الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلب على حافة الهاوية

حلب على حافة الهاوية

07.12.2016
يمان دابقي


العربي الجديد
الثلاثاء 6/12/216
حلب الشهباء، المصنّفة عالمياً أقدم مدن التاريخ، مهدّدة اليوم بالزوال من الجغرافية السورية، بعد صمود أهلها خمس سنواتٍ متتالية من عمر الثورة السورية.
من يصدّق أنّ مدينة حلب، المشهورة بمأكولاتها الشهية، لم يعد فيها رغيفُ خبزٍ واحد يسد رمقً الطفل الصغير، من يصدّق أنّ حلب الحضارة لم يعد فيها حجر على حجر، حتى باتت مدينةُ ظلامٍ يغيبُ عنها المستقبل، والموت وحدهُ الحاضر ويكاد يأبى أن يغيب.
أعلن نظام الأسد وروسيا عن نيتهما إسقاط حلب عسكرياً قبل نهاية العام الحالي، إذ وضع نظام الأسد جدولاً زمنياً لاقى موافقةً فورية من موسكو لتحقيق نصرعسكري على حساب ربع مليون نسمة من ساكنيها.
استطاع الحلفاء تدمير المدمّر وتقسيم المقسّم عبر آلاف الطلعات الجوية والصواريخ الفراغية والإرتجاجية والحرارية، وبعد التمهيد الناري اقتحمت المليشيات الإيرانية والأفغانية ومرتزقة حزب الله اللبناني الأحياء الشرقية من المحور الشمالي الشرقي للمدينة، سيطرت خلالها على كامل الأحياء الشمالية، وأهمها مساكن هنانو وحي الصاخور بعد انهيارٍ شبه كامل للفصائل العسكرية، ما دفعها للتراجع للخطوط الخلفية.
تزايد الأرقام في عدّاد الموتى دفع الأهالي للمغامرة بحياتهم والهروب من مستنقع الجحيم، فخلال يومين، خرجت عائلات كثيرة باتجاه المناطق الغربية لحلب، ومنهم من لجأوا إلى مناطق سيطرة الأكراد، والتي قاتلت جنباً إلى جنب في المعركة مع النظام، فيما الأخبار الواردة عن مصير النازحين أفادت بأنّ نظام الأسد اعتقل معظم الشباب الوافدين لمناطقه لزجهم بمعسكرات تدريبية ثم رميهم على خطوط الجبهات لمواجهة مصيرهم.
حدثت كل هذه الأحداث أمام مرأى العالم ومسمعه، وكأنّ الذي يحدث في حلب صرح من الخيال لم يهو بعد إلى عالم البشرية، بل على العكس، فوسط المحرقة الحلبية، خرج علينا المبعوث الأممي، دي ميستورا، ليخبرنا أمراً جللاً، ويقول إنّ ما يحدث تصعيد عسكري، لكنه لا يستطيع أن يتوّقع إلى متى ستصمد حلب!
يتكلم دي مستورا كأنه هو من يرأس الحملة العسكرية ويترقب سقوط المدينة ، وحفاظاً على ماء الوجه للدول الغربية فهي كعادتها تحرّكت في أورقة مجلس الأمن، علماً أنّ المعوّل على مجلس الأمن، بعد خمس سنوات من شلل كامل، أن ينشر السلام، فهو إمّا منفصل عمّا يجري في سورية أو هو مخدوع بعظمة تلك الدول وجبروتها.
نسأل أنفسنا: من المسؤول عمّا يجري في حلب؟ فالندب والبكاء غير مجديين في الربع ساعة الأخير لمصير المدينة، لماذا نرمي كلّ وسخنا على الأمم التي دبرت وخططت لدمارنا، بل كيف نعوّل على دولٍ لا يهمهما حياة أو موت سوري واحد، وهي من تعطينا السلاح لنقتل أنفسنا بأنفسنا.
تشرذم القادة من قتلنا، سلّمنا وآمنا أنّ الغرب متخاذل. ولكن، أيها القادة ما خطبكم اليوم؟ تصمتون عمّا يجري في حلب، لماذا خمدت بنادقكم في وقتٍ تنتهك الأعراض في حلب، ألستم من أغرق أهلنا في حلب بالوعود؟ فكيف تزجون بهم اليوم بفوهة الموت، وأنتم اليوم من خارج حلب تبكون وتلطمون؟
المعارضة السياسية المتمسكة بشرعية زائفة باتت عاجزة، فبعد اعترافهم أنّ الجميع خذلهم، لماذا إذاً لا تُعلنون حلًّ جميع كياناتكم، وتقرّروا النزول إلى الساحة لأخذ جولةٍ على الجبهات على أقل تقدير.
علينا أن نسأل: ما هي البدائل لإنقاذ ما تبقى في حلب قبل فوات الآوان؟ فهل هناك فرصة أخيرة لتغيّر المعادلة أمام كلّ هذا النفاق الدولي؟
نعم هناك فرصة، جميعنا نعلم أنّ سقوط حلب ليست نهاية الثورة، ولكن حلب هي ليست الحجر، بل هي من يقطنها من أرواح البشر، فإن كانت القادة لا تستطيع حماية من تبقّى في حلب فعلينا إخراجهم بطريقةٍ أو بأخرى، وبعدها يجب النظر في إعادة ثورتنا إلى سيرتها الأولى.