الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حكايات ظريفة عن الدستور السوري

حكايات ظريفة عن الدستور السوري

06.02.2017
خطيب بدلة


العربي الجديد
الاحد 5/2/2017
لم نكد ننتهي من الجدل بشأن ضرورة تغيير دستور 2012 السوري، الذي فَصَّلَه ابنُ حافظ الأسد على مقاسه، تيمناً بوالده الذي فصّل دستور 1973 على مقاسه؛... حتى باغتنا الرفيقُ المناضل، فلاديمير بوتين، بمسوّدة دستور رفض مندوبُ الدول التي تحتل سورية، بشار الجعفري، استلامَه (باليد)، ورفض الشيخ محمد علوش ممثل جيش الإسلام الذي جعل ممثلاً للثورة السورية، استلامَه (باليد)، ورفض المستشارون المشاركون استلامَه (باليد)، فيما تمكّن الجميع من الحصول على نسخة منه، فور انتهاء المؤتمر، وبدأت مناقشته تجري على قدم وساق.
كان صديقي، وشريكي في التغطيات الصحافية الخاصة بمجلة "كش ملك"، المهندس ماهر حميد، قد قرأ تصريحاً قديماً لمسؤولٍ في المعارضة السورية، يطالب فيه بوقف العمل، فوراً، بدستور 2012‏، وتصريحاً جديداً للمعارض نفسه، يطالب فيه بوقف مناقشة الدستور الروسي، فاستنتج أن الجينات الوراثية لبعض المعارضين هي من صنف العلم المستقر، فتذكّر قول الفيلسوف النِّفَّري: العلمُ المستقر جهلٌ مستقر.
في الحقيقة أن عقل ماهر حميد كان متوافقاً مع دستور 2012 إلى حد أنه استغرب الدعوات لتغييره، وقال متسائلاً: أَبَعْدَ كل ما خسرناه من أرواح بشرية حتى صوّتنا لهذا الدستور، يأتي حضرةُ المعارض المستقر ليوقفه بجرّة قلم؟ كان الناس يمرقون من بين القذائف، الله وكيلكم، حتى يصَوِّتوا للدستور، وبعضهم يصل إلى باب مركز الاستفتاء، وبعضٌ آخر يُقتل قنصاً، وبعض بقذيفة، ولا يصل إلى الصندوق غير طويل العمر.
أبو شوقي، الله يرحمه، ذهب هو وامرأته أم شوقي، لكي يصوّتا للدستور، فجاءته قذيفة أنزلته على الأرض، لا من فمه ولا من كمّه، ومن خلال الغرغرة كان يقول:
- وصيتي عندك يا أم الشوق، أن تصوّتي بـ "نعم" للدستور، الدائرة الخضراء، ها، انتبهي بشكل جيد، حيّدي عن الدائرة الحمراء... أشهد أن لا الله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
يعني بالعربي الفصيح، الرجل قبلما يوصي بأولاده أوصى بالدستور. وفي مركز الاستفتاء: مدّت الست أم شوقي يدها، لكي تُخرج هوية المرحوم من حقيبتها، حتى تصوّت بموجبها، فعثرت على علبة دخان "لَفّ تُتُنْ" معدنية، وفي داخلها دفتر "ورق الشام" الأصلي الذي كان أبو شوقي يستخدمه لدفع القضاء وردّ البلاء، ووالله لو كان حياً وذهب للتصويت لأخذه معه.
قالت أم الشوق: يا أخي دخيلك، زوجي أبو شوقي، الله يخلي لك حبايبك، استشهد برصاص قناص الجيش العربي السوري، يعني (ما في حدا غريب)، فهل تسمحون لي أن أصوّت بالنيابة عنه في قلب الدائرة الخضراء، يعني بـ نعم؟
قال: أي أختي، أعطيني هويته، أو دفتر العيلة.
قالت: ما معي هوية، يا أخي، ولا معي دفتر عيلة. وبلا مستحى منك ما معي غير هذا الدفتر من "ورق الشام".
قال: يا سلام. أي هذا أحسن شي. الله محيي الشام ودفاتر الشام. هاتي لأرى، تمام، اشخطي هنا، ويعطيكي العافية... أي أختي، الآن أنت صَوَّتِّ للدستور بالموافقة. المهم، بماذا يلزم لك دفتر الشام وعلبة الدخان، طالما أن أبا شوقي مات؟ اتركيها لنا للذكرى، وأعدك، وعد الشرف، أن ألف السكاير، وأدخنها، وأترحم عليه.
والآن، يأتي هذا المعارض الفهيم، ويقول لك نريد تعطيل الدستور، ويذهب الآخر الذي يشبهه إلى حد السباب على بوتين الذي تجرأ ووضع لنا دستوراً، متذرّعاً بأننا طوال ست سنوات لم نكتب مسودة دستور لبلادنا. والله لو كان عمي أبو شوقي على قيد الحياة لضربه بالمسباح على وجهه، وقال له:
- يا عين عمك، الظاهر أنك لا تفهم؟ تريدنا أن نبقى بلا دستور، بماذا تريدنا أن نحكم البلاد والعباد؟ بكتاب السيوطي "شقائق الأترج في رقائق الغنج" مثلاً؟