. أما النقطة الثالثة فهي البدء بعملية سياسية مفرغة من جوهرها من خلال تخطي المرحلة الانتقالية والاكتفاء بتعديل دستوري وانتخابات رئاسية يكون الأسد أبرز المنافسين فيها، وبالتالي ترضي واشنطن موسكو وترضي الجمهور الغربي بأن عملية ديمقراطية ستتم وأن الانتخابات ستكون بمراقبة أممية وأن الشعب السوري سينجح باختيار حر لمنصب الرئاسة.
نعم إن المشهد قاتم، ونعم إن فرصة نجاح الثورة السورية بتحقيق مطالب الشعب أصبحت بعيدة، لكنها ليست أبعد مما كما كانت عليه في يومها الأول عندما كان الأسد بجيشه ومخابراته يسيطرون على كامل الأراضي السورية. المختلف حاليا الآن هو أن الثوار أصبح لديهم مخزون من الذاكرة، يعلمون أن ليس لهم أصدقاء حقيقيون، وأن الدافع الديني ليس بابا للانتصار.
أسقطت أمريكا الرئيس العراقي السابق صدام حسين بأيام وأعلنت حكومة وأعادت تشكيل الجيش العراقي، لكن هل أذعن العراقيون وأنسجموا مع ما فرض عليهم؟ كلا. ولايزال العراق حتى يومنا هذا يتخطى الحبكات الدولية بالرغم من كون الجماعات الجهادية الراديكالية صبغت بأياد خارجية إلا أن هذا لا ينفي كونها تعبيرا شعبيا عراقيا عن رفض الواقع.
فلا تتوقع من الشعب السوري أن يكون أضعف من جاره، كما أن المعادلة الدولية الحالية ليست استراتيجية طويلة الأمد وإنما توافقات آنية قد تتبدل بأي لحظة، وعلى المفكرين في الثورة السورية أن يعيدوا ترتيب أوراقهم ويتجهزوا للانعطاف الدولي المقــــــبل ليستفيدوا منه بأقصى شكل ممكن. الأمل لن يمحى من القاموس السوري.
كاتبة من اليونان