الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطة عربية ضد إيران

خطة عربية ضد إيران

06.01.2019
ميشيل كيلو


العربي الجديد
السبت 5/1/2019
ما أن أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، سحب قوات بلاده من سورية، وأقر في اليوم الثاني من العام الجديد (2019) بالهزيمة أمام إيران فيها، بسبب سياسات سلفه باراك أوباما، الذي "ضيّع سورية"، وهذه "أرض الرمل والموت"، حسب وصفه، ما أن فعل ذلك حتى أعلن بعض العرب خطةً برّروا بها إعادة علاقاتهم مع الأسدية، وقالوا إنها تهدف إلى استعادة دمشق من طهران: المنتصرة في سورية الشقيقة واليمن السعيد، حيث هُزم "عرب الخليج" في الأولى، وعجزوا في الثانية عن فك حصار تعز المستمر منذ ثلاثة أعوام، على الرغم من إعلانهم مرات عديدة إنه أولوية بالنسبة إلى "التحالف العربي/ الإسلامي"، بينما عجزت جيوشهم عن تحرير الحديدة التي قالوا، منذ عام، إنها على بعد أربعة كيلومترات من مرفئها، كما عجزت عن منع الإمدادات عن الحوثيين "المحاصرين" فيها، على الرغم من السيطرة الجوية المطلقة لطيران "التحالف"، وما أشيع دوماً عن قطع طرق الإمداد إليه!.
لن أصدّق أن رئيس السودان، عمر البشير، وأقرانه العرب، أتوا إلى سورية لانتزاعها من إيران، بينما يعلن رئيس أقوى قوة عسكرية عرفها التاريخ انسحابه منها، ويلمح إلى أن العمل لاستردادها لن يكون غير ضربٍ من العبث. ولن أذكّر بمحاولاتٍ سابقةٍ قامت بها دول كبيرة توهمت أنها تستطيع انتزاع الأسدية من الملالي، كما فعل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي عام 2008، ثم تبين أن محاولته كانت فشلاً ذريعاً، لأنها تجاهلت ما يتجاهله عرب اليوم: طبيعة العلاقات الإيرانية الأسدية التي تنتمي إلى مجال عقدي، مذهبي/ طائفي، لا يشبه حقل الدول السياسي، بل له طبيعة خاصة، ما دون دولوية. لذلك تنبع خيارات الأسدية وأغراضها من بيئة أيديولوجية حافلة بالمقدّس محدّداً للدهري والدنيوي، بما في ذلك لما هو سياسي. ولذلك تنتفي من علاقاتها الصلات التعاقدية القابلة للتعديل والإلغاء، والتي تقوم عادة بين كيانين سياسيين، أو دولويين متعاقدين، وتقتصر على علاقات احتواء ودمج، يبتلع أحدهما فيها الآخر، وبالتالي الكبير الصغير والقوي الضعيف، ويطبعه بطابعه إلى الحد الذي يقيّد حريته، ويقوّض إرادته، أو يسلبه إياها بصورة تامة، فكيف إن كان هو الذي أنقذه وأبقاه في السلطة منذ عام 2012، ورابط على أراضيه بقوات متعدّدة الجنسيات، كما يرابط الملالي بجيوش ومرتزقة تجمعهما هوية واحدة وأهداف مشتركة، لا قبل للحطام المتبقي من الأسدية بها، ولن يتمكّن من الانفكاك عنها. ومن المحال أن يفكّر في أمرٍ كهذا، لأن ملالي طهران يستطيعون "فك رقبته" إن فكر بالانفكاك عنهم، أو صدر عنه ما يشير إلى نيته التفاعل بإيجابيةٍ مع عرب الخليج الذين لا يأمن جانبهم إن رفعت عنه حماية طهران. ويبدو أنهم لم يقرأوا ما كتبه إعلامه من شتائم شخصية لهم، لم توفر آباءهم وأجدادهم، أعلمتهم أنهم رجعوا إلى دمشق صاغرين مدحورين. وكان عليهم تقبيل حذاء الأسد مقابل سماحه لهم بالرجوع، علماً بأنه "سيحاسبهم على دعم للإرهاب"، ولن يشفع لهم عندئذ توسل أو اعتذار.
هل يوجد في وطننا العربي من يراهنون حقاً على عروبة حاكمٍ لم يكتفِ بقتل مليون سوري، وإنما قال في حديث متلفز: "ليذهب العرب وفلسطين إلى الجحيم، نحن لسنا عرباً"؟ ألا يدرك هؤلاء أن الأسدية ستعاود مألوفها في ابتزازهم مالياً، لمصلحة إيران المحاصرة والمستنزفة أيضاً، المحتاجة جداً إلى أموالهم؟
يعود إخوتنا إلى دمشق، ويعلن النظام انتصاره بدعم الملالي، وترامب انسحابه أمامهم، في حين تعرف طهران دور العرب في إفشال ثورة الحرية، ويرجّح أن ترى في خطوتهم محاولةً للتقرّب منها، ولتهنئتها بانتصارها.