الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطاب بشّار الأسد...مجلس محلّيّ للجواكر والمهرّجين

خطاب بشّار الأسد...مجلس محلّيّ للجواكر والمهرّجين

20.02.2019
مهنا بلال الرشيد


سوريا تي في
الثلاثاء 19/2/2019
كنت أتصفّح تويتر، وإذ بصفحات إخباريّة متعدّدة تقول: بعد قليل خطاب لبشّار الأسد، في البداية لم أتشوّق إلى فكرة المشاهدة، وتابعت جولتي في تويتر، فتكاثرت كلمة (عاجل)، ولا سيّما من صفحات الممانعة والممانعين؛ الذين سيظفرون -بعد طول إفلاس-بمادّة إعلاميّة، أعتقدُ أن تقتاتَ عليهما قنواتُهم؛ ويسترزق منها ممانعونهم شهرًا قادمًا، ولربّما أكثر.
دفعني الفضول إلى فتح تطبيق "الفضائيّة السّوريّة" عبر الهاتف الجوّال؛ فأيقنت صدق الخبر العاجل، حين وجدت كتابة شباطيّة حمراء (نسبة إلى شباط شهر الحبّ)، تقول: انتظروا خطاب بشّار الأسد بعد قليل، ويبدو على "تَتَر" الفضائيّة المكرّر ملامح الانهماك؛ كأنّها أمّ العروس ليلة زفافها، وتخلّل الانهماك خلل فنّي، عرضوا فيه نصف دقيقة من فيلم وثائقيّ عن الانفجار الذّرّي، ثمّ عادوا يكرّرون "التَّتر" المملّ؛ حتّى علا التّصفيق، وظهر عريس الغفلة بعد طول انتظار.
دخل بشّار القاعة الكبيرة من باب جانبيّ، ورفع يده يلوّح بها، متوجّهًا نحو منبره على خشبة المسرح؛ ليؤدّي دور البطولة في عمل مسرحي
دخل بشّار القاعة الكبيرة من باب جانبيّ، ورفع يده يلوّح بها، متوجّهًا نحو منبره على خشبة المسرح؛ ليؤدّي دور البطولة في عمل مسرحي مكتوب لرئيس يخطب بجماهير (المجالس المحلّيّة) الّذين اختارتهم فرقة المراسم في الحرس الجمهوريّ بعناية فائقة لحضور الخطاب، ويشاركه في المسرح الحداثيّ ثلاثون ممثّلًا تقريباً، وزّعهم رجال أمن الدّولة على الصّفوف والكراسي بين الجماهير، وتشارك هيثم سطايحي وبثينة شعبان ودريد لحّام ونزار عمر الفرّا في كتابة سيناريو الخِطاب وقصّته، ووزّع نائب رئيس مجلس الشعب نجدت أنزور الحوار والأهازيج على "الممثّلين؛ ممثّلي الشّعب في المجالس المحلّيّة"، وكان زهير رمضان من خلف الكواليس يشير إلى الجماهير عند نهاية مشهد وبداية آخر، كلّما أحس بعطش بشّار أو تلعثمه أو سمع منه حِدّة وصفيرًا بحرف "الثّين لا ثمح الله".
بدأ الخطاب المشؤوم، وأنا أقول في نفسي: بعد قليل تأتي زبدته؛ فينقز "جوكر محلّيّ" يفسد عليّ "لذّة الخطاب"، وينزع "جماليّة التّلقّي"، ويربك عندي "متعة التّأويل"، ويتلو صوت "الجوكر" تصفيق يشنّف الآذان، أيقظ فينا حنينًا لأيّام خالية؛ صارت جزءًا من ذاكرتنا على قساوتها، تذكّرتُ فيها خطابات البيعة والقَسم والتّصفيق المتلاحق عبر السّنوات لحركة تصحيحيّة يتيمة.
عاد الرّئيس للخطاب مجدًّدًا، وعدتُ لأنتظر الزّبدة من جديد؛ فنقز "جوكر جديد"، فقلت في نفسي: كيف يتجرّؤون على مقاطعة خطاب الرّئيس المهمّ بعد طول غياب؟! لعلّها حماسة أو مغامرة عفويّة، قد تودي بصاحبها إلى مصير لا يُحسد عليه؛ ثمّ وضعت يدي على زرّ التّصوير لألتقط صورة لشاشة الجوّال إذا نقز "جوكر آخر"، وفجأة تظهر "بنت البستون" مقاطعة خطاب الرّئيس؛ صوّرتُها، وأصغيت لكلام الرّئيس حول "أزمة جِرار الغاز وشفافيّة توزيعها في جبلة"، وقبل أن أفهم مقاصد الرّئيس، نقز-مُقاطعًا-"ختيار الدّينار"، ثمّ تكاثرت المقاطعات، وتوالى تصوير الشاشة في الجوّال؛ ليظهر "تُرس الزّهر"، وقد وزّعها الإخراج الفاشل في شرق القاعة وغربها وشمالها؛ فتلاشى الصّوت في فضاء المكان الرّحيب، وحين كان المصّورون يحاولون اصطياد عفويّة البنات تصويرًا، عاد الرّئيس إلى الحديث عن الجزء الرّابع من مسلسل "غراندايزر"، وقد أطلق عليه كُتّاب خطاب الرّئيس اسم: "الجيل الرّابع من الحرب الكونيّة"، وعندما بدأتُ أفهم شيئًا من شرح بشّار عن أحداث الحرب الكونيّة في الفيلم، ودور (الفيس بوك) في تشويه الحركة التّصحيحيّة والتأثير السّلبيّ (للآيفون) في (نظريّة الحكم الوراثيّ)، تزاحمت "الجواكر" حمرًا وسودًا، وهي تُقاطع خطاب الرّئيس، ثمّ هزج "ختيار الكوبا" بأنشودة من تراث السّويداء، وتسبّبت "بنت الزّهر " وفي رواية أخرى "بنت الذّباب" بخروج الرّئيس عن النّصّ، وتقديم تحيّة لأهالي إدلب (خصّ نصّ) في اللّحظة الّتي كان فيها طفلٌ بريء من أطفال إدلب، يحترق بقذائف جنود ماهر وبشّار في خان شيخون.
تكاثر عندي تصوير الشّاشة بشكل لم أتوقّعه أبدًا، فقلتُ: لعلّ نجدت أنزور ارتكب خطأً في الإخراج، أو ربّما فسّر زهير عبد الكريم لمحمّد قبنض نصّ الخطاب لدى بشّار بطريقة مختلفة عن تفسير زهير رمضان؛ فأدّى الأمر إلى ارتباك إخراجي واضح لدى نجدت أنزور.
عاد الرّئيس للخطاب مجدًّدًا، وعدتُ لأنتظر الزّبدة من جديد؛ فنقز "جوكر جديد"، فقلت في نفسي: كيف يتجرّؤون على مقاطعة خطاب الرّئيس المهمّ بعد طول غياب؟!
ثم قلت في نفسي مرّة أخرى: لأترك التّصوير للاهتمام بمرامي الخطاب ومقاصده، ولا شكّ أنّي سأجد كثيرين قد صوّروا الخطاب وسجّلوه؛ وفعلًا تركت التّصوير، واستمعتُ إلى باقي حفلة الخطاب؛ فلمست تطوّرًا ملحوظًا في النّظرة إلى شركائنا في الوطن من مليشيات روسيا وحزب الله ونوري المالكي حسب نظريّة (الوطن لمن يدافع عنه) في خطاب بشّار السّابق؛ لتظهر نظريّة "الأصحاب الحقيقيّين للوطن".
ثمّ عاد النّقّازون للظهور؛ وبسبب نقزهم لا بسبب نقص في فصاحة الرّئيس-لا سمح الله-لم أفهم نظريّة: (انتصرنا مع بعض) ولم (ينتصر بعضنا على بعض)، حاولت تفسيرها بأنّ طفل خان شيخون المحترق أثناء الخطاب شريك بالانتصار مع ابن بشّار صاحب مونديال الرّياضيّات؛ فلم يستقم في ذهني المعنى أبدًا، فقلت: سأجرّب محاولة تأويليّة أخيرة، قبل أن أعدّ صور الجواكر والختايرة وبنات البستوني والدّينار في شاشة الجوّال؛ فوجدت بشّار يقول: ما لم يحقّقوه بالحرب لن يحقّقوه باللّجنة الدّستوريّة العميلة؛ فقلت بصوت مرتفع: كأنّك يا أبو زيد ما غزيت، وكذلك قلت: (وفسّر الماء بعد الجهد بالماء) حين تذكّرت تصديقي السّاذج لكذبته حين خاطب بشّار الثّوار في لحظة من لحظات اشتداد الثّورة ضدّه، ودعاهم إلى ترك السّلاح، والحصول على ما يريدون بتعديل الدّستور والعمل السّياسي؛ فتندّمت على متابعة الخطاب، وأحصيت في جوّالي اثنتين وخمسين لقطة لشيّاب الخطاب وبناته وجواكره ومهرّجيه.