الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حيث لا السجّان بشر ولا السجين إنسان

حيث لا السجّان بشر ولا السجين إنسان

14.02.2017
عبدالوهاب بدرخان


العرب
الاثنين 13/2/2017
أكثر ما يصدم في تقرير "منظمة العفو الدولية" (أمنستي إنترناشونال) هو التفاصيل المروّعة التي يوردها عن حقيقة الحال في سجن صيدنايا، ومع أنه أكبر سجون النظام السوري إلا أنه واحد من سجونه الكثيرة، فاحتجاز الناس هو أحد الأساليب الحربية التي يقلّد فيها نظام دمشق ممارسات سلطة الاحتلال الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني (توقيف بمثابة خطف، واعتقال من دون محاكمات أو حتى توجيه تُهم) بل يتجاوزها، ليس فقط بكونه يعتقل من أجل التعذيب كنمط تلقائي، ومن أجل القتل باعتباطية مذهلة، فكلّما كان التعذيب مُجازاً ولا قيود أخلاقية أو حتى "مهنيّة" عليه يصبح هو القانون وفوق أي قانون، وكلّما زاد السجّان/ الجلّاد وحشيةً كلّما اطمأن صاحب السلطة إلى ولائه.
يتجرّد السجّان من آدميته وبشريته إخلاصاً لسيّده، وأول ما يفعله هو تجريد سجنائه من بشريتهم ويعاملهم كمخلوقات وجدت للتصرّف بها إهانةً وإذلالاً وتمثيلاً بجثثها الحيّة قبل خنق أي روح فيها ورميها في أول مقبرة جماعية؛ لذلك قال الشهود إن الموت كان أفضل "هدية" يمكن أن يتلقّاها السجين للخلاص من جرعات الموت اليومية في الطريق إلى الموت المحتّم، فالقذارة التي يعيشون فيها، والإهمال الصحي الكامل والمتعمّد، والطعام الملقى على الأرض ليمتزج بالأوساخ، تجعل من زنزاناتهم بؤراً تختمر فيها الأمراض، ومن ذلك المبنى الضخم أحد أكبر مختبرات الإبادة الممنهجة، كان هذا التقرير الثاني لـ"أمنستي"، بعد عمل دؤوب ومضنٍ على مدى شهور وأعوام، وبعد عشرات التقارير للجان الأمم المتحدة، وعشرات آلاف الصور التي أتيحت بانشقاق الشرطي "قيصر" وهروبه، وتثبت كلّها بما لا يدع مكاناً للشك أن هذا القتل الوحشي العاري يتم بتغطية من رأس النظام.
عدا قتلى القصف بالصواريخ والبراميل، الذين توقفت كل الجهات عن إحصائهم، كان أقلّ التقديرات يفيد دائماً بأن نحو ثلاثمئة ألف سوري هم بين معتقل أو مفقود، ثمة أسماء موثّقة لعشرات من "رموز" بالأحرى "وحوش" النظام باعتبارهم مسؤولين عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ولا بد من جلبهم إلى محكمة لاهاي أو سواها. لكن بشار الأسد قال: "لا نكترث لهذه المحكمة أو لأي جهة دولية أخرى"!.. والواقع أن كثيرين لا يكترثون، وفي طليعتهم دولٌ مثل إيران التي أرسلت ميليشياتها للمشاركة في القتل، ومثل روسيا الدولة العظمى التي دمّرت وسوّت بالأرض مستشفيات ومدارس ومخابز وأسواقاً ومحطات ماء وكهرباء وتركت عدداً لا يُحصى تحت الركام.
لكن الولايات المتحدة وكل الدول التي عجزت، أو اختبأت وراء عجز مجلس الأمن الدولي والفيتوين الروسي والصيني، مشاركة أيضاً في المسؤولية كما في عدم الاكتراث؛ لأنها هي التي تتيح اليوم للأسد بأن يظهر كما لو أنه في مرحلة إعادة تأهيل دولية تتجاهل كل الجرائم التي ارتُكبت باسمه وباسم نظامه، ولعله يستند في ذلك أولاً إلى أن الرئيس الأميركي الجديد لم يهاجمه بل يلتقي معه على أولوية محاربة الإرهاب، حتى أن واشنطن لم تعلّق على فظائع سجن صيدنايا، وثانياً إلى أن حكومات غربية وعربية في صدد تغيير مواقفها لتسهيل حل سياسي يبقيه في منصبه، ولا يستطيع الأسد البقاء في الحكم إلا في نظامه بلا أي تغيير في بنيته، أما تجاوز الحقائق والوقائع دولياً فليس بالبساطة التي يتخيّلها.;