الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "حزب الله" وإرث حافظ الأسد

"حزب الله" وإرث حافظ الأسد

11.06.2019
إياد الجعفري


جيرون
الاثنين 10/6/2019
تصادف هذه الأيام الذكرى الـ 19 لرحيل حافظ الأسد. وقبل ذلك بأيام، كانت الذكرى الـ 52 لخسارة الجولان، التي عاش الأسد الأب، عقودًا، يمارس من أجل استعادته، سلمًا، لعبة ابتزاز “إسرائيل”، عبر استراتيجية “المقاومة” على أرض الغير، وبدماء الغير. وهو إرث يبدو أن خلفاء الأسد الأب فقدوه، ليصبح من نصيب آخرين، أكثر جدارة به. وللمفارقة، إن الآخرين يمارسونه على حساب “خلفاء الأسد الأب”، وصاروا يعطونهم دروسًا وعظية بأهميته.
في خطابه الأخير، بمناسبة يوم القدس العالمي، رفع حسن نصر الله (أمين عام حزب الله) من نبرة تهديداته لـ “إسرائيل”، بخصوص ملف الصواريخ الدقيقة. لكنه أكّد أن لبنان لا يحتوي على مصانع لتلك الصواريخ، في رسالة إلى الأطراف التي يعنيها الأمر، وفي مقدمتها “إسرائيل”، تفيد بحصر الصراع بالساحة السورية، مع التلويح بأن نقله إلى الساحة اللبنانية سيكلف “إسرائيل” ردّ “الصاع صاعين”، بحسب تعبير أمين عام “حزب الله”.
لكن إن كان لبنان لا يحتوي مصانع صواريخ دقيقة، فمن أين تأتيه المعدات المطلوبة؟ من سورية. هذا ما تؤكده تسريبات استخباراتية إسرائيلية وغربية عديدة، نُشرت في الأشهر القليلة الماضية. بل إن “إسرائيل” أشارت أكثر من مرة، إلى وجود مصانع صواريخ دقيقة، أنشأتها إيران على الأراضي السورية، بهدف رفع مستوى دقة صواريخ “حزب الله”. أحدها قريب من مدينة طرطوس، ومن الحدود اللبنانية السورية، شمالًا.
خلال السنة الفائتة، وإلى هذه اللحظة، وربما طوال الفترة القادمة أيضًا، تخوض “إسرائيل” حربًا على تهريب المعدات التي تحاول إيران إيصالها إلى “حزب الله”، بهدف تطوير دقة صواريخه، وذلك على الأرض السورية. فسورية هي ساحة الصناعة والتهريب الإيراني. ويعتقد الإسرائيليون، بحسب مصادرهم الإعلامية، أنهم حققوا تقدمًا في هذا الملف، أجبر إيران على تصغير حجم المعدات المهربة إلى لبنان، عبر سورية. لكن ذلك يُبقي سورية ساحة للتهريب وللتصنيع. فضلًا عن التأسيس لبنية تحتية تتيح القيام بعمليات تستهدف “إسرائيل” في الجولان المحتل، من قبيل الوحدة السرية التابعة لـ “حزب الله” التي تم تشكيلها في الجولان، بقيادة علي موسى دقدوق. وهي الوحدة التي كان لا يعلم عنها بشار الأسد شيئًا، بحسب ما تقول “إسرائيل”.
حتى اللحظة، لا يبدو أن “حزب الله” نال كامل إرث حافظ الأسد، على صعيد “المقاومة” على أرض الغير، وبدماء الغير. فالحزب اكتفى بالشطر الأول من الاستراتيجية، حيث تكون سورية ساحة لمناكفة “إسرائيل” وابتزازها، مع تحييد الساحة اللبنانية، لكن بدماء مقاتلين من “حزب الله”، حتى الآن.
في هذه الأثناء، يعجز وريث الأسد الأب عن استعادة إرث والده، على أكثر من صعيد. وفيما يعمل الأسد الابن على استعادة استقرار حكمه، وتجنب استفزاز “إسرائيل”، يوجه له حسن نصر الله، في خطاب 25 أيار/ مايو الفائت، درسًا وعظيًا، وإن كان بطريقة غير مباشرة، بالإشارة إلى أنه لو لم تكن هناك مقاومة في جنوب لبنان، لأعطاه ترامب لـ “إسرائيل”، كما فعل في الجولان والقدس.
بطبيعة الحال، فإن التأسيس لعمل مقاوم لاستعادة الجولان، ليس في اعتبارات بشار الأسد، ولم يكن يومًا كذلك، بل هو ليس من إرث والده بالأصل. فالأب لطالما عمل على تجنيب سورية أي اشتباك مباشر مع “إسرائيل”. وهو ما يعمل عليه أمين عام “حزب الله” اليوم، لكن هذه المرة في لبنان. فالرجل الذي قاد عملًا مسلحًا لعقود ضد “إسرائيل” في جنوب لبنان، حريص اليوم على ألا يكون لبنان ساحة للاشتباك مع “إسرائيل”، لذا يحاول إقناع الأخيرة بحصر ساحة صراعهما في سورية، تارة بالردع والتهديد برد الصاع صاعين، وتارة أخرى بالقبول بخطوط حمراء إسرائيلية، من قبيل عدم التأسيس لمصانع صواريخ دقيقة على الأراضي اللبنانية. إذ لا يمكن أن يُفهم عدم امتلاك “حزب الله” لمصانع من هذا النوع، على الأراضي اللبنانية، فيما يمتلك الفلسطينيون في غزة، والحوثيون في اليمن، مثل تلك المصانع، وذلك بحسب حديث حسن نصر الله نفسه، إلا أن يكون الأخير يعمل على مراعاة الحساسية الإسرائيلية بهذا الخصوص، ويريد تجنيب لبنان اشتباكًا مباشرًا مع الإسرائيليين.
في هذه الأثناء، يناضل ورثة حافظ الأسد لاستعادة مناطق من سورية، أكثر أولوية بالنسبة إليهم من حلم استعادة الجولان باتفاق سلام مع “إسرائيل”، الذي مات الأب وهو يحاول تحقيقه حتى ساعاته الأخيرة. ليضيعوا جانبًا مهمًا من إرثه الاستراتيجي، ومعه جانبًا مهمًا من حصانتهم في مواجهة الحلفاء “الألداء” والخصوم، في آن.