الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب 1973 في رواية سعد الدين الشاذلي

حرب 1973 في رواية سعد الدين الشاذلي

23.10.2019
د. محمد عبدالرحمن عريف


 د.محمد عبدالرحمن عريف
القدس العربي
الثلاثاء 22/10/2019
"لم نكف عن التفكير في الهجوم على العدو الذي يحتل أراضينا حتى في أحلك ساعات الهزيمة في يونيو (حزيران) 1967، لقد كان الموضوع ينحصر فقط في متى يتم مثل هذا الهجوم، وربط هذا التوقيت بإمكانيات القوات المسلحة لتنفيذه.
وفي خريف 1968 بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة تستطلع إمكان القيام بمثل هذا الهجوم على شكل مشاريع استراتيجية، تنفذ بمعدل مرة واحدة في كل عام، وقد كان الهدف من هذه المشاريع تدريب القيـادة العامة للقوات المسلحة، بما في ذلك قيادات القوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوي، وقد استمرت هذه المشاريع خلال عامي 1971 و1972.
أما المشروع الذى كان مقررًا عقده عام 1973 فلم يكن إلا خطة حرب تشرين الأول/أكتوبر الحقيقية التي قمنا بتنفيذها فى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر1973". هكذا تحدث "الشاذلي" في مذكراته الشخصية، ليؤرخ فيها لأحداث حرب 1973 على الجبهة المصرية.
 
لقاءات عربية
لقد تحدث الشاذلي عن زيارته للجزائر والمغرب وليبيا في فبراير/ شباط، ثم يأتي الحديث عن زيارة وفد عراقي على مستوى عالٍ إلى القاهرة ما بين 26-28 مارس/ آذار 1972، وكذلك زيارة الشاذلي للعراق برغم معارضة السادات، لرأيه في الرئيس أحمد حسن البكر. كذلك عرض الشاذلي للدعم السوداني، ويقول إن العلاقات كانت على أحسن حال عقب عام 1969 في فترة حكم جعفر النميري، حيث قام السودان بإرسال لواء مشاة للتمركز في جبهة قناة السويس.
يقول الشاذلي أنه في يوم 21 آب/ أغسطس 1973، دخلت ميناء الإسكندرية باخـرة ركاب سوفييتية، وعليها ستة من الرجال السوريين كان يتوقف على قرارهم مصير الحـرب في منطقة الشرق الأوسط.
كـان هؤلاء هم اللواء طلاس وزير الدفاع، واللواء يوسف شكور، واللواء ناجي جـميل قـائد القوات الجوية والدفاع الجوي، واللواء حكمت الشهابي مدير المخابرات الحربية، واللواء عبد الرزاق الدرديري رئيس هيئة العمليات، والعميد فضل حسين قائد القوات البحرية.
وكان الشاذلي في استقبالهم على رصيف الميناء، حيث خرجوا من دون أي مراسم إلى نادي الضباط، حيث نزلوا خلال فترة إقامتهم في الإسكندرية في مبنى قيادة القوات البحرية المصرية في قصر رأس التين.
 
المآذن العالية
 
كان الوفد المصري يتكون من الفريق أول أحـمد إسماعيل وزير الحـربية، والفريق سعد الدين الشاذلي (ر.ا.ح.ق.م.م)، واللواء محمد علي فهمي قائد الدفاع الجـوي، واللواء حسني مبارك قائد القوات الجوية، واللواء فؤاد زكريا قـائد القوات البحرية، واللواء عبـد الغني الجمسي رئيس هيئـة العمليات، واللواء فؤاد نصار مدير المخـابرات الحربيـة.
كان هؤلاء الرجـال الثلاثة عشـر هم المجلس الأعلى للقوات المصرية والسورية المشتركة، وكان يقوم بأعمال السكرتارية لهذا المجلس اللواء بهي الدين نوفل..
كان الهدف من اجتماع هذا المجلس هو الاتفاق على موعد الحرب.
في يوم السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973 في الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرًا شن الجيشان المصري والسوري هجومًا كاسحًا على إسرائيل، بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصري خطة "المآذن العالية" التي وضعها الفريق الشاذلي بنجاح غير متوقع، لدرجة أنه يقول في كتابه: "في أول 24 ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أي أمر لأي وحدة فرعية.. قواتنا كانت تؤدي مهامها بمنتهى الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدي طابور تدريب تكتيكي".
 
جرائم الإهمال
 
في نهاية ما كتب، أعقب الشاذلي الكتاب ببلاغ مقدم إلى النائب العام، اتهم فيه السادات بارتكاب جرائم الإهمال الجسيم وإساءة استخدام السلطة وإصدار قرارات خاطئة تتعـارض مع التوصيات التي أقرها القادة العسكريون، وكذلك تزييف التاريخ المصري في كتاب سماه (البحث عن الذات).
وقد ملأ هذه المذكرات بالعديد من المعلومات الخاطئة التي تظهر فيها أركان التزييف المتعمد وليس مجرد الخطأ البريء، بالإضافة إلى الكذب على مجلس الشعب والشعب المصري في بياناته الرسمية.
الحقيقة أنه في هذه المذكرات أجَاب الشاذلي عن أسئلة فاصلة ومحورية في تلك الحرب بل في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي فيقول: "على الرغم من صدور كتب كثيرة عن حرب تشرين الأول /أكتوبر1973 بين العرب وإسرائيل، فما زال هناك الكثير من الحقائق الخافية، التي لم يتعرض لها أحد حتى الآن كما أن ثمة حقائق أخرى قام بعضهم بتشويهها. أحيانًا عن جهل، وأحيانًا أخرى عن خطأ معتمد لإخفاء هذه الحقائق، ومن بين الموضوعات التي مازالت غامضة تبرز التساؤلات الأتية: لماذا لم تقم القوات المصرية بتطوير هجومها نحو الشرق بعد نجاحها في عبور قناة السويس، ولماذا لم تستولِ على المضائق في سيناء؟
هل حقًا كان من تصور القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أن يقوم العدو بالإختراق في منطقة الدفرسوار بالذات، وأنها أعدت الخطة اللازمة لدحر هذا الإختراق في حالة وقوعه؟
وإذ كان هذا حقيقيًا، فلماذا لم يقم المصريون بالقضاء على الإختراق فور حدوثه؟
كيف تطور اختراق العدو في منطقة الدفرسوار يومًا بعد يوم، وكيف كانت الخطط التي يضعها العسكريون تنقض من قبل رئيس الجمهورية ووزير الحربية؟
من هو المسؤول عن حصار الجيش الثالث؟
هل هم القادة العسكريون أم القادة السياسيون؟
كيف أثر حصار الجيش الثالث على نتائج الحرب سياسيًا وعسكريًا، لا على مصر وحدها بل على العالم العربي بأسره؟.
عليه تبقى هذه المذكرات شاهدة على أن الشاذلي أبى إلا أن يكشف للتاريخ حقيقة ما جرى، وأن يعرض تفاصيل حرب تشرين الأول/ أكتوبر من داخل مطبخ العمليات بصفته أحد المخططين لها. وهنا يبقى أن المذكرات كشفت النقاب عن أخطاء السادات القاتلة مثل تسببه في ثغرة الدفرسوار التي غيّرت مجرى حرب 1973 من نصر ساحق على الكيان الصهيوني إلى نصر هزيل.
 
كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية