الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلب: المعارضون بلا قبور.. لطمس جرائم النظام

حلب: المعارضون بلا قبور.. لطمس جرائم النظام

21.07.2020
منصور حسين



المدن
الاثنين 20/7/2020
يصرّ النظام السوري على المضي في مشروع نقل المقابر العشوائية من الأحياء الشرقية في حلب، الذي أقره عام 2018، لترحيل رفاة أكثر من 5500 قبر عشوائي في مختلف أحياء المدينة، في الوقت الذي يرى فيه المعارضون بأنه إجراء مخالف للأعراف وسعي لطمس أحد الأدلة على ضحايا حربه.
ورغم أن الجهات الحكومية تضع الخطوة في سياق الحفاظ على البيئة، وتقول إنه إجراء يتم وفق المعايير المعمول بها، إلا أن رفض النظام مشاركة جهات مستقلة أو التواصل مع المعارضة، بما يضمن توثيقاً قانونياً للضحايا ولحقوق ذويهم في معرفة القبور الجديدة، يثير الشكوك حول دوافع الإصرار على هذا القرار.
استئناف المشروع
وأعلن مجلس محافظة حلب التابع للنظام، مطلع الشهر الجاري، استئناف مشروع نقل رفاة الموتى من المقابر العشوائية في حيي السكري والعرقوب، إلى المقبرة الاسلامية الحديثة في منطقة النقارين شرق حلب، على نفقة المجلس.
وحتى ما قبل العام 2011 كانت تكاليف الدفن في هذه المقبرة تصل إلى 10 آلاف دولار، ومع إعلان مجلس المحافظة تحمله تكاليف الدفن الجديدة، فإن الكثيرين باتوا يرون أن دوافع هذا القرار مثيرة للشكوك، خاصة وأن أغلب الرفاة تعود لضحايا مدنيين سقطوا نتيجة عمليات النظام العسكرية، بالإضافة إلى مقاتلين في صفوف المعارضة.
ولجأ السكان في مدينة حلب إلى دفن الموتى في حدائق الأحياء التي يقيمون فيها أو على أطرافها، بسبب تقطع أوصال المدينة وتقاسم السيطرة عليها بين النظام والمعارضة وعدم القدرة على التنقل فيها بين عامي 2012 و2017.
وكان مجلس محافظة حلب قد دعا في الرابع من تموز/يوليو 2020، ومن دون سابق إنذار، المواطنيين الذين لديهم أقارب موتى تم دفنهم في مقبرة "السكري" المحدثة، إلى تجهيز الوثائق التي تثبت هوية صاحب الجثة وصلة قرابتهم به، وتقديمها خلال مدة ثلاثة أيام إلى لجنة نقل الرفاة لتسلم الجثة أو الإشراف على دفنها في مقبرة النقارين الحديثة، على نفقة المجلس. لكن مهلة الأيام الثلاثة تبدو قراراً تعجيزياً يزيد من الريبة في النوايا التي تقف خلف المشروع، حيث تحتاج عملية استخراج الوثائق ما لا يقل عن أسبوع.
كما أصدر المجلس بلاغاً منتصف تموز/يوليو، طالب فيه سكان حي العرقوب ممن لديهم قبور في مقبرة "جبل الغزالات" بتقديم وثائق تثبت ملكيتهم لها، لنقل رفاة ذويهم المدفونين فيها إلى مقابر العائلة أو مقبرة النقارين، على نفقة المجلس الخاصة، وحدد تاريخ 21 تموز/يوليو 2020 لتسليم الوثائق.
سياسة التمييز
ومع ذلك فإن تمييز النظام في ملف نقل المقابر العشوائية وتوثيقها يبدو واضحاً، حيث ضمت مناطق سيطرته، والتي عرفت سابقاً بحلب الغربية، العديد من المقابر العشوائية، منها "الزهراء، ميسلون، الجابرية، العرقوب والميدان"، ومعظمها أُنشىء لدفن عناصر النظام الذين قُتلوا خلال معارك المدينة، أو من المقيمين في هذه المناطق الذين لم يكن بالإمكان نقل جثثهم للمقبرة الإسلامية التي كانت في منطقة خاضعة لسيطرة النظام، وعائلات هؤلاء يمكن أن يستفيدوا من القرار الحالي بسهولة أكبر من ذوي الموتى من المعارضين على اعتبار أن معظمهم غير موجود في المدينة منذ سيطرة النظام عليها نهاية العام 2016، وفي حال وجود قريب لهم هناك فعلى الأغلب لن يتجرأ على التدخل في هذا الملف خشية المساءلة الأمنية، وعلى مبدأ "الحي أبقى من الميت".
وبالنسبة لهذا الطرف، فقبور المتوفين من ذويهم مجمعة في مقابر عشوائية بأحياء حلب الشرقية التي كانت تسيطر عليها المعارضة، وأبرزها "مقبرة قرية عزيزة، مقبرة الحرابلة، مقبرة حي صلاح الدين، مقبرة الطبابة الشرعية، مقبرتي السكري والأنصاري" وغيرها، وهي مقابر مهددة بالإزالة غير الموثقة بناء على قرار مجلس محافظة حلب بسبب استحالة تلبية متطلبات إعادة الدفن وفق محددات المجلس.
محاولة طمس الجرائم
يرى المعارضون أن الهدف الواضح للنظام من هذا المشروع هو الانتقام من المعارضين حتى الموتى منهم، من خلال إزالة قبورهم وطمس دليل قوي على جرائمه التي طالت الآلاف من سكان الأحياء الشرقية في مدينة حلب، من خلال تحويل الضحايا إلى "مجهولين" لا قيود لهم بعد إزالة قبورهم.
وكان النظام قد أطلق هذا المشروع فعلياً منذ ساعات سيطرته الأولى على مدينة حلب، من خلال حديث مسؤولين فيه عن اكتشاف مقابر جماعية في أحياء حلب الشرقية، واتهم المعارضة بتصفية المدفونين فيها قبيل خروجها من حلب، الأمر الذي دعا الطبابة الشرعية الحرة إلى إصدار بيان تؤكد فيه أن تلك المقابر تعود لمدنيين قضى أغلبهم نتيجة عمليات النظام العسكرية، وأنها تحتفظ بالوثائق والأدلة على مسببات وتواريخ وفاتهم.
وتستند المعارضة السورية في اتهامها النظام، على عمليات النقل التي جرت سابقاً عام 2018_2019، والتي استهدفت المقابر العشوائية في مناطق "الحيدرية، ميسلون، الجابرية" وغيرها، بالإضافة إلى مقبرة حديقة "القباقيب" التي تضم رفاة ضحايا مجزرة نهر قويق الشهيرة في حي بستان القصر، دون معرفة الوجهة التي نقلت إليها القبور.
المخاوف والشكوك من قيام النظام بطمس المقابر نهائياً، إما من خلال إزالتها أو نقلها إلى مقابر جماعية دون توثيق، أو حتى جرفها، كما فعل سابقاً في محافظتي حمص وريف دمشق، مستغلاً سلطته المطلقة وعدم وجود رقيب عليه، كان طبيعياً، بالنظر إلى غموض مشروع ازالة المقابر العشوائية في حلب والإصرار عليه رغم تكاليفه المرتفعة، في الوقت الذي ما زال مجلس المحافظة يشتكي من انخفاض ميزانيته عند المطالبة بتوفير الخدمات الأساسية للسكان.
تقول المعارضة إن قيام بعض الشبيحة بنبش قبور المعارضين وتخريبها بشكل مستفز أثار ردود فعل مستاءة على نطاق واسع. لكن النظام يواصل هذه السياسة، مع إضفاء الطابع الرسمي عليها، وتحت مبررات لا يمكن تقبلها، في الوقت الذي يمكن بسهولة الحفاظ على حرمة الموتى وحقوق عائلاتهم من خلال التعاون مع مؤسسات المعارضة التي كانت تُعنى بملف المتوفين ودفنهم، لكن مسارعة مجلس المحافظة بتنفيذ قرار أزالة القبور ونقل رفاة أكثر المدفونين فيها وهم من المعارضة وتسجيلها على أنها مجهولة الهوية يؤكد أن دوافع سياسية تقف خلف هذا المشروع.