الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطاب الأسد

خطاب الأسد

25.02.2019
د. محمد حاج بكري


الدرر الشامية
الاحد 24/2/2019
بتاريخ 17/2/2019 ظهر الديكتاتور المتهالك على شاشة التلفزيون ليقدم لنا إثباتًا عينيًّا عن عمق الأزمة، وعن تواصل الارتباك والصدمة مما يقع في سوريا من تحولات، وليعكس بوضوح حالة من ضيق الأفق والحيرة والتخبط أدت جميعها إلى فقدان البوصلة عنده؛ مما يؤشر إلى قرب التحاقه بقافلة المقتولين غير مأسوف عليه.
أريد فقط في مستهل كلامي هذا أن أذكّر بأن أهم الصفات التي يعيشها الأسد اليوم أنه جبان لأنه يعرف أنه فاقد للشرعية..أنه كاذب فهو يكذب للحصول على أي شرعية .وأنه غبي ومعتوه لأنه لا يسمع إلا ما يحب ولا يرى إلا ما يريد.
لكن ديكتاتور سوريا في خطابه الأخير أثبت للعالم أنه يحمل صفات أخرى فهو أنذل وأحقر وأسفل الديكتاتوريين الذين عرفهم العالم في تاريخه، فالشعب الذي نادى بصوت الملايين يقول له نحن نكرهك ولا نريدك بحيث لو كان عنده ذرة شرف وكرامة لتناول أقرب مسدس وأطلق النار على نفسه لكنه أجبن من أن يفعل ذلك لأن من صفاته أنه جبان.
بحكم وضاعة الخطاب وضعف حقه الدلالي، إضافة الى حجم التشنج الذي كان عليه المجرم بشار أثناء إلقائه فإنني أتجه للإقرار وبحكم التوصيف بعدم وجود مجالات واسعة لتحليل مفرداته وتتبعه مفاصله، نظرًا لحالة الفقر المضموني الذي كان عليه ولحالة الانفصام عن الواقع بشكل جذري وخاصة الكذب اللا متناهي لكن هناك بعض النقاط السريعة التي سأتحدث عنها وبإسهاب.
لقد جمع الأسد في خطابه وبشكل استثنائي ما يميزه عن كل الرؤساء بين خطاب الرداءة ورداءة الخطاب وهي سابقة تحسب له، وبدا متوترًا ومضطربًا ويحتاج إلى جرعات من التماسك والرصانة، وفي العادة يخضع الرئيس وخاصة من يعاني حالة فقر في علمه ومعرفته والخطابة والبلاغة إلى دورات تدريبية على يد مختصين في مجال إلقاء الخطاب ومخاطبة الشعب ويبدو أنه فشل في مراحل التأهيل فهو لا يزال كثير الحركة وخارج عن النص ويقدم مفاهيم جديدة لا يفهمها حتى هو ويبدو أن كمية الأدرينالين مرتفعة جدًا لديه نتيجة الضغط .
تحدث عن الفساد وتناسى أنه نتيجة حكمه والمقبور والده لمدة 50 عامًا وتناسى أن ثروته تتجاوز 120مليار دولار مع عدم إضافة ثروة باقي أفراد عائلته وثروة آل مخلوف وشاليش وباقي المقربين، لكن الحقيقة العتب على من قبلوا تعويضًا علبة متة أو كرت باص مجاني عن أولادهم الذين قتلوا في سبيله.
إنك فاسد يا فخامة الديكتاتور وإن الفساد يحيط بك وبكل المقربين منك فكيف سيصلح الفاسد الطالح، إنك وعصابتك تشبهون البيضة الفاسدة والتي لا تفيد معها كل أنواع العطور والتجميلات.
الوطنية في نظره تتلخص بعبارة الأسد للأبد، ومن يخرج عليها هو خائن وعميل وتابع واتهم جموع الشعب بالبأس والشدة على وطنهم وأنهم نعاج أمام الغير، وتناسى أنه لم يبق عليه إلا اللطم على صدره وأن لقبه الحيوان في الولايات المتحدة الأمريكية وذيل الكلب في روسيا، وغاب عن وعيه منظره الذليل في مطار حميميم أثناء وداع بوتين.
كيف لمرتزق أن يتحدث عن سيادة وطن وهو المرتهن العبد الذليل الذي أباح بلاده بجوها وبرها وبحرها عبر معاهدات واتفاقيات أكثر من أن تعد وتحصى ورمى بنفسه في مزاد الخزي والعار واستقدم عصابات الكون وميليشياته لتقتل شعبه.
تطاول الأسد على تركيا رئيسًا وشعبًا وكأنه لم ير كيف استجاب عشرات الملايين في تركيا إلى مكالمة هاتفية من هاتف نقال لرئيسهم، بينما هو قتل أكثر من مليون وشرد أكثر من نصف الشعب ويبدو أنه لا يقرأ التقارير العالمية وتصنيفاتها ولا يوجد تقرير إلا وسوريا تقبع في ذيله من الفساد إلى الإرهاب إلى الشفافية ...إلخ ولا يعلم أن تركيا تتبوأ المراكز الأولى على مستوى العالم في الاقتصاد والصناعة والزراعة والسياحة ...إلخ
تحدث الأسد أنه هزم في وسائل التواصل الأجتماعي ولا يدرك أنه أول من صرح عن جيش إلكتروني قوامه 60 ألف شخص
لن أغوص في الخطاب فهو مليء بالكذب والتفاهة ولن أتحدث عن جوقة المغفلين الحاضرين فقد سئمنا، فلم أكن يومًا أحب سماع خطاباته العقيمة التي تدل على أزمة الذهنية السياسية وضحالتها لديه في أغرب اطوارها، ولكن بدافع متابعة الشعب السوري استمعت لما سيقوله هذا المعتوه بعد أن انحسر عنه المجد والتاريخ والهالة العجائبية وأصبح من ركام الماضي وسنقرأ في كتاب الصف لأبنائنا الصغار لنقول لهم هذا الديكتاتور قتلنا.
هذا المعتوه لا يهمد ومازال فصامه السياسي يستثمر بعض العقول الصغيرة والمضحك المبكي مازال حتى اللحظة يعاني من فقدان ذاكرة فهو يقفز على أحداث 15/3/2015 المباركة، وعلى هتاف الملايين المطالبين إياه بالرحيل وإسدال الستار عن أبشع عهد مر على سوريا من الإحتراب الداخلي والفتن والتصفيات والإخفاء والتهجير القسري عهد اللا دولة واللا قانون واللا عدالة عهد الكيماوي والبراميل.
حالة من الفصام الغريب تجلّت في خطابه، اليد التي تحب التلويح ما زالت هذه اليد السوداء التي قتلت ودمرت وأخفت والتي بسطت جنونها على رقابنا لعهود طويلة لا تدرك أنه لولا إيران وروسيا وبعض المجتمع الدولي لكانت مقيدة في إحدى السجون.
بالنسبة لنا فقد انتهى نظام العصابات، وانتهى عصر الأصنام، وانتهى عصر العبودية لحاكم قاتل وجزار وخائن ومجرم، ليبدأ عهد ديمقراطية الشعب وحريته، انتهى عصر العصابات والفرد الحاكم لتمتد يد العدل والمساواة للجميع على قدم المساواة، وسوريا الغد ستكون بعون الله بتنوعها الطائفي والديني حديقة ورود تجمع كل الأطياف الزاهية لينعم الشعب بتنوع الأطياف وسباق وتنافس الثقافات في البناء، بعد أن ينعم بانسجام الوحدة الوطنية ضد نظام الإجرام وهو انسجام احترمه العالم بأجمعه وأكدته الدماء العطرة من كل أبناء الشعب الواحد، وهو وطن الحرية الذي نعمل من أجله ووطن حكم الشعب بدلًا من تسلط عصابات الضباع الحاكمة، والتي لا تميز في وحشيتها وعدوانها بين طفل وشاب وامرأة وعجوز وشيخ أو حتى الطوائف التي تشكل المجتمع
الديكتاتور لم يقتنع أن سوريا الأسد ولت بغير رجعة، سوريا الفرد الواحد الأحد المسيطر على كل شيء، سوريا الحزب الأوحد المنفرد في الوظائف والحياة، سوريا المواطنة المنتقاة والمفصلة على قياسه، وأن سوريا بدون الأسد تتشكّل اليوم من دماء الشهداء على امتداد أرضها الطيبة، وأنه رجل وحيد مهما احتشد حوله المطبلين والأبواق الصغيرة والتي ما زالت تعزف له على وتر الخوف وأن تركته الثقيلة سيحل محلها الحرية والكرامة والعدالة لكل مواطن سوري