الرئيسة \  مواقف  \  خذوا كتاب الله جملة ولا تتخذوا آيات الله هزوا وما أوتي السوريون من قلة إيمان وإنما من قلة إحكام

خذوا كتاب الله جملة ولا تتخذوا آيات الله هزوا وما أوتي السوريون من قلة إيمان وإنما من قلة إحكام

30.11.2017
زهير سالم




موقفنا :

القرآن العظيم كتاب الله تبارك وتعالى إلى خلقه ، يحكم بعض على بعض ، ويفسر بعضه بعضا . ولقد ضرب العزيز العليم في كتابه الأمثال للناس وقال " وما يعقلها إلا العالمون ". وأنزل آيات متشابهات ، لحكمة أرادها ، في نظمها أو في دلالاتها ، وقال (( فأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ))
.
يكمن أكبر الخوف على سلامة الإسلام وحياة المسلمين، هذه الأيام ، في منهج أقوام دأبوا على التحريف العملي ، تحريف التأويل ، وتحريف التوظيف ، وتحريف الاجتزاء ، أو تحريف التعضين ، في جعل القرآن عضين .
في تلافيف الفتن التي تعصف بالإسلام والمسلمين وبلادهم ، تجلس إلى مدع خلي ، تذكره الله ، وما يعد الكائدون لكتاب الله ، ولدين الإسلام وعقائده وقيمه وشرائعه وشعائره ، فيجيبك ، وهو يرتشف كأسا من الشاي المعطر ، لا عليك يا صاحبي ، انس هذا ، ولا تخف ولا تقلق ، ولا تعمل ولا تنصب ، فقد تكفل ربك بحفظ هذا الدين ، وهذا الكتاب ، ألم تقرأ قوله تعالى (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) ؟!!!!. من أنا ومن أنت حتى ننازع الله أمرا قد تكفل به ، ثم يضرب على قافية رأسك اذهب فنم فعليك ليل طويل ..
تجلس إلى آخر تحذره ، من كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، ونفاق المنافقين ، وما يعد للبقية البقية من خيار هذه الأمة على يد شرارها ؛ فيطمئنك ويزيدك من فقهه وعلمه وحكمته ، ويتهمك بالجهل ونقص اليقين ، وقلة الإيمان ، ويقرعك أنك لم تقرأ قول الله تعالى في محكم تنزيله (( وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً )) وبالتالي يطالبك بالاسترخاء ، والركون إلى أن الله في محكم تنزيله قد تكفل بألا يسلط كافرا أو ظالما أو طاغية على جماعة من المسلمين ، ثم لعله بهذا التوظيف المنحرف الأعوج لآيات الله قد يشتق براءة لأعداء الله من المستبدين والفاسدين والطغاة ، ففي مثل فقهه الأعوج لو لم يكن هؤلاء على خير ولو في بعض الأمر ، ما مكنهم الله من رقاب المسلمين !!
على صعيد ثالث تحادث قوما يميلون إلى الانخراط في الجهاد ومقاومة الأعداء عن واجب الإعداد والاستعداد ، وأخذ الحيطة ، وإحكام الخطة ، فيجيبك بعض أو جمع : لا نحتاج إلى أكثر من الإخلاص وحسن التوكل ، وصلاة الليل والتضرع والدعاء ، ثم استنجاز وعد الله (( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )) !! كلام يمتزج فيه الحق بنقيضه ، مزجا غير لائق ولا كريم ، وعدوان غير قليل على ما قال الله تعالى ، وجاء به الرسول الكريم .
وتدعو قوما من أهل الرشد والخير والصلاح إلى التعاون على البر والتقوى ، ولو على حماية أصول الدين ، ومقاصد الشريعة ، فيضرب أحدهم في وجهك أتريدنا أن نتحزب ونتفرق ونتحول إلى شيع وأحزاب ، ثم لا يعجز أن يرميك بقول الله تعالى (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )) أو قوله (( مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) ويظل يتنطح بهذه الآيات الكريمات ويتبجح ، ويذم ويقدح ، يوظفها في غير سياقها ، ويستشهد بها على غير ما أنزلت له ، وقد أهدر أمامها آيات وآيات أمرت بالتعاون على البر والتقوى ، وأمرت ببناء الجماعة التي تدعو إلى الخير ، وأمرت بأن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم .
واقع أليم من الفتنة والضلالة يقوم على فقه مختل مجتزِئ ، يضرب نصوص الشريعة بعضها ببعض ، ويجعل من آيات القرآن العظيم ، أو من أحاديث الرسول الكريم سلما إلى المآرب والأهواء والرغبات .
واقع علمي وتربوي شبه سائد كرس في هذه الأمة مدارس الغلو ، ومدارس التمييع ، والانسلال والانخلاع ، وخلف هذه الحالة من الفوضى المستحكمة ، حتى ما يكاد أبناء هذه الأمة ، يجتمعون على شيء ، أو يتوافقون عليه . وكان أخطر من مدارس الغلو والتطرف ، على غلوها ، مدارس النفاق والتزلف ، التي تتجسد في لفيف من المعممين ، حملوا آيات القرآن كما حُمل أصحاب التوراة توراتهم ثم لم يحملوها ، ونصبوا نصوص الشريعة في خدمة أصحاب الأهواء والرغبات .
لقد قال الرسول الكريم ( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ) و أدرك المسلمون الأولون أن هذا الدين لا يحيط به إلا من أدركه من جميع جوانبه . وإن الأئمة الكبار المجتهدين ، الأئمة الأربعة ومن في طبقتهم وحكمهم ، ما كانوا يقيمون حكما أو يصدرون فتوى على نص دون نص ، ولا على راوية دون رواية . وإنما لا يتكلمون في فرع حتى يردوه إلى أصل معتبر سائغ ، يشتق منه ، وينزل عليه .
وإن الشريعة التي أوجبت الطاعة لولي الأمر الشرعي ، المعبر عن إرادة المسلمين ، أوجبت على المسلمين نصحه ( الدين النصيحة ... ولأئمة المسلمين ) ، وعظمّت الأجر لمن يأطر الحاكم على الحق أطرا على الحق إن هو مال أو قصر ..وبالطبع كل أولئك ضمن منظومة من المقدمات والشروط والأحكام .
وإن الله سبحانه الذي تكفل بالحفظ لكتابه ، وبالنصر لعباده ، أوجب على المسلمين الإعداد والاستعداد والإحكام والدقة والتعاون على الخير . انكشف المسلمون يوم أحد ليعلمنا الله تعالى أن للنصر عوامل باطنة وظاهرة إن لم نحكمها لن نستحقه . في معارك كثيرة انكشف المسلمون وفيهم الأصحاب ، وفيهم السلف الصالحون ، حتى لا يجيبنا اليوم : من نسأله : مهيم ، بقوله إنما أوتينا من قلة إيمان ، وما أوتي الشعب السوري إلا من قلة إحكام ، مع إقرارنا بدور ومكانة الإيمان ..
إن مليون شهيد جميل قدموا أنفسهم وفاء لعهد (( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى ..)) ما كانوا ليظنوا أن يخذلهم ، أو أن يتاجر بهم قوم من الذين لا يوقنون .
لندن : 11 ربيع الأول / 1439
29 / 11 / 2017
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk