الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطوط النزاع: كلمة السر في قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال سوريا

خطوط النزاع: كلمة السر في قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال سوريا

12.07.2021
منهل باريش


القدس العربي 
الاحد 11/7/2021 
يشير التراجع الروسي عن قرار رفض تجديد الآلية عبر الحدود إلى حصول تفاهم غير معلن بينها وبين أمريكا حول الثمن الذي كسبته موسكو وتخلت عنه واشنطن. 
مررت روسيا قرارا في مجلس الأمن، الجمعة، يفوض الأمم المتحدة إدخال المساعدات الإنسانية لشمال غرب سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. وصوت أعضاء مجلس الأمن، الخمسة عشر على القرار 2585 لعام 2021 الذي عملت النرويج وايرلندا على صيغته منذ نحو ستة أشهر، وتوجت النسخة النهائية بلمسة روسية-أمريكية مشتركة. 
واستند القرار بصيغته النهائية على القرار 2165 لعام 2014 تحديديا على الفقرتين (2) و (3) وسعت روسيا من خلال ذلك التأكيد على تمرير المساعدات عبر خطوط النزاع (التماس بين جبهات القتال بين المعارضة والنظام) ومعبر باب الهوى. 
ووصف المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، عقب التصويت، القرار انه مشروع قرار روسي أمريكي مشترك حول إرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، واعتبره لحظة تاريخية. حيث "تمكنت روسيا وأمريكا لأول مرة من التوصل إلى اتفاق، بل عرض نص مشترك دعمه جميع زملائنا في مجلس الأمن". وتأمل "أن يصبح هذا السيناريو منعطفا تستفيد منه سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، بل العالم بأسره". 
وأشار المندوب الروسي في كلمته المقتضبة إلى أن القرار الجديد "يشدد لأول مرة على تطوير عمليات إيصال المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس" موضحا أن "أعضاء مجلس الأمن أعطوا الضوء الأخضر لاستكمال الآلية العابرة للحدود بشكل تدريجي ومن ثم استبدالها من خلال استخدام خطوط التماس". وهو ما لم يتضح بنص القرار صراحة أو تلميحا، فيما اقتصر ذكره على آلية توزيع المساعدات عبر خطوط النزاع. 
من جهة أخرى، رحبت الصين بالقرار كونه اتخذ بالإجماع، وعبر مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير تشانغ جون على أن قناة توزيع المساعدات يجب ان تنحصر في دمشق مستقبلاً. 
لافتا إلى أن بلاده "قدمت مساعدات على مختلف الصعد إلى سوريا". وشدد على أنه يجب أن تخضع الآلية العابرة للحدود إلى تقييم وضبط، من أجل الانتقال إلى الايصال عبر الخطوط. 
واكد ان الإيصال عبر الحدود هو مسألة سياسية وجدلية، ويجب احترام سوريا وسلامة أراضيها، وطالب الدول المعنية دعم فتح الخطوط من دمشق إلى شمال سوريا. وانتقد استخدام الآلية عبر الحدود لأغراض أخرى غير إنسانية، داعياً مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات لتجاوز العقوبات الأحادية على سوريا. 
في كلمتها، شكرت المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن، السفيرة ليندا توماس غرينفيلد المشاركين في صياغة المشروع على "الجهد الاستثنائي الذي بذلوه للوصول بنا إلى هذه النقطة اليوم". وأشارت إلى تنفس ملايين السوريين الصعداء اليوم، حيث سيتمكن الآباء من النوم الليلة وهم يعلمون أن أطفالهم سيتلقون الطعام خلال فترة الاثني عشر شهرا المقبلين. مضيفة "إنها لحظة مهمة لتعافينا العالمي من كوفيد-19 لأن اللقاحات الآن يمكن أن تتدفق إلى سوريا". 
ونوهت إلى أن إعادة التفويض اليوم لن تؤدي إلى سد الاحتياجات الهائلة على الأرض بشكل كافي، لكنها ستوفر الإغاثة الضرورية. وأكدت على مواصلة "العمل لتوسيع جميع أشكال الوصول. هناك المزيد الذي يمكننا القيام به وهناك المزيد الذي ينبغي علينا القيام به في الأسابيع والأشهر المقبلة". 
في السياق، وفور التصويت على القرار 2585 الخاص بإدخال المساعدات إلى سوريا، أجرى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اتصالا هاتفيا مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. 
وذكر البيت الأبيض، في بيان، أن "الرئيسيين أشادا بالعمل المشترك لفريقيهما في أعقاب القمة الأمريكية الروسية (عقدت في جنيف بتاريخ 16 حزيران (يونيو) الفائت) التي أدت إلى الإجماع في مجلس الأمن على استئناف نقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا". 
في المقابل، أكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن بوتين وبايدن أجريا اليوم اتصالا هاتفيا دون إعطاء تفاصيل عن نقاط الحديث بين الرئيسين، حسب ما نقلت "روسيا اليوم". 
وحققت الأطراف جميعها من خلال إقرار التمديد لتفويض الأمم المتحدة، مكاسب يشعر كل منها انه المنتصر. فواشنطن، على سبيل المثال، لم تخفق في خسارة الملف كاملاً، بعد أن رفعت سقف مطالبها وتحدثت عن فتح ثلاثة معابر، هي باب الهوى في إدلب وباب السلامة في ريف حلب الشمالي واليعربية في محافظة الحسكة وهو المعبر الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية "قسد" حليفة أمريكا في حربها على تنظيم "الدولة" وهو صلة الوصل بين إقليم كردستان العراق وسوريا. وانتهى الأمر بها (واشنطن) في نهاية المطاف أن تقبل بالتمديد لمعبر حدودي واحد فقط. 
عملياً، أخفقت أمريكا بتحقيق مكسب سياسي طويل الأمد على جبهتين، فهي أولاً، لم تستطع انتزاع حق فتح معبر اليعربية في مناطق نفوذها شرق الفرات وهو ما سيجعل المساعدات الإنسانية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تحت رحمة النظام في دمشق. ثانياً، جبهة شمال غرب سوريا، فرغم ان زمن القرار حدد بمدة عام كامل، إلا أنه مرهون بتقرير الأمين العام بعد ستة أشهر، تشترط فيها روسيا، تمرير المساعدات عبر خطوط النزاع (التماس) بين النظام والمعارضة. 
كما أن تمديد عمل الآلية الدولية من أجل إدخال المساعدات لا يعني في حال من الأحوال، تثبيت خطوط التماس في منطقة محددة. على العكس من ذلك، فقد يشكل تغير خرائط السيطرة التفافاً على القرار نفسه. فالمعبر الذي تسيطر عليه هيئة "تحرير الشام" اليوم، سيصبح بلا قيمة في حال وسع النظام وحلفائه الهجوم ليصل إلى المعبر. وفي حال سيطرة النظام عليه، سيصبح إدخال المساعدات عبر الحدود أو توزيعها من دمشق سيان، ولا تعني السيطرة عليه، أن يقوم النظام وحلفائه بعملية اجتياح كبيرة لإدلب، بل يمكن حصول ذلك من خلال الهجوم من ريف حلب الغربي قرب بلدة الأتارب وصولا إلى بلدة سرمدا وباب الهوى، ويعزل هذا الهجوم منطقة خفض التصعيد في إدلب عن عفرين وريف حلب الشمالي. 
بعيدا عن احتمالات العمل العسكري، ففتح معبر بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، جرى الاتفاق عليه بين تركيا وروسيا وباركته أمريكا-كما تفيد مصادر متقاطعة من نيويورك، سيكون مردوده سياسيا بالنسبة للروس والنظام أكبر من عدم وجوده. فهو سيعيد الحركة التجارية بين إدلب ومناطق سيطرة النظام، ويعيد إنعاش الليرة السورية التي انحسر التعامل بها في شمال سوريا كثيرا. كما انه سيؤمن الكثير من السلع التجارية إلى مناطق سيطرة النظام، ويفعل عمل شبكات النظام الاقتصادية للالتفاف على العقوبات بحق عدد كبير من رجال الأعمال الصاعدين والمحسوبين على الحلقة الأمنية الضيقة للنظام وأجنحتها. إضافة إلى أنه سيفرض تطبيع العلاقة المنقطعة بين النظام وإدلب من ربيع عام 2015. 
يشير التراجع الروسي عن قرار رفض تجديد الآلية عبر الحدود إلى حصول تفاهم غير معلن بينها وبين أمريكا حول الثمن الذي كسبته موسكو وتخلت عنه واشنطن. فقد رفض وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، تجديد الآلية قبل نحو أسبوعين، ووجه اتهامات لتركيا وهيئة تحرير الشام بإعاقة فتح المعبر الداخلي بين خطوط النزاع في سراقب. وكذلك عاد ألكسندر لافرنتييف مبعوث الرئيس الروسي لسوريا ليرفض مسألة تجديد القرار يوم وصوله للعاصمة الكازاخية نور سلطان لحضور الجولة رقم 16 من مسار أستانا.