الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حتى لا يتجدّد ظهور (داعش)

حتى لا يتجدّد ظهور (داعش)

24.02.2019
عمار ديوب


جيرون
السبت 23/2/2019
التنظيمات الجهادية هي بمنزلة شركات أمنية، حيث إن للدول العظمى، أو لأجهزة استخباراتها القوية، عناصر أساسية فيها، تنفّذ سياساتها. وكذلك هي تعبيرٌ عن تدهور كامل للأوضاع العامة لبلد ما، وتعبيرٌ عن غيابِ بديلٍ وطني قادرٍ على توحيد المجتمع حول هوية محددة، أو حول مشروعٍ سياسي للنهوض أو لمحاربة الدول المحتلة. هي أمران إذًا، ولكن ذلك لا يكتمل دون تأويل للدين، يُنتج أسوأ ما في الفقه، ويفسّر النص الديني بشكلٍ تكفيري ضد الآخر. هناك كذلك قضيّة السلاح والمال، وهي تكشف كل الأغطية عن تلك التنظيمات، ويتدفق إليها المال، بل في أحيان كثيرة تُرسل إليها الأطعمة والوقود عبر الطائرات. عدا كل ذلك، فإن المتشدّدين، وهو أمرٌ معروفٌ للجميع، قد وصلوا عبر الحدود، بإشراف استخباراتي دولي ومحلي.
تثير مسألة انتهاء (داعش) مصير الدواعش الذين قُبض عليهم، ولا سيّما الأوربيين منهم؛ فلهؤلاء أصل أجنبي وعربي، وصار لهم أسر وأطفال في خلافة البغدادي، وبالتالي لا بدّ من عودتهم إلى دولهم الأصلية. الآن القضية مطروحة للإعلام، وربما ستطوى لاحقًا وفقًا للسياسات الدولية، ولكنّها مطروحة للاستثمار السياسي الداخلي، والتنافس بين التيارات السياسية في أوروبا. والسؤال: كيف سنتعامل نحن السوريين مع هذه القضية؟
يعنينا في سورية التساؤل عن سبب جعلها مقبرة لنا وللجهاديين، ولا سيّما أن في سورية شعبًا، وليست أرضًا فحسب. هذا أولًا، وثانيًا، كان في سورية ثورة شعبية 2011 و2012، ضد النظام، والآن انتهت الثورة، وانتهت (داعش) وبقي النظام، والدول التي جاءت لمحاربة (داعش) أصبحت محتلة لسورية، أو سينسحب بعضها كما حال الأميركان. من كل ذلك، نقول هناك شعب خسرَ، وهناك النظام، ودولٌ استفادت مما حصل من سيطرة للجهادية والسلفية وانفلات السلاح والمال إلى سورية وفيها، وبالتالي لا يمكن النظر إلى (داعش) كتنظيمٍ جهادي فحسب، وأن العالم جاء لمحاربة الإرهاب. هذا استخفاف بالعقل، واستهزاء بالسوريين. قصدت من كل ذلك أنه كما تشكل تنظيم القاعدة، لتخريب النضال ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان، وتمَّ إيصال تنظيم القاعدة إلى العراق لتخريب المقاومة ضد الأميركان، كذلك تم إيصال (داعش) وخلق (النصرة) و(جيش الإسلام) وسواها في سورية، بهدف تخريب الثورة وإعادة إنتاج النظام.
تنظيم (داعش) كان الأسوأ، نظرًا إلى حساسية المنطقة التي احتلها، فهي خزّان سورية النفطي والزراعي والمائي، وباعتبارها أصبحت خارج سيطرة النظام، فإن إنهاءها كان ضروريًا، وهي مهمة الدول التي تدخلت لمحاربة (داعش)، ولا سيّما أن النظام ترك شمال سورية ليتوسع فيه (داعش)، وفي هذا تتحدث التقارير الصحفية عن ندرة المعارك الحقيقية التي حدثت بينهما، حيث إن مشكلة النظام ليست (داعش) ذاته بل الثورة الحقيقية، والفصائل الوطنية، والمناطق التي تحاول تشكيل بديل عنه. دور النظام مع النظام العراقي والإيراني أساسي، في تسهيل مهمة دخول (داعش) إلى سورية، والأمر ذاته يخصّ تركيا وبقية الدول. هنا تكمن الكارثة، حيث حصل تعاون مباشر أو غير مباشر، لتخريب الثورة وتدمير سورية، وقبالة ذلك يُعوّم النظام.
المشكلة التي عاناها النظام والدول المتدخّلة، وكذلك الجهادية والسلفية أيضًا، أن الثورة لم تنحصر في مناطق بعينها، وتمدّدت وتوسّعت كثيرًا، وبالتالي امتد زمن الحرب، وتضاربت مصالح الدول، وخُلقت مصالح جديدة، حتى وصلنا إلى احتلال كاملٍ لسورية من قبل إيران وروسيا وتركيا، وتدخل كبير من قبل أميركا وبريطانيا وفرنسا ودول عديدة.
يحق للسوريين، بعد كل ما سقناه، محاسبة الدول التي تركت الجهاديين يصلون إليها، وكذلك محاسبة النظام السوري الذي أطلق سراح الجهاديين من سجونه في 2011. هذا ملفٌ لا يجوز تهمشيه. الآن سيعود من لم يمت من الجهاديين إلى بلادهم، وسيظل للسوريين محاكمة الدواعش أنفسهم عمّا ارتكبوه من قتل وتدمير وتهجير وقع في المناطق التي سيطروا عليها. لا يجب النظر إلى الدواعش وكأنّهم أجانب فحسب، ويجب أن يعودوا إلى بلادهم، وأن يحاكموا هناك لأنهم جهاديين.
لا يهم هذا المقال من سيملأ الفراغ الذي سيتركه (داعش)، فكل من تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري، والاتحاد الديمقراطي وقوات أحمد الجربا وآخرين، يهيّؤون أنفسهم لتقاسم غنيمة شرقي الفرات، أو بقايا أرض “الخلافة”. يهم هذا المقال مصير بقايا (داعش) في تلك الأرض، والواقع الذي سيتشكل فيها، والمحاسبة. هناك تحليلات تؤكد أن الجهادية لا تنتهي إلا بانتهاء الوضع “الشاذ” الذي أنتجها، وبحدوثِ توافقٍ دولي وإقليمي حول مصير سورية والسوريين. القصد أن لوجود (داعش) وأشباهها أسبابًا كثيرة، كما أوضحنا، وتوسع (داعش) في سيناء وأفغانستان وليبيا ومناطق أخرى، يوضح أن القضية تكمن في الانهيار العام، وغياب الدولة المركزية، والاستثمار الخارجي لتخريب الوضع الداخلي، ولا سيّما إن وجدت ثورات أو حركات مقاومة حقيقية ضد الأنظمة أو الاحتلالات الخارجية.
إن كل أسباب إنتاج (داعش) مجدّدًا متوفّرة، وبقاياه لم تنته بعد، وبالتالي يشكّل تأخّر مصير النظام السوري، وإعادة الإعمار، وغياب توافق دولي وإقليمي، وغياب مشروع وطني سوري، أسبابًا حقيقية لظهور (داعش) أو أشكال جديدة منه. كل ما قلته لا يُغيّب أن هناك سلفيين وجهاديين مستقلين كذلك، وهؤلاء يمكن أن يشكّلوا نسخة جديدة من الجهادية، في حال تأجّلَ حلَّ المشكلات التي تتعقّد ولا تجد لها حلولًا، لوضع نهاية للوضع السوري.
مشكلتنا الآن أن العالم يبحث عن مصالحه، والتوافقات الدولية والإقليمية ستكون ضد مصلحة الشعب السوري، وضمن ذلك يشكّل غيابُ بديل وطني سوري عابر للمحافظات وأعلى من الطائفية والمناطقية والقومية الضيقة، أسبابًا لانتعاش أشكال جديدة من السلفية والجهادية وربما العشائرية السياسية، وسيؤدي ذلك بالتأكيد إلى إعادة إنتاج النظام. إضافة إلى كل ذلك، فإن حدثت التوافقات الدولية والإقليمية، لمصالح دول ضد دول، فإن هناك ما يشبه الإجماع على إخراج إيران من سورية، وبالتالي ستكون هناك أسباب جديدة لظهور حركات إرهابية، ومشاريع أمنية مناهضة لأي تغيير حقيقي في سورية.