الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حسني الزعيم.. الانقلاب الأول

حسني الزعيم.. الانقلاب الأول

26.05.2019
مهند الكاطع


سوريا تي في
السبت 25/5/2019
هو حسني الزعيم والده الشيخ محمد رضا الزعيم مفتي (الآلاي) المولوية في حلب ووالدته مِن أصول كردية، التحق والده بشيخ المولوية جلبي أفندي الذي جاء من قونية في تركيا سنة 1915 باتجاه دمشق ثم بيروت ومنها إلى فلسطين ثم قناة السويس لمحاربة الإنكليز ومعه 1500 من دراويش المولوية، وفي المعركة الحربية استشهد محمد رضا الزعيم والد حسني الزعيم برصاص القوات الإنكليزية والاسترالية أثناء عبور القناة.
قاد حسني الزعيم بحركته الانقلابية في 30 آذار/ مارس 1949، مدشناً بذلك أول انقلاب عسكري في تاريخ سورية والمجال العربي عموماً، وليصبح مثلاً يحتذى به في باقي الأقطار العربية. مبرراً ذلك بالإهانات التي تعرض لها الجيش، يشير إلى ذلك الزعيم في البلاغ التاسع الذي أصدره بعد الانقلاب: "إن الدافع إلى الحركة التي قام بها الجيش لهو الهجمات المتكررة على الجيش والإهانات الموجهة إليه خارج المجلس النيابي وداخله، ثم سوء المعاملة التي لقيها".
وفي مؤتمر صحفي عقده الزعيم في اليوم الأول للانقلاب، أشار الزعيم في رد على سؤال حول أي تدخل أجنبي في مسألة الانقلاب قائلاً: "نحن عرب قوميون، وإن كل حكومة أجنبية، عربية كانت أم غير عربية، تحاول التعدي على حدودنا سنقاومها بكل قوتنا، فحركتنا حركة محلية بحتة. في حين يرى باتريك سيل بأن لموضوع الانقلاب علاقة بمحاولة إنقاذ الزعيم نفسه من التورط بفضيحة السمنة المغشوشة، إذ أرسل البستاني من سجنه في المزة من يخبر الزعيم بأنه "إذا كان هناك استجواب فإنه سيقول كل شيء"، واستناداً لوجهة النظر هذه فقد قام الزعيم بالانقلاب لإنقاذ نفسه لا البلاد.
وحسني الزعيم هو من مواليد حلب سنة 1889، حيث ولد في أسرة عثمانية تعود إلى أصول كردية مستعربة، والده كان مفتي الطريقة المولوية في حلب. تلقى الزعيم تعليمه الابتدائي في حلب، والتحق بالجيش التركي وتلقى علومه العسكرية في مدارس حلب ودمشق وإسطنبول وأدرنه، وبعد إنهاء تدريبه العسكري رقي إلى رتبة ملازم أول في سنة 1917 وبعدها تم نقله إلى المدينة المنورة في الحجاز، وعندما اندلعت الثورة العربية التحق بالجيش العربي، وتم إيفاده من وزارة الحربية العربية إلى المدرسة في دمشق بقصد إكمال التحصيل، لكنه رفض ذلك بداعي كونه مكملاً تحصيله في المدارس العسكرية التركية وبداعي أن دخوله المدرسة ثانية ماس بكرامته، واستقال بسبب ذلك من الجيش، لكن في الحقبة الفرنسية صدر كان قد التحق بالكلية العسكرية منذ سنة 1920 وتخرج منها بمرتبة ملازم ليخدم في قطعات الجيش الفرنسي، ثم صدر قرار يقضي بأن تطوى من سجل الملازم حسني الزعيم المحفوظ لدى قيادة الدرك العام المستخدم في السرية الأولى من كتيبة الشرق الأولى للجيش المختلط، العبارة الدالة على قبول استقالته من الخدمة في الجيش الفيصلي في 15/2/1919، وتدرج بالرتب العسكرية في جيش المشرق الفرنسي، فترقى إلى رتبة رئيس "كابتن" سنة 1928، وإلى رتبة مقدم سنة 1934، وإلى رتبة نائب زعيم سنة 1941. حين تقدمت القوات الإمبراطورية والفرنسية الحرة نحو سورية عام 1941 لتضع حداً للتسلل الألماني، عهدت السلطات الفيشية إلى الزعيم، الذي كان ضابطاً في القوات الخاصة، بمهمة تنظيم عمليات فدائية ضد الغزاة، ووضعت تحت تصرفه مبلغ 300 ألف ليرة سورية، ولكن حين اضطربت الأحوال توارى الزعيم والأموال معه، وبعد انتهاء الحملة فضحه الفيشيون وهرب الزعيم، فقبض عليه وقدم للمحاكمة وحكم عليه عام 1942 بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، أطلق القوتلي سراحه في أواخر الحرب، وأعيد للجندية في الجيش الوطني المشكل حديثاً.
يبدو أن الزعيم حاول تعزيز موقفه في صفوف الجيش، فمعظم مراسيمه التي أصدرها تمحورت حول الجيش
على أي حال يبدو أن الزعيم حاول تعزيز موقفه في صفوف الجيش، فمعظم مراسيمه التي أصدرها تمحورت حول الجيش، وتعزيز دوره، وإعفاءه من العديد من الرسوم، وإعادة المبعدين من الجيش لصفوفه. وقد حظي بدعم الأقليّات وبشكل خاص الأكراد، فقد قام وفد من زعماء الأكراد يتقدمهم جلادت بدرخان والسادة: مصطفى شاهين وبوزان شاهين وغيرهما من النواب السابقين بزيارة الزعيم، وأعربوا له عن ولائهم للعهد الجديد وتأييدهم له، كما قابله وفد من زعماء الأكراد في العاصمة يتقدمه عمر آغا شمدين وكامل آغا بوظو للغاية نفسها. وبعض الأكراد من العاصمة ومختلف المدن الأخرى ببرقيات كثيرة تتضمن التهاني والتأييد لانقلاب الزعيم.
 طمأنة الغرب والخطاب القومي العربي
يرى باروت بأن الولايات المتحدة هي من حرك الانقلاب العسكري الأول في سورية للحصول من الزعيم حسني الزعيم (1894-1949) ما فشلت في الحصول عليه من القوتلي، أو مجلس النواب السوري، وهو رفض التصديق على اتفاقية حكومة خالد العظم مع "التابلاين"، ورفض اقتراح خالد العظم عقد "هدنة" دائمة مع إسرائيل، وبرودة القوتلي نفسه وتحفظه على الهدنة التي وقعتها مصر، حيث كان واضحاً للقوتلي بأن توقيع الهدنة مع إسرائيل يعني إعادة المنطقة الوحيدة التي حررها الجيش السوري من بين الجيوش السبعة .
بالفعل اهتمت الصحف الغربية بالحدث، وكان واضحاً بأن الزعيم يسعى لتبديد جميع مخاوف الغرب، سواء إعلانه الالتزام بالاتفاقيات الدولية وإعلان حكومته بأن المحادثات بين سورية وإسرائيل سوف تجري قريباً لعقد الهدنة، الأمر الذي نقلته صحيفة التايمز اللندنية قبل الإعلان عنه رسمياً داخل سورية، كما أعلن أن وفد المفاوضة السوري قد تم تأليفه وستجري المباحثات الأولية بحضور الجنرال رايلي كبير المراقبين الدوليين. الوزير الأمريكي المفوض (السفير فوق العادة) كيلي (Kelley) كان قد أبلغ واشنطن في ضوء صفقته مع الزعيم "أن سورية ستستأنف محادثات السلام مع إسرائيل، وستفكر بتوطين 250 ألف لاجئ فلسطيني في منطقة الجزيرة على الحدود مع العراق".
كما حاول الزعيم تبديد مخاوف الغرب أيضاً بخصوص انتشار المد السوفيتي المتمثل بالشيوعية، حيث وصف الزعيم في أول خطاب له دعاة الشيوعية بذوي المبادئ الهدامة وطالب بالقضاء عليهم قائلاً: "وأنتم أيها الإخوان من عماد وكادحين أبشركم بأنني سأعمل ما أستطيع على تحقيق نظام العدالة الاجتماعية في إعادة النظر بنظام توزيع الأراضي، ووضع نظام تحديد الثروة الضخمة، ...، هذا ولا يحسبن حاسب إنني سأغض النظر عمن يسعون بين صفوف العمال والكادحين ليبقوا دعاءات السوء، أو يعملوا على نشر الأفكار الهدامة مما تأباه تقاليدنا الموروثة وتراثنا العربي المجيد، فلقد عزمت عزماً أكيداً على أن اضرب هؤلاء المجرمين من دعاة الشيوعية الهدامة وغيرها من المذاهب الغريبة عن تراثنا وتفكيرنا بدون شفقة أو رحمة. فليعلم هؤلاء الناس إننا قوميون عرب قبل كل شيء، وأننا سنحاول ما استطعنا الحفاظ على أمجادنا العربية وتقاليدنا القومية، هذا وأنني اعلن بكل صراحة ووضوح بأنني سأعمل على سحق كل من تحدثه نفسه ببذر بذور التفرقة بين الشعب ليضعف العزائم ويمس سيادة الجيش ويحاول القيام بشيء ضد هذا الانقلاب. وسأعمل في القريب إن شاء الله على تقوية الأواصر بيننا وبين كافة الدول العربية التي تجمعنا بها وحدة الآمال وفكرة العروبة".  لذلك لا غرابة أن يتسم الموقف السوفيتي بالسلبية من الانقلاب، وعدم الترحيب به، واصفاً أياه بالحكم الغير شرعي، وأنه يمثل الدكتاتورية العسكرية المتمردة على الحكومة الديمقراطية، وأنه وفق وجهة النظر السوفيتية يمثل الاستبداد الأمريكي الفرنسي . ومما يؤيد اتهامات أمريكا بالوقوف وراء الانقلاب، ما ذكره رجل المخابرات الأمريكي كوبلند: (لقد كان انقلاب الزعيم من أعدادنا وتخطيطنا، فقد قام فريق العمل السياسي بإدارة الميجر (الرائد) ميد، بإنشاء علاقات منتظمة مع الزعيم، ومن خلال هذه الصداقة أوحى الميجر ميد لحسني الزعيم بفكرة القيام بانقلاب عسكري وضعت السفارة الأمريكية كامل خطته).
وكانت مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الجزيرة مشروعاً أمريكياً، كانت أمريكا قد وعدت الزعيم بقروض ومساعدات سخية في حال تنفيذه، وبالفعل سار الزعيم بالموضوع حتى النهاية وأخذ يطالب واشنطن في نهاية تموز/يوليو 1949 بالثمن بنحو 100 مليون دولار مساعدات عسكرية واقتصادية، دون أن يدري أن نهايته حانت .
 إعادة المبعدين من الجيش
بتاريخ 25 نيسان 1949 أصدر حسني الزعيم بوصفه القائد العام للجيش والقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وزير الدفاع الوطني مرسوماً تشريعياً يقضي بتأليف لجنة للنظر بملفات ضباط الدرك الذين سرحوا من الخدمة بناء على القانون 141، وصف المرسوم الضباط هؤلاء بالمغدورين، وتضمن إعادتهم لملاكهم الأصلي، ووضع محضر مقتضب بخصوصهم خلال عشرة أيام وبعد ذلك لا يجوز إعادة النظر بأمرهم، وإصدار مرسوم عن وزارة الدفاع الوطني بإعادة الضباط التي ترى اللجنة فيهم اللياقة بالعودة إلى الخدمة، مع احتفاظ الضباط المعادين برتبتهم ودرجاتهم ورواتبهم وقدمهم الذي كانوا عليه حين تسريحهم.
وفي 23 أيار 1949م أصدر الزعيم مرسوماً يقضي بإعادة تطويع العسكريين القدماء ممن سبقت لهم الخدمة في القطعات الخاصة أو الجيوش العربية أو الأجنبية دون التقيد بشروط السن، كما نصت المادة 4 من المرسوم على أن يكون لهذا المرسوم التشريعي مفعول رجعي اعتبارا من 15/5/1948. أي أنه شمل جميع أولئك الذين أحالهم وزير الدفاع السابق الشرباتي إلى التقاعد. كما شمل أيضاً المتطوعين بالجيوش العربية والأجنبية، وبذلك يشمل المرسوم المتطوعين الأكراد المقاتلين في "الفوج الكردي" من أفواج جيش الإنقاذ في حرب فلسطين ضمن الجيش السوري، وكذلك الفوج العلوي وفوج جبل العرب. ناهيك عن دخول مئات الأكراد المهاجرين في الأصل من المناطق الكرديّة داخل تركيا شمال خط سكة الحديد ضمنه، بحكم تطبيق مبدأ التجنيد الإلزامي، وكان معظم هؤلاء ممن حصلوا على هوية شخصية سورية بطريقة غير شرعية، وتم تسجيل في قيد السجل المدني من باب تسجيل المكتومين، وكل هذه المجريات ساهمت في رفع عديد الجيش بزيادة قدرت خلال عامي 1949- 1950 أربعة أمثال ما كان عليه عدد الجيش قبل ذلك.
يبدو أن وصول الزعيم للسلطة، وقيامه ببعض الإجراءات التي فهم منها بأنها دغدغة لطموح الأقليّات، خاصة بعد أن ساهم بإعادة المبعدين منهم إلى الجيش، وقيامه بإسناد مهام الحاميات في المدن الرئيسية إلى وحدات شركسية وكردية في المدن، مبعداً التشكيلات العربية الصرفة إلى الجبهة، لقد أعيد هنا ذكر أصله الكردي فساعد ذلك الصحف العربية خارج سورية أن تهاجم بعنف باسم العروبة والإسلام "الجمهورية الإسلامية العسكرية" القائمة في سورية، وتتنبأ لها بمصير شبيه لما حل بهتلر في أوربا. وبقيت تهم من هذا القبيل وتساهله مع اللاجئين تلاحقه رغم محاولته تبديدها في مرحلة مبكرة، إذ  أصدر في 2 أيار/ مايو 1949، بوصفه القائد العام للجيش والقوى المسلحة رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية والدفاع الوطني مرسوماً تشريعياً يسمح بموجبه لوزير الداخلية بفرض الإقامة الجبرية على اللاجئين، وتعيين بلد الإقامة الجبرية الذي يتوجب عليهم إثبات وجودهم فيه يومياً عند مخفر الدرك.
بدى الزعيم متأثراً وشرهاً للسلطة، وعلى استعداد لتقديم كل التنازلات ليحتفظ بالسلطة، إلا أن انقلاباً قاده سامي الحناوي في صبيحة 14 آب 1949، قد أطاح بحكمه وانتهى بإعدامه مع رئيس وزراءه محسن البرازي وإعادة المبعدين من الزعيم وعلى رأسهم الشيشكلي وأكرم الحوراني وغيرهم. كما أن العقيد الحناوي استفاد من تجربة سلفه الزعيم وهفواته وسقطاته، فلم يستأثر بالسلطة وقرر تسليمها لهاشم الأتاسي، وسمح للأحزاب بالعودة إلى ممارسة نشاطها وإلى الصحف المغلقة بالعودة للصدور.
يمكننا تلخيص أسباب سقوط حسني الزعيم السريع بالآتي:
1.    تعطيل نشاط الأحزاب دون إنشاء هيئة سياسية بديلة للاتصال بالشعب.
2.    إغضاب الدوائر الإسلامية والمجتمعات المحافظة بتشجيع السفور واستيلاء الدولة على الأوقاف، ومحاولة اقتباس قوانين جديدة على المجتمع.
3.    استياء الضباط الآخرين حتى من أصدقائه، نتيجة هالة العظمة التي أحاط الزعيم نفسه بها لدرجة أنه منح نفسه رتبة المارشالية.
4.    اعتماده على الأقليّات العنصرية والطائفية، ويشير د.محمد منسى إلى أن الزعيم كان يولي الأكراد والعلويين المناصب الحساسة في الجيش والدولة وترك الضباط العرب على الجبهة أمام إسرائيل( ).
5.    توثيق صلاته مع فرنسا ضد مشروع الهلال الخصيب. مما أثار نقمة الوطنيين عليه.
6.    تسليم حسني الزعيم لأنطون سعادة بعد لجوئه إلى سورية، الأمر الذي انتهى بإعدام الأخير.
المصادر:
1.    : صحيفة النصر: 31 آذار 1949
2.    بشير العوف، الانقلاب السوري، أسراره ودوافعه ومراميه وكيف تمت حوادثه؟
3.    باتريك سيل، الصراع على سوريا، دراسة للسياسة العربية بعد الحرب 1946-1958
4.    محمد جمال باروت ، التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية
5.    مايلز كوبلند، لعبة الأمم
6.    غسان محمد رشاد حداد، من تاريخ سورية المعاصر (1946-1966)
7.       والترلاكور، الاتحاد السوفيتي والشرق الأوسط.
8.    سليمان المدني، هؤلاء حكموا سورية 1918-1970.
9.    الجريدة الرسمية للجمهورية السورية، دمشق: 28 نيسان / أبريل 1949،  2 أيار/ مايو 1949 ،  9 حزيران/يونيو 1949
10.    محمد  فؤاد عنتابي و نجوى عثمان، حلب في مئة عام.