الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب الغاز ترسم خرائط الشرق الأوسط.. دول ترعى الطوائف 

حرب الغاز ترسم خرائط الشرق الأوسط.. دول ترعى الطوائف 

12.09.2020
منير الربيع



سوريا تي في 
الخميس 10/9/2020 
لم تنجح الثورات العربية في تحقيق الذهاب إلى دولة المواطنة المدنية. عدم نجاحها يعود لأسباب موضعية وسياسية واستراتيجية في لعبة حسابات ومصالح الدول. اجتماع مصالح التدمير في لعبة التوزيع السياسي والثرواتي الجديد، أسس إلى مزيد من الانقسامات الاجتماعية والسياسية، التي أدت إلى انهيار الدول وتحلل مؤسساتها، ولجوء الناس إلى محميات طائفية ومذهبية وعرقية. فلم يعد الانتماء إلى وطن تحكمه دولة، بل إلى طائفة تحكمها جماعة على بقعة جغرافية معينة، لها امتداداتها باتجاهات متعددة. وبالتالي العودة إلى صيغة ما قبل نشوء الدول القومية أو الوطنية. 
عندما نشأت دول عديدة في المنطقة جمعت مكوناتها على أساس المواطنة، كما حصل في سوريا بعد ما قبل الاستقلال وبعده وكذلك العراق، كان لبنان مثالاً لا يزال قابعاً في لعبة الطوائف وتركيبتها للدولة التي لم تنجح في أن تكون دولة جامعة ومركزية يستشعر فيها اللبنانيون بمواطنيتهم. 
مشاريع كثيرة تشكلت في سبيل تطوير لبنان إلى صيغة دولة المواطنة ولم تنجح فتفجرت حروب، متوالية أبقت التقسيم الطائفي والمذهبي مكرساً 
مندرجات هذا الصراع، تعيد قواعد اللعبة إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، تحديداً إلى فترة العام 1860 والتي يعرفها اللبنانيون جيداً، في كيفية التداخل والتدخل الدولي مع كل فئة وطرف أو طائفة. ما يجري حالياً والذي يعيد الأحداث إلى ما قبل لبنان الكبير، وضمن سياق دولي وإقليمي أيضاً ستنعكس تداعياته ونتائجه على مختلف دول المنطقة. حتى اللبنانيين الذين خرجوا في ثورة 17 تشرين يناشدون بالدولة المدنية ودولة المواطنة، تراجعوا وغابوا عن المشهد، ليسيطر على الشعار قوى سياسية معروفة بمواقفها المذهبية والطائفية والتي تكرس شرعية وجودها بإثارة العصبيات، كحزب الله والتيار الوطني الحرّ، فتحول شعار الدولة المدنية إلى مدخل للسيطرة على الثورة الشعبية ومصادرة توجهاتها وصرف مخزونها في حسابات سياسية. مع ما يؤسس إلى عودة لصيغة المتصرفية. 
صيغة المتصرفية في تقسيم حكم جبل لبنان إلى قائم مقاميتين جنوبية للدروز وشمالية للموارنة، كانت سبّاقة جداً بالمقارنة مع ما حصل في البوسنة والهرسك وما تكرس فيهما من صيغة مشابهة، بتشكيل مجالس حكمية مستقلة وتشاركية في آن معاً بين الأرثوذكس والمسلمين والكاثوليك. وليس تفصيلاً أن الصراع الدولي الدائر حالياً والذي ينعكس في منطقة الشرق الأوسط، أنتج إعلاناً صربياً ومن جمهورية كوسوفو أيضاً بالاستعداد لنقل سفارتيهما إلى القدس. فيما كل الضغوط الدولية التي تشهدها المنطقة، وتحديداً بعد التطبيع الخليجي الإسرائيلي، لن يتبقى إلا لبنان وسوريا لا بد من جرّهما إلى التطبيع مع إسرائيل. مع ما سيؤسس ذلك إلى مزيد من الانقسامات والتشظيات المجتمعية. 
هذا غالباً أحد نتاجات العودة إلى ما قبل لبنان الكبير، حيث كان لكل طائفة مرجعية دولية. الأرثوذكس لدى روسيا بمشاريعها التي تحميهم وتوفر لهم مقومات البقاء والصمود والاستمرار. الدروز تبعوا بريطانيا، والمسيحيون الموارنة والوا فرنسا. ما بعد ولادة لبنان الكبير والاستقلال الذي فازت فيه المارونية السياسية، شعرت القوى الطائفية الأخرى بالإحباط الكبير. 
اليوم في ظل هذا الصراع المتوسع تجد كل طائفة نفسها بحاجة إلى رعاية إقليمية دولية، فالكاثوليك يناشدون الفاتيكان لحمايتهم والحفاظ على مكتسباتهم ودورهم، والأرثوذكس يعودون إلى روسيا، الموارنة يكونون من حصة فرنسا. بينما السنة يضيعون حالياً بين مشارب مختلفة، بعضهم يتحالف مع تركيا وقطر، والبعض الآخر مع السعودية والإمارات ومصر، وكل أهدافهم تصب في توفير المديد من سنوات التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية. فيما الشيعة والذين لديهم تحالف إقليمي مع إيران، هم بحاجة إلى طرف دولي يوفر لهم الحماية والاستمرار والحفاظ على المكتسبات، فلذلك أمامهم خياران إما فرنسا والتي مدّت لهم يد العون، وإما أميركا ومن خلفها إسرائيل. 
ما سيعطي المزيد من الدفع لتأجيج الصراع، هي الحرب على ممرات الغاز في البحر الأبيض المتوسط، والتي تعكس تغيرات هائلة في التوجهات السياسية، كحال اليونان وقبرص وتقاربهما مع فرنسا وأميركا، فيما كانوا ينضوون سابقاً تحت لواء الاتحاد السوفييتي، ولديهم علاقات مع العرب والقضية الفلسطينية، أصبحوا اليوم أقرب المقربين إلى إسرائيل ويتحالفون معها في البحر المتوسط واتفاقات ترسيم الخطوط البحرية. ومن الواضح أن العلاقة الفرنسية مع قبرص واليونان ستتعمق استراتيجياً أكثر فأكثر، باتفاقيات عسكرية ودفاعية. في مواجهة تركيا. 
في المقابل، تحتفظ تركيا بعلاقات استراتيجية مع كل من أميركا وروسيا، على الرغم من وجود خلافات كبرى استراتيجية أيضاً. ولكن في ظل هذه التحولات الكبرى، فإن روسيا وتركيا ستكونان أمام مفترق طرق استراتيجي، خاصة في موضوع الغاز واكتشافه في البحر الأسود، والكثير من العروض القطرية والأميركية وتوفر الغاز بكميات كبيرة، مع خطوط الأنابيب من أذربيجان بشكل مباشر إلى الأراضي التركية أهم وأفضل بكثير من الغاز الروسي. وهذا يعني أن تركيا لن تعود بحاجة إلى الغاز الروسي، كما لن تكون بحاجة إلى الغاز اللبناني. 
سينعكس ذلك على المواقف الروسية، وستضطر موسكو لتقديم تنازلات كثيرة في ظل هذه المتغيرات، التي تدفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لزيارة سوريا ولبنان، مواقف موسكو ستصب استراتيجياً في خانة المواقف الفرنسية في المنطقة، والتي تحصل تحت نظر الأميركيين وبإشرافهم وتوجيهاتهم، الأمر الذي سيؤسس لمرونة عالية جداً لدى كل الأطراف، وتقديم تنازلات هائلة من قبل الإيرانيين وحزب الله، خصوصاً بعد خسارة سوريا استراتيجياً وفقدان المدى الاستراتيجي العميق هناك، وهذا سينسحب على لبنان أيضاً وفي موضوع الحدود الجنوبية والوضع الإسرائيلي.