حلب

22.12.2016
مازن كم الماز


كلنا شركاء
الاربعاء 21/12/2016
- لا تنفع الفذلكة كثيرا , سقوط حلب جاء نتيجة لمسيرة طويلة من الانحدار بدأت قبل وقت طويل , هي هزيمة للجميع بشكل من الأشكال , أولا للناس , الذين يتحدث عنهم الجميع , بينما يقصدون شيئا آخر تماما … و لنا , من راهنا على الثورات , على قدرة الجماهير على تغيير واقعها , و أردنا أن نستمتع بالثورة , كلعبة , كاحتفال , و بإحراق كل شيء .. أتفه ما في الموضوع هو أن أكثر من تخصهم الهزيمة : الإسلاميون و الليبراليون , لا يشعرون أنهم مهزومين , في تكرار سخيف لهراء كارثة يونيو حزيران
- تقول الأسطورة أن عسكرة الثورة السورية كانت للدفاع عن هؤلاء الناس تحديدا , الحقيقة أنها كانت نتيجة لتخلخل قبضة النظام … لا شك أنها استمدت قوتها في البداية من الاندفاعة الثورية للجماهير السورية , لكنها تطورت بسرعة لتصبح ظاهرة مستقلة بالكامل عن الثورة , مرتبطة بدلا من ذلك بالصراعات الإقليمية و الدولية , برؤوس الأموال و المخابرات و أبواق السادة من كل بقاع الأرض , تطورت الظاهرة و “انتهت” بصورة مناقضة تماما للغرض الذي قيل أنها أنشأت لأجله : أصبح الناس هم الذين يحمون المقاتلين لا العكس , و بدلا من حماية المظاهرات السلمية جرى تبادل للأدوار مع الأسديين : الأخيرون يستخدمون البراميل ضد السوريين , أما المدافعون الأشاوس عن المظاهرات السلمية فاضطلعوا بمهمة إطلاق النار على المتظاهرين السلميين .. دفن الجميع الثورة قبل تشييعها في حلب بوقت طويل , أما نحن , فكنا قد انسحبنا قبل ذلك بوقت طويل , بشكل لا يليق بأي ثوري , على أقل تقدير
- كانت أحد أكبر مصائب الثورة السورية هو بكائية من اعتبروا أنفسهم معارضين للنظام الأسدي .. تصورهم الوحيد عن الجماهير السورية توقف , أو نكص إذا استخدمنا التعبير الفرويدي , عند اعتبار هذه الجماهير مجرد “ضحايا” .. كانت تلك مازوخية سافرة , و عنيدة , حتى الوقاحة .. يفترض أن يكون التمرد على المازوخية في صلب أي مشروع ثوري , بل يمكن القول أنه لا يوجد و لن يوجد ثوار مازوخيين , يوجد فقط مازوخيون يعيشون وهم أو فصام أنهم ثوار .. المازوخيون لا يثورون , لا يملكون الجرأة إلا للبكاء
- خلافا للسردية السائدة , القائمة على البكاء و الصراخ و تكريس المذلة و الضعف عند “الضحايا” , أعترف شخصيا بنصيبي الخاص من المسؤولية عن تدمير سوريا كما كانت قبل 2011 , لا أخشى أن أصرح أني أرفض و رفضت أن أكون مجرد ضحية في هذا الصراع و في الحياة , و أني لو امتلكت الخيار سأفضل أن أكون مجرما على أن أكون ضحية , و سأفضل أن أكون مجرما أصيلا , قاتلا حقيقيا , على أن أكون قاتلا مزيفا , سأقتل و أدمر لأهدافي الخاصة , لمتعتي الخاصة , بإرادتي الحرة , لا بأمر من أحد , لا في سبيل أية “قضية كبرى” أو أية “جماعة” أيا تكن , و أني لا أخشى الموت و لا الهزيمة “كعقاب” أو “كمصير” أو كقدر .. الصراخ و التهم المتبادلة بين صغار القتلة المأجورين الآن , بدلا عن القذف السادي الإجرامي الفاعل و الإيجابي في الواقع , هو تعبير عن ضيق الأفق المازوخي عند هؤلاء … من مارس الثورة بشكلها الإيجابي لا يحتاج إلى تبرير أفعاله أو شرحها لأحد
- انتهت الثورة بتصارع ثقافتين أو حركتين تشبيحيتين - ساديتين , مزيفتين , لأنهما سلطويتين و تسعيان فقط وراء المال و الكرسي : التشبيح الأسدي و الإسلامي , بينما كانت “النخبة المثقفة و السياسية” “المعارضة” غارقة في مازوخيتها بل و حاولت أن تفرض مازوخيتها على السوريين العاديين و تسلب منهم بذلك قدرتهم على المقاومة و رغبتهم في مطاولة السماء و إحراق الأرض و أن يصبحوا سادة مصائرهم , أي بكلمة , أن يصبحوا آلهة او أنصاف آلهة .. لن توجد حرية ما على هذه الأرض إلا إذا أصبح البشر جميعهم ساديون و مجرمون , كآلهتهم .. عندما يحكم البشر أرضهم هذه كآلهة , عندما سيقيمون يوم دينونتهم , عندها فقط سيخلقون جنتهم هنا على هذه الأرض بدلا من الجحيم الذي يعيشونه منذ فجر التاريخ
- كان الشبيحة , الأسديون و الإسلاميون , معا , قتلة أو مجرمين تافهين , غير حقيقيين , مزيفين , مأجورين , ينفذون الأوامر فقط , مرعوبين من أن يمارسوا كل ما مارسوه إلا تحت راية الحسين أو محمد و فقط بأوامر من سادتهم و قادتهم و شيوخهم , لم يكونوا قتلة أصلاء حقيقيين , استمتعوا بحفلتهم الشهوانية للدم و الموت و التعذيب و الاغتصاب , تلذذوا و هم يجزون الأعناق و يحرقون الجثث و ربما بلغوا نشوة جنسية - روحية غير مسبوقة في هذا الخضم , لكنها لذة غبية غير صادقة , كانوا مجرد مجرمين فزعين تافهين , لم يجرؤوا أن يعترفوا أنهم قتلة , يزيفون حقيقتهم ليبدوا كقديسين , و بدلا من العقاب المستحق أو الجائزة المنتزعة انتزاعا , أو المغتصبة اغتصابا , بدلا من جريمتهم الواعية الكاملة يعتقدون أنهم ينفذون إرادة كائن ما “سماوي” فوقهم , و ينتظرون منه ثوابا تافها , لبن و عسل و حتى بعض الحوريات … المجرم الحقيقي لا يعتز بشيء مثل اعتزازه بساديته و بحقيقته كمجرم , النتيجة أننا لم نكن أمام تسونامي مغولي , بل فقط أمام مماليك السلطان , الذين تصرفوا في كثير من الأحيان كحريم و في أحيان أخرى كساديين , كانوا مزيفين حتى العضم
- لن تصبح سوريا مكانا صالحا لسكنى البشر , ناهيك عن مصطلحات و أوصاف كالجمهورية أو الديمقراطية و المدنية و العلمانية الخ الخ , إلا إذا أصبح كل السوريين أبرياءا أو أصبحوا جميعهم قتلة , ساديين , مجرمين , حقيقيين و أصلاء , عندها فقط لن تتغول عليهم أية ثقافة تشبيحية أو فئة من الشبيحة , المأجورين .. المجرمون الساديون فقط لن يخضعهم أحد , حتى كموتى .. المازوخيون فقط سيستمرون بالحياة و سيمتلكون القدرة على القذف , فقط , عندما يصفعهم الآخرون ..
- لتصبح سوريا مكانا صالحا لسكنى البشر يجب حل المعضلة المتمثلة في خلق و نشر ثقافة سادية إجرامية شعبية لا سلطوية عامة , يجب حل المعضلة الكامنة في تحويل هذه القطعان من الجماهير المازوخية إلى “جماعة” منفلتة من مجرمين مستقلين ذاتيا , ساديين , غارقين في ملذاتهم السادية حتى الجريمة … تثبت ( هزيمة ) الثورة السورية أن المهمة الأولى للثوريين هي القضاء على كل نزعة مازوخية دون أية رحمة