الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حول خطة موسكو بشأن عودة اللاجئين السوريين

حول خطة موسكو بشأن عودة اللاجئين السوريين

31.07.2018
فهد الخيطان


الشرق الاوسط
الاثنين 30/7/2018
أوفدت موسكو مبعوثيها الأسبوع الماضي إلى ثلاث دول في المنطقة هي الأردن ولبنان وتركيا، حاملين معهم خطة روسية لتأمين عودة اللاجئين السوريين في البلدان الثلاثة إلى بلادهم.
الدول الثلاث ترحب بالفكرة من حيث المبدأ؛ فاللجوء السوري أثقل كاهل اقتصادها وأرهق مجتمعاتها التي تعاني أصلاً من شحّ في الموارد ونقص في الخدمات، خصوصاً في دول مثل الأردن ولبنان على وجه التحديد.
فَهِمَ المراقبون من التحرك الروسي المستعجل على هذا الصعيد، رغبة الكرملين في تكريس الانتصار العسكري واقعاً ملموساً، رغم الجبهات المفتوحة في أكثر من منطقة في سوريا، وملفات الحل السياسي التي لم تشهد أي تقدم في السنة الأخيرة. ومن جهة أخرى محاولة لدفع الغرب للمساهمة في إعادة إعمار سوريا تحت عنوان إنساني وهو عودة اللاجئين.
النظام السوري وعلى لسان الرئيس بشار الأسد علق بتحفظ على التحرك الروسي، وقال إن الأفكار الروسية بهذا الخصوص هي محل نقاش بين الطرفين.
محللون آخرون ربطوا بين التحرك الروسي وما يتردد عن خلافات مع إيران صاحبة النفوذ الميداني والسياسي في سوريا. موسكو على دراية كافية بمخططات إيران لتغيير البنية الاجتماعية في سوريا، وعودة ملايين اللاجئين من مكون سوري أساسي إلى بلادهم سيقطع الطريق على خطط طهران، ويحدّ من نفوذها الذي أصبح مصدراً للمتاعب بالنسبة إلى روسيا، الحريصة على إنجاز مشروعها في سوريا من دون إثارة غضب إسرائيل.
نحو ستة ملايين سوري هجروا بلادهم بسبب الحرب المستمرة منذ سبع سنوات ونيف، معظمهم لجأوا إلى دول الجوار؛ الأردن وتركيا ولبنان، وعشرات الآلاف فرّوا من ويلات الحرب إلى دول غربية، فيما ابتلعت مياه المتوسط حياة الآلاف.
وفي بلد مثل الأردن يقيم نحو 15 في المائة فقط من اللاجئين السوريين في ثلاثة مخيمات أكبرها "الزعتري" بينما يعيش العدد الأكبر في المدن والبلدات الأردنية، وينخرطون في النشاط الاقتصادي القائم في البلاد، ويدرس أكثر من 155 ألف طالب سوري في المدارس الحكومية، في وقت قدّرت فيه السلطات الرسمية تكلفة اللجوء السنوية بأكثر من ملياري دولار.
لقد تشكلت حياة جديدة بالنسبة إلى آلاف اللاجئين خارج ديارهم، وسيكون من الصعب عليهم التفكير في العودة، ما لم تتوفر ظروف أفضل من إقامتهم في هذه البلدان. واستناداً إلى تجارب سابقة وخبرة منظمات دولية، يمتنع ثلث اللاجئين عن العودة إلى ديارهم حتى بعد انتفاء أسباب اللجوء.
في أوساط اللاجئين بدأ جدل واسع حول مسألة العودة، فمنهم من يعتقد أن العودة إنْ لم ترافقها أو تسبقها عملية إعادة إعمار شاملة، ستغدو مغامرة محكومة بالفشل.
في سوريا تسببت الحرب بهدم ملايين المنازل والمصانع، ونزوح الملايين عن بلداتهم إلى مناطق أكثر أماناً، وحتى الآن لم تُبدِ أي جهة دولية استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، إذا لم تكن هناك عملية سياسية جادة وفق مخرجات عملية جنيف، تضمن انتقالاً سياسياً شاملاً وانتخابات تشريعية تحت إشراف الأمم المتحدة.
الخوف من الانتقام السياسي يلاحق أوساطاً واسعة من اللاجئين، وخطر الجماعات الإرهابية لا يزال ماثلاً في الأذهان، وكانت عملية السويداء الإرهابية مثالاً.
في جعبة المبعوثين الروس جملة مقترحات وتصورات، أبرزها ضمانات للراغبين في العودة بعدم الملاحقة الأمنية من قبل قوات النظام، وتسويات لمخالفات قانونية. لكن الوجود الطويل للسوريين خارج بلادهم رتّب تبعات إنسانية وأسرية تتطلب مقاربات خلاقة لحلها. هناك على سبيل المثال عشرات الآلاف من المواليد الجدد الذين رأوا النور في بلدان اللجوء، لا يحملون وثائق شخصية تثبت هوياتهم، ولا يمكن لعائلاتهم العودة قبل تثبيتهم في سجلات الأحوال الشخصية السورية، ولا يُعرف حتى الآن موقف دمشق من هذا الملف وكيفية التعامل معه.
وعلى صعيد آخر، توفرت معلومات لكثير من اللاجئين بأن بيوتهم في سوريا قد سُلبت منهم في غيابهم، وفق مبدأ وضع اليد الذي يسود عادةً مناطق الصراع والفوضى وغياب سلطة القانون. وفي حال عودتهم قبل إعادة الأملاك لأصحابها الشرعيين من غير المستبعد أن تنشأ نزاعات اجتماعية تخرج عن نطاق السيطرة.
الأمم المتحدة، ومفوضية شؤون اللاجئين على وجه التحديد، وضعت عشرين شرطاً لا بد من تحققها قبل أن توافق على التعاون مع الدول المعنية بتنظيم عودة اللاجئين.
أبرز وأهم هذه الشروط أن تكون العودة طوعية من دون إكراه، وتوافقها الدول المستضيفة على هذا المبدأ، إذ لا يمكن إجبار اللاجئين على العودة قسراً، تضاف إلى ذلك شروط تتعلق بتأمين الاحتياجات الأمنية والمعيشية للسكان العائدين، وتوفير الحد الأدنى من معايير الحياة الكريمة في مجالات الصحة والتعليم والسكن اللائق.
لكن الأمم المتحدة ومنظماتها التي تعاني شحاً ظاهراً في ميزانيتها ومواردها المالية، لم تقل بعد كيف لها أن توفر المخصصات اللازمة لتمويل عملية بهذه الضخامة، والمساعدة في إغاثة ملايين البشر بعد عودتهم إلى بلادهم. وهي في المقابل تنتظر من الجانب السوري أن يبرهن بالدليل قدرته على توفير متطلبات العيش الأساسية للعائدين، ورصد الموازنات اللازمة لذلك.
العملية الروسية على ما تشير المعطيات الأولية، معقّدة للغاية ولم تتوفر بشأنها معلومات تفصيلية وافية، سوى ما ذكره بعض المسؤولين الروس عن نية بلادهم إقامة مراكز استقبال للاجئين تكون بمثابة محطة أولية داخل الأراضي السورية، تمهيداً لتنظيم عودتهم إلى مدنهم وبلداتهم في مرحلة ثانية.
لكن التحدي الأكبر في هذه المرحلة هو التوفيق بين الخطة الروسية والشروط الأممية للعودة الآمنة والطوعية، وبالنسبة إلى الدول المستضيفة التي لا تقاوم رغبتها في التخلص من عبء اللجوء، يعد هذا الأمر شرطاً لا بد من توفره للتجاوب مع موسكو.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل يمكن حقاً تسوية ملف اللاجئين قبل حل الأزمة في سوريا؟