الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حين يتساوى السوريون في مواجهة كورونا!

حين يتساوى السوريون في مواجهة كورونا!

26.03.2020
عقيل حسين



سوريا تي في
الاربعاء 25/3/2020
لم يكن مفاجئاً أن تعلن منظمة الصحة العالمية يوم الإثنين أن سوريا مرشحة لتكون إحدى بؤر انتشار فيروس كورونا في الشرق الأوسط، هي واليمن وليبيا، على الرغم من عدم إعلان أي من هذه الدول عن تسجيل أي إصابات.
كان النظام في دمشق قد أعلن قبل ذلك بقليل عن اكتشاف أول إصابة لسيدة عادت من الخارج، منهياً بذلك أسابيع من التأكيد على خلو البلاد من العدوى، والأهم سلسلة من التصريحات المستخفة بالوباء والمهينة للعقل والإنسانية، والتي توجها وزير الصحة بالقول إن "جيش الأسد الذي انتصر على كل الفيروسات سيسحق فيروس كورونا.."!
يكفي هذا التصريح مثالاً لكي تتأكد من جديد أحقية الثورة على هذا النظام الذي ظل يواجه- إلى ما قبل تبرع منظمة الصحة العالمية والصين وكندا بأجهزة الكشف عن الفيروس المستجد- ظل يواجه عجزه عن توفير مثل هذه الأجهزة بالتفاخر الأجوف بخلو البلاد من الإصابات واعتبار ذلك أحد (إنجازات القائد)!
والحقيقة فإن عدم تسجيل إصابات حتى الآن بشكل رسمي، سببه البديهي عدم توفر معدات الكشف، مثل سوريا في ذلك مثل اليمن وليبيا بطبيعة الحال، وكذلك الكثير من دول العالم الفقيرة في آسيا وأفريقيا والأميركيتين، حيث يُخشى من تفجر الوضع الصحي فيها بأي وقت، على الرغم من عدم إعلانها تسجيل إصابات مرتفعة، والسبب هو ذاته، أن هذه الدول بائسة فقيرة لا تتوفر لديها أجهزة الكشف الخاصة بهذا الفيروس.
هذه هي سوريا اليوم، ليست فقط بلدا ناميا ودولة متخلفة، فهذا هو حالها منذ تسلم حزب البعث السلطة فيها قبل سبعة وأربعين عاماً، بل وزاد أنها تحولت دولة فاشلة تقريباً بعد تسع سنوات من القتل والتدمير وتهجير السكان واستنزاف الموارد والطاقات البشرية والاقتصادية في الحرب التي قرر أن يخوضها نظام الحكم في دمشق ضد الوطن على ألّا يقدم أي تنازلات للشعب.
أُحرقت البلد كي يبقى الأسد.. وقُدمت سوريا على طبق من فضة للمحتلين والمتصارعين من أجل الهيمنة عليها، وجلس القتلة منتشين بانتصاراتهم على تلال من الخراب وجبال من الجثث والعظام التي لا يهمهم إن كانت الضحايا فيها من المعارضة أو الموالاة، فالمهم هو (الانتصار)!
قتل عشرات الآلاف من شباب الحاضنة الشعبية المؤيدة للنظام وهم يخوضون معارك الدفاع عن بقائه، مقابل عشرات الآلاف من الشباب الثائر الذين قرروا خوض معركة الحرية، وقتل مع هؤلاء عشرات الآلاف من أفراد أسرهم في عمليات القصف والإبادة الجماعية، كما قتل بالتأكيد آلاف آخرون ممن وقفوا على الحياد على أمل النجاة، لكنها الحرب اللعينة التي لا يمكن النجاة من نيرانها متى اندلعت، ولا يمكن أن تنتهي بانتصار أحد الطرفين.
لكي يبقى الأسد ويستمر نظامه إذاً، خسرت سوريا مئات الآلاف من أطفالها وشبابها وكوادرها وعقولها وطاقاتها، بالإضافة طبعاً إلى مليارات الدولارات، وكل هذه الموارد البشرية والمادية كان بالإمكان اليوم أن تتمتع بها البلد فيما لو قدم هذا النظام تنازلات للشعب عندما خرج يهتف للكرامة والحرية.
واليوم يتهاوى وهم الانتصار المتهافت أصلاً عند قدمي فيروس صغير لا يمكن أن يرى بالعين المجردة، ويجد الجميع، معارضون ومؤيدون ومحايدون، يجدون أنفسهم سواسية أمام تهديد هذا الوباء الذي لن يفرق بين ضحاياه بناء على أي تمايزات، ويضع السوريين (المنتصرين) في حربهم على السوريين (المهزومين) أمام حقائق عليهم أن يواجهوها.
أولى هذه الحقائق أن بلدهم مدمرة مفلسة منهكة عاجزة وأن عليهم أن يتسولوا من المنظمات الأممية والدول الغنية المساعدة، في وقت لا يبدو فيه أن هذا العالم يمتلك ما يفيض عن حاجته لمواجهة هذا الوباء.
ثانياً: إن هذا النظام يستمر في عدم مبالاته بحياتهم ومصيرهم، مثلما فعل على مدار عقود حكمه، وليس فقط خلال السنوات التسع الماضية، وأن موتهم جراء وباء صحي أو لأي سبب آخر، لا يساوي عند قادته فارقاً عن موتهم في جبهات الدفاع عنه.
الحقيقة الثالثة هي أن آلاف الشباب الذين اعتبروا (إرهابيين وخونة) فتم اقتيادهم من جامعاتهم ومخابرهم ووظائفهم والتخلص منهم في أقبية معتقلات التعذيب حتى الموت أو بالقصف أو التهجير، كانوا ليقفوا اليوم من أجل المساهمة في إنقاذ من يمكن أن يسقط ضحية هذا الوباء.
أخيراً وليس آخراً، فإن على هذه الفئة من السوريين أن تواجه حقيقة تهافت هذا الانتصار المتوهم، وأن تقر أنه كان انتصاراً للجميع ما عدا السوريين أنفسهم، الذين خسروا كل شيء وها هم اليوم يقفون، متساوين معارضين ومؤيدين، منتصرين ومهزومين، في بيوتهم أو في الخيام أو بلا مأوى، فقراء وأغنياء وتجار حرب وأزمات.. يقفون كلهم بانتظار مصير لا حيلة لهم في مواجهته سوى أن تتلطف العناية الإلهية بهم وأن يكون اللوح المحفوظ قد سطر لهذا الأمر مخرجاً.