الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حقوق الشعب السوري

حقوق الشعب السوري

10.01.2019
د. أحمد عبد الملك


الشرق القطرية
الاربعاء 9/1/2019
بطبيعة الحال، فإن حقوق أغلب الشعوب العربية ضائعة، ولا يُمكن استردادها! بدءًا من الشعب الليبي، إلى الشعب العراقي، إلى الشعب اليمني، إلى الشعب السوري، إلى الشعب المصري، وغيرها من الشعوب التي لم يصلها (الربيع العربي)، ولكن ظلَّ النظام فيها لآمادٍ طويلة، لا يُحرك ساكناً، حتى ولو وصل الرئيس إلى (الكرسي المُدولب)، ولا يستطيع الوقوف للنشيد الوطني! بالله عليكم، كيف يمكن لحاكم أن يحكم بالعدل والرؤية الثاقبة وقد قارب الثمانين؟ هل الحكم حقٌّ إلهيّ لشخص واحد ومدى الحياة؟ نحن لا نريد استحضار حالات الحكم الغربي الديمقراطي، حتى في الملكيات الدستورية، حيث إن رئيس الوزراء يقود البلاد لفترة محددة، ثم تأتي بعد ذلك انتخابات جديدة، قد تُبقي الحزب ذاته في الحكم، وقد يأتي حزب آخر، كان معارضًا ويواصل عمل الحزب الأول. والحال في الفترات الرئاسية في الولايات المتحدة، مختلف أيضًا عما عليه في العالم العربي. فالرئيس العربي – في النظام الجمهوري – يبقى مدى الحياة، ما لم يتدخل القدر، أو احد الأبطال فيقتل الرئيس. وهنالك رؤساء فهموا شعوبهم بعد ثلاثين عاماً من الحكم، إثر ثورة مضادة، والبعض الآخر تم تفجيره وتشويه جسده، وظل متمسكا بالحكم، وآخرهم، خرج الشعب يُطالبه بالرحيل، فأبى، وظل يخطب خطبًا عصماء، كما فعل أول مرة عندما قاد الانقلاب ووصل إلى سدّة الحكم. وقد تراجع الأداء في بلده، وارتفعت الأسعار، وعانى الشعب ما عاناه من ويلات الحطّ بالكرامة.
ونأتي إلى سوريا، وحقوق الشعب السوري! هل فعلاً ضاعت حقوق السوريين، وذهبت عذاباتهم مع المنافي أدراج الرياح؟ وهل جرت مداولات سرية من أجل إبقاء النظام، مع تراجع الثورة السورية؟ إن المؤشرات، هذه الأيام، تُنبئ عن ذلك، وإن خريطة جديدة ستكون في سوريا، التي تنتهكها جيوش نظامية لدول أجنبية، مثل روسيا وإيران، وايضًا مليشيات خارجية كعناصر (حزب الله) اللبناني المدعوم من إيران. وغيره من العصابات المجرمة التي عاثت فسادًا في هذا البلد، وروّعت أهله، وهدمت المنازل والمساجد والكنائس والقلاع الأثرية، دون ردع أو حتى وازع من ضمير، وجرى ذلك تحت راية الإسلام.
السؤال المهم، بعد وجود تحركات للعودة إلى سوريا، من بعض الأنظمة العربية، وبعضهم يرى أن تلك العودة يجب أن تكون عبر بوابة الجامعة العربية، وهو مؤشر مهم يُنبئ عن نية لعودة العلاقات العربية مع سوريا، حتى من قبل الأنظمة التي ساندت الثورة السورية. أتصور المشهد، في القمة العربية، حيث يجلس (بشار الأسد) مبتسمًا أمام القادة العرب، متناسيًا الدمار في بلده، والأطفال السوريين الذي ماتوا غرقًا في البحر، وعذابات الشابات السوريات في الملاجئ والمخيمات، في بعض البلاد العربية، حيث حصلت مآسٍ عديدة دون أن يركز عليها الإعلام. كما أن ( الأسد) لا يستحضر جيلاً من الطلاب السوريين الذين حُرموا من دراساتهم، وآمالهم، وهم يعبثون ببقايا الرصاص والمدافع.
مَن يُحاسب مَن؟ وهل سيتم تعليق "إثم" النظام على الثورة المُجهَضة، وهكذا تعود سوريا إلى نقطة الصفر، وينسى التاريخُ كلَّ المآسي التي لحقت بالشعب السوري؟ وهل سيتناسى التاريخ مُعاقبةَ المسؤول عمّا لحق بالشعب السوري؟ وهل من الحكمة استخدام أموال الشعب السوري وجيشه في تدمير هذا البلد الجميل، وتهجير أهله، وإذلالهم في المنافي، تحت رحمة قوانين صارمة، فيما يتعلق بحق اللجوء. والسؤال: لماذا اللجوء في المقام الأول؟ أليس من مهام الجيش – في أي بلد – هو حماية الشعب والسهر على أمنه ورخائه؟ فأين الشعب السوري من كل هذا ؟ أليس من حق الشعب السوري أن يقول كلمته، كما قالتها الشعوب العربية الأخرى، التي عانت جور النظام، ومن أعطى الحاكم العربي الحقَّ في تكميم الأفواه المُطالبة بحياة كريمة، وبرحيل النظام الفاسد، أينما كان؟.
ولقد كان لقرار الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) سحب القوات الأمريكية من سوريا، والذي أعلنه في 19/12/2018 الأثر الأبلغ في خلط الأوراق في سوريا، ولربما خلق حالة اندهاش دبلوماسي، إذ إن الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية، الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية ( الأكراد)، سيترك قوات سوريا الديمقراطية تحت رحمة القوات النظامية السورية والقوات التركية، وترى تقارير غربية أن أكثر الدول استفادة من القرار الأمريكي، هي إيران، كون الانسحاب الأمريكي يعزز التواجد العسكري الإيراني، في المناطق التي سوف تنسحب منها القوات الأمريكية، وهذا بحد ذاته، يُعتبر انتصارًا واضحًا لحلفاء (الأسد)، مع أفول نجم المعارضة التي ستدخل عامها الثامن في شهر مارس القادم.
كما استفادت تركيا من الوضع القائم، بإحكام سيطرتها على مناطق في الشمال السوري، لمحاربة ( الأكراد)، الذين تعتبرهم قواتٍ إرهابية، فدخلت القوات التركية عدةَ مدن مثل (جرابلس) و(عفرين)، ويرى مراقبون أن فراغ القوة، المتمثل في انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، سوف "يُغري" تركيا بالتمدُّد أكثر فوق الأراضي السورية باتجاه (منبج). وكانت وكالة (دمير أورين) التركية قد ذكرت أن (أنقرة) كثّفت من إرسال تعزيزات إلى حدودها مع سوريا، ويأتي ذلك، بعد ايام قليلة من تصريحات الرئيس التركي ( رجب طيب أردوغان) أشار فيها إلى أن بلاده ستؤجل عملية عسكرية مُزمعة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، بعد أن قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا، وأضاف الرئيس التركي، أن بلاده سوف تواصل المعركة ضد تنظيم ( داعش) في سوريا، مع سحب القوات الأمريكية من هناك.
من جانب آخر، ذكر الرئيس (ترامب)، خلال زيارته للقوات الأمريكية في العراق، أنه سيُبقي القوات التي قوامها 2000 جندي في سوريا لحوالي أربعة أشهر، قبل سحبها، وكان عدد من الخبراء الأمنيين الأمريكيين قد أشاروا إلى أن (ترامب) يُبالغ في الأمر، وحذّروا من التعجل في الانسحاب من سوريا.
اللاعب الثالث على المسرح السوري هو الجيش الروسي، والذي تمثّل عملهُ في حماية النظام ودعم (الأسد)، خلال السنوات الماضية، إلا أن مكاسب روسيا تبدو محدودة مقارنة مع مكاسب إيران وتركيا، من "الغنيمة" السورية.
ولقد ذكر تقرير لصحيفة (نيويورك تايمز) أن " سوريا ستكون دولة ضعيفة تحت سيطرة روسيا وإيران".. وأنها ستكون نسخة من دول (البلقان)، التي أنهكتها الحرب الأهلية لثماني سنوات. وعن الموقف السوري، رأت الصحيفة أنه " بعتد سنوات من الحرب الدموية، التي بدأت بالربيع العربي، والمطالبات السلمية بالإصلاح، فإن سوريا ستخرج من ركاب الحرب الأهلية، ولن تكون سوى نسخة هشة ومشوهة عن التي وُجدت قبل الحرب. وأشارت الصحيفة إلى أن الإيرانيين والأتراك سوف ينافسون الدور السعوي في سوريا، بغية إيجاد موطئ قدم لهم على المستوى الإقليمي، بينما تسيطر روسيا على السياسة الخارجية والخدمات الأمنية.
إن الطريق ستكون وعرة جداً أمام سوريا الجديدة، وستبقى مشكلة اللاجئين تؤرق النظام، وكذلك مشكلة إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي، بعد كل النبذ والرفض الذي قوبلت بها أعمال النظام في المجتمع الدولي، ناهيك عن تكاليف إعادة إعمار ما دمرته الحرب في هذا البلد.
وأخيرًا.. هل ستوجد محاكمات عادلة ونزيهة لكل مَن ساهم في تدمير هذا البلد؟.