الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حول احتمالات عملية عسكرية تركية في منطقة شرق الفرات السورية

حول احتمالات عملية عسكرية تركية في منطقة شرق الفرات السورية

07.11.2018
حسين جلبي


سوريا تي في
الثلاثاء 6/11/2018
تشبه الظروف الدولية والإقليمية الحالية المحيطة بسوريا؛ تلك التي توفرت لتركيا ـ أو وفرتها تركيا لنفسها ـ قبل ثمانية أشهر، وقامت على إثرها بعملية عسكرية في منطقة عفرين، تمكنت خلالها وبمؤازرة فصائل سورية معارضة موالية لها من السيطرة على المنطقة، وهزيمة حزب الاتحاد الديمقراطي وإخراجه من مدينة عفرين.
وقد تكون عمليات القصف التركي الأخيرة على تل أبيض وكوباني؛ اختباراً للأطراف المعنية بالشأن السوري وخاصةً بالأوضاع في شمال البلاد، ومقدمة لعملية عسكرية واسعة في منطقة كوباني وشرق الفرات، يهدد الأتراك بالقيام بها منذ مدة طويلة، وبشكل خاص منذ بداية عمليتهم في المنطقة.
لم يتوقف الأتراك خلال الفترة الماضية إذاً، عن التذكير بنواياهم في التدخل عسكرياً شمال سوريا، على طول الحدود المحاذية لهم حتى أقصى شرق البلاد حيث نهر دجلة، لـ"تطهير المنطقة من الإرهاب" حسب قولهم، في إشارة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على تلك المنطقة الحدودية، وكان الطرف المقابل لهم في عملية عفرين. ولم يتوقفوا وهم يسمون المدن التي سوف يستهدفونها؛ عن الإعداد للعملية حتى أصبحت تركيا في وضع مريح مؤخراً، بحيث تستطيع أن تقدم على اتخاذ قرار بالصدد دون أن تثير اعتراضاً.
علاقة تركيا على أفضل ما يرام مع أمريكا في الوقت الحالي، بعد إطلاق سراح القس الأمريكي وعودته إلى بلاده
فعلاقة تركيا على أفضل ما يرام مع أمريكا في الوقت الحالي، بعد إطلاق سراح القس الأمريكي برانسون وعودته إلى بلاده، وهو الأمر الذي يشبه حل الأتراك "إشكال" إسقاطهم الطائرة الروسية قبل أعوام، والذي فتح لهم الباب مجدداً للعودة إلى سوريا، وقد أصبحوا مؤخراً شركاء روسيا وإيران في كثير من الملفات السورية، ومنها ترتيب الأوضاع في منطقة إدلب، وسبق للطرفين الأخيرين؛ بالإضافة إلى أمريكا وأن نفضوا أيديهم من حزب الاتحاد الديمقراطي، واتخذوا سياسة النأي بالنفس إزاء التدخل التركي في عفرين.
يعيش حزب الاتحاد الديمقراطي من جهته وضعاً مرتبكاً أقرب إلى الضياع، والحزب لم يغير من تكتيكاته حتى بعد هزيمته في عفرين، إلا أن خطابه تراجع حد إطلاق تسمية "الشمال السوري" على المنطقة التي كان يسميها "روجآفا"، وتسمية "شعب الشمال" على الكُرد فيها، مع البحث عن صيغة ما لا تخرج عن "الإدارة المحلية" المطبقة في سوريا؛ لاتخاذها مشروعاً يحفظ به ماء وجهه.
لقد استمر الحزب في سياسة الهروب إلى الأمام، من خلال تجنيد الشبان الكُرد قسرياً والزج بهم في معركة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وذلك في مناطق لا تدخل ـ حسب الخطاب الذي برر به وجوده يوماً ـ ضمن نطاق حمايته، الأمر الذي أحدث فراغاً في تلك المناطق وأضعفها، ليس على خلفية سياسة تجنيد الكُرد قسرياً التي يتبعها بلا هوادة فحسب، بل بسبب الهجرة الواسعة من المنطقة نتيجة سياساته القمعية، وهو لم يفعل إلى جانب ذلك شيئاً للمنطقة طوال الشهور الماضية؛ سوى حفر المزيد من الخنادق وشبكات الأنفاق في كل مكان، وذلك تحت أنظار الجنود الأتراك المرابطين على الحدود وأسماعهم، وهو إجراء متخلف في العلوم العسكرية الحديثة، أثبتت العملية العسكرية في عفرين على الأقل عدم جدواه، خاصةً في ظل التفوق العسكري التركي، وامتلاك الأتراك الفرصة لاستعمال سلاح الطيران
لكل ذلك، ولأن حزب الاتحاد الديمقراطي لا يمتلك حاضنة حقيقية في المناطق الكُردية السورية، ولأنه يستند في وجوده إلى قوة السلاح وقمعٍ منفلت من العقال تجاه الكُرد خاصةً، فإنه لا يبقى له سوى الوجود الأمريكي في المنطقة قشة وحيدة يتمسك بها للبقاء عائماً، في الوقت الذي يفقد أهميته مع مرور الوقت بالنسبة للأمريكان، والذين لا يبدو وجودهم في المنطقة على المدى الطويل مؤكداً. ولكن حتى في حال اختيارهم البقاء فيها، فلن يصعب عليهم تغيير تحالفاتهم، وتوكيل حماية قواعدهم ومصالحهم في المنطقة لفصائل سورية معارضة موالية لتركيا على سبيل المثال.
حصول عملية عسكرية تركية في البقية الباقية من المناطق الكُردية السورية؛ لن يؤثر على الوجود الأمريكي فيها
ولذلك فإن حصول عملية عسكرية تركية في البقية الباقية من المناطق الكُردية السورية؛ لن يؤثر على الوجود الأمريكي فيها، لكن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الذي لن يجد لنفسه مكاناً قبل نهاية رحلته؛ إلا في المدن العربية التي يسيطر مسلحوه عليها، وقد تبدأ من هناك عملية دمجهم بجيش نظام الأسد، وهو الهدف النهائي الذي لم يخفه العديد من مسؤولي الحزب.
إن ما يجعل من حدوث عملية عسكرية تركية جديدة في المنطقة احتمالاً وارداً؛ بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، هو قرب انتهاء دور وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في محاربة داعش، والتي تحصل على دعم من التحالف الدولي لهذا الغرض فحسب. فتلك القوة الكبيرة التي سقطت في امتحان عفرين أمام الأتراك وحلفائهم، وقبله في امتحان كوباني أمام تنظيم داعش، تتقدم حثيثاً على حساب التنظيم بدعمٍ من التحالف، لكن كل مكسب على حساب داعش لا يضيف إلى رصيدها شيئاً، بل يعني اقترابها من أن تصبح عاطلة عن العمل، وبالتالي تحولها إلى عبئ على نفسها وحلفائها، بحيث أن استمرارها بعد ذلك بشكلها الحالي أمر يصعب تصوره.