الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حل لبناني للمأزق السوري

حل لبناني للمأزق السوري

08.05.2019
علي قاسم


العرب اللندنية
الثلاثاء 7/5/2019
المأزق السوري واللبناني بدأ من القاهرة.. في سوريا أنهى إعلان الوحدة بين دمشق والقاهرة، يوم 22 فبراير 1958، ربيعا قصيرا للديمقراطية عاشه السوريون.
وفي لبنان لا يزال “اتفاق القاهرة” الذي عقد سنة 1969 مع منظمة “فتح” الفلسطينية في الجنوب ساري المفعول، لكن “المستأجر اليوم طرف لبناني” هو حزب الله، ليدفع اللبنانيون الثمن، اقتتالا ووصاية خارجية، بدآ عام 1975 ولم ينتهيا حتى يومنا هذا.
وتشكل ثنائية التدخل الخارجي والأزمة السياسية جوهر المأزق الذي تعيشه سوريا اليوم. وبينما تتشارك الدولتان بمعضلة التواجد الأجنبي، تعاني سوريا من مأزق سياسي بدأ منذ عام 1958 وما زال مستمرا إلى يومنا هذا.
يحق للبنانيين أن يروا في “حزب الله” ممثلا لقوة تدخل خارجية، فالحزب لا ينكر ولاءه لإيران، بل يدافع عن هذا الولاء ويدعو إلى تعزيزه. عندما اتهم حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، بالولاء لإيران رد على منتقديه قائلا “افتخر أن أكون فردا في حزب ولاية الفقيه”.
غض البصر من بعض السياسيين والمسؤولين اللبنانيين عن عسكرة حزب الله، واختطاف دور الجيش اللبناني والسلطات اللبنانية، له ما يبرره، فهم يعلمون أن حزب الله لا ينطق باسمه بل باسم طهران، وهو على استعداد لتسليم لبنان إلى آيات الله، سعيا للاحتفاظ بآلته العسكرية.
رغم ما قيل، تبقى المشكلة في سوريا أعمق، حيث تتبارى أطراف عديدة على تأكيد شرعية وجودها، متذرعة بذرائع مختلفة، هي غطاء يخفي حقيقة واحدة، إقامة قواعد تحفظ لها مصالحها.
إنه جزء من ثمن تاريخي تدفعه سوريا ولبنان وفلسطين، ويمكن فهمه في ضوء الموقع الاستراتيجي الرابط بين قارات ثلاث. وغالبا ما بُرّرَ الصراع بأبعاد دينية، ما زالت موظفة إلى يومنا هذا.
الهجمة اليوم أشرس من هجمة الماضي، حيث كان الصراع بين خصمين عقائديين، الإسلام من جهة، والمسيحية من جهة أخرى، اليوم تشارك أطراف عديدة في النزاع، وتحرص على إخفاء غاياتها الحقيقية، تارة بقناع الأيديولوجيا، وأخرى بقناع الدفاع عن المصالح.
تركيا، برئاسة زعيم مغرور، تحلم بإعادة أمجاد الخلافة العثمانية، وإيران المحكومة بآيات الله تبحث عن الثأر بزرع الفتن، الولايات المتحدة الأميركية تعتبر نفسها الوريث الشرعي للمنطقة، فطعم الانتصار في الحرب العالمية الثانية يغري بالتهام ما تبقى من الوليمة.
أما روسيا، التي أقصيت جانبا رغم مشاركتها الغرب انتصاراته، وفككت إمبراطوريتها البلشفية، فهي تحلم، بقيادة زعيم مغامر آخر، بفرض وجودها على المنطقة، وتعتبر سوريا آخر فرصة تنطلق منها لفرض هذا الوجود.
حتى الصين، القادم الجديد للمشهد الاقتصادي، تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم على أطراف الهلال، من خلال الإغراءات الاقتصادية، ممهدة لسيطرتها بطريق من الحرير.
ويتوه السوريون، ومعهم العالم، في تحديد أيّ من المأزقين أصلا للمشكلة ومنطلقا للحل، تماما مثل السؤال التاريخي، الدجاجة أولا أم البيضة.
صورة عامة لمشهد مرتبك، فكيف يمكن لدولة مثل لبنان، تعاني من نفس الأطماع الذي تعاني منها سوريا، أن تقدم نموذجا يبنى عليه الحل.
لبنان، رغم مأساة استمرت نصف قرن، ما زال محافظا على جوهره، لم تستطع الاتفاقيات المجحفة التي فرضت عليه، كما لم تستطع حرب أهلية طويلة، وهجمات إسرائيلية متكررة، وتواجد سوري، وحزب إلهي زرعته إيران، أن تفقده هذا الجوهر.
قبول الآخر، وقبول الاختلاف، هو ما حافظ على لبنان، ثقافة الاختلاف هي سر نجاة لبنان واللبنانيين.
لبنان أفضل من جسّد شعار “الدين لله والوطن للجميع”، فتقاسم الجميع مسؤولية إدارة البلد. لن يجرؤ أحد من داخل لبنان أو من الجوار، على التشكيك بهذا الاختلاف، أو يزعزع إيمان اللبنانيين باحترام الآخر.
هل يستطيع السوريون، بعد حرب طويلة، سواء وصفناها بالمؤامرة أو بالحرب الأهلية، تجاوز خلافات الماضي، ويلقوا جانبا الشعارات الأيديولوجية الجوفاء، ويقولوا نحن مختلفون، نحن طوائف وأديان، لا تمتلك أيّ طائفة أو دين حق احتكار الحقيقة المطلقة، يجب أن نعيش في عالم نسبي، عالم فيه كل الطوائف على حق.
على سوريا، بحكامها ومحكوميها، بسلطتها ومعارضتها، الاعتراف بهذه الحقيقة، وتبنّي الحل اللبناني الذي سيكفل للبلدين الوصول إلى حل للمأزق، وإعلانها صراحة، لا نحتاج أطرافا خارجية تحمينا، نحن قادرون على حماية أنفسنا، لأننا متسامحون، ونحترم الآخر.