الرئيسة \  كتب  \  جولة في عالم الكتاب العربي والعالمي 3/4/2019

جولة في عالم الكتاب العربي والعالمي 3/4/2019

04.04.2019
Admin


إعداد مركز الشرق العربي
 
عناوين الملف
  1. ستيفن م. والت :جحيم النوايا الحسنة
  2. دوناتيلا ديلا راتا :الصورة ولعبة الموت في المشهد السوري
  3. ستيفن كوهين :الحرب الأمريكية مع روسيا
  4. بول تشاتيرتون :المدن المستدامة.. بيان للتغير الحقيقي
  5. جيفري كلير وجوشوا فرانك :الحرارة الكبرى
  6. محمد الأسعد :صدر قديما: "الصراع الفكري في الأدب السوري".. عاصفة نقدية
  7. "في العلمنة": جدلية الدين والمجتمع والثقافة
  8. "تدبير القداسة": تراث الدخول على السلطان
  9. برهان غليون :«عطب الذات»: استقراء فشل المعارضة السورية في مواجهة النظام
  10. فيدريشي :تفكيك الرأسمالية... نسائياً
  11. رؤية مستقبلية لأوضاع الهند ما بعد 2020
  12. عالم اجتماع أميركي يستشرف نهاية العالم...متوقعاً عنفاً أكثر واستفزازات عسكرية بين الشمال الجنوب
  13. مجلد يوثّق 100 "منتهِك لحقوق الإنسان" في إيران
 
ستيفن م. والت :جحيم النوايا الحسنة
تاريخ النشر: 23/02/2019
تأليف: ستيفن م. والت
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
في عام 1992، وقفت الولايات المتحدة في ذروة القوة العالمية، وكان الأمريكيون واثقين من أن هناك حقبة جديدة من السلام والرخاء في متناول اليد. لكن بعد 25 عاماً تحطمت هذه الآمال. فالعلاقات مع روسيا والصين توترت، ومع الاتحاد الأوروبي تتأرجح، وبدأت القومية والشعبوية تتصاعد، وأمريكا عالقة في حروب مكلفة وعبثية، أهدرت بسببها تريليونات الدولارات وقوضت نفوذها في جميع أنحاء العالم. النتائج، كما يقول مؤلف هذا الكتاب، مخيبة للآمال للغاية. لكن لماذا؟
على مدى ربع القرن الماضي، لم تكن السياسة الخارجية الأمريكية شيئاً إلا طموحاً يسعى إلى محاربة الإرهابيين ونشر الديمقراطية، لكن بدلاً من ذلك سعت إلى إسقاط الخصوم وتوسيع الضمانات الأمنية. يتناول الكاتب ستيفن م. والت، والذي يعدّ من المؤلفين الأكثر مبيعاً على قائمة صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، في كتابه هذا (صادر عن فارار، ستراوس آند جيرو في 16 أكتوبر 2018 باللغة الإنجليزية ضمن 400 صفحة)، أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية الأخيرة، موضحاً السبب وراء إصابتها بالكوارث مثل «الحروب الأبدية» في العراق وأفغانستان وتحديد ما يمكن القيام به لإصلاحه.
الهيمنة الليبرالية
إن جذور هذا السجل الكئيب، كما يقول والت، هو الالتزام العنيد لمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية باستراتيجية «الهيمنة الليبرالية». فمنذ نهاية الحرب الباردة، حاول الجمهوريون والديمقراطيون على السواء استخدام القوة الأمريكية لنشر الديمقراطية، والأسواق، والقيم الليبرالية الأخرى في كل زاوية وركن من كوكب الأرض. كانت هذه الاستراتيجية محكومة بالفشل، لكن مؤيديها في نخبة السياسة الخارجية لم يخضعوا للمساءلة أبداً وظلوا يكررون نفس الأخطاء.
فاز دونالد ترامب بالرئاسة ووعد بإنهاء السياسات المضللة للسياسة الخارجية، واتباع نهج أكثر حكمة. لكن أسلوب حكمه غير المنتظم والمندفع، إلى جانب الفهم الخاطئ للسياسات العالمية، يزيد الوضع سوءاً كما يرى والت. وأفضل بديل، كما يقول، هو العودة إلى الاستراتيجية الواقعية المتمثلة في «التوازن خارج المجال» أو «التوازن في الخارج» التي تتجنب تغيير النظام، وبناء الدولة، وغيرها من أشكال الهندسة الاجتماعية العالمية. «من المؤكد أن الشعب الأمريكي سيرحب بسياسة خارجية أكثر تحفظاً، سياسة تسمح بقدر أكبر من الاهتمام بالمشكلات في الداخل. وسيتطلب هذا التحول الذي طال انتظاره التخلي عن البحث غير المجدي عن الهيمنة الليبرالية وبناء مؤسسة للسياسة الخارجية تتمتع بنظرة أكثر واقعية للقوة الأمريكية».
ويشير الكاتب إلى أن القوة الأمريكية سمحت لصانعي السياسة بمتابعة أهداف السياسة الخارجية الطموحة، حتى عندما تكون هذه الأهداف غير ضرورية أو محكوم عليها بالفشل. ومع ذلك، وعلى الرغم من العديد من النكسات، فإن النخبة السياسية الخارجية الراسخة تحتفظ بإيمانها بالهيمنة الليبرالية. يستكشف والت هذه الأفكار ويحدد الحالة لمقاربة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية على أساس الواقعية وضبط النفس.
يعرض والت الأفعال الداخلية لنخبة السياسة الخارجية عبر إدارات بوش وكلينتون وأوباما، ويظهر كيف تمكنوا من تجنب المساءلة، والحفاظ على الأفكار والسياسات المشكوك في صحتها، والحفاظ على النفوذ على الرغم من الأخطاء الفادحة الماضية. ويؤكد والت أن إخفاقاتهم المتكررة هي سبب كبير لانتخاب دونالد ترامب. ويقول إن الولايات المتحدة «تواصل تبني استراتيجية معيبة، لكن تطبيقها الآن في يديّ الرئيس الأقل كفاءة في الذاكرة الحديثة». ووفقاً لوالت، فإن رئاسة ترامب «تقدم طريقة حول كيفية عدم إصلاح الأشياء».
استراتيجية مضللة
يرى والت أن كلاً من الديمقراطيين والجمهوريين اتبعوا استراتيجية مضللة «للهيمنة الليبرالية». ويقول إن المصالح الأمريكية ستسير بشكل أفضل من خلال تركيز التزاماتنا العسكرية على الحفاظ على توازن القوى في أوروبا وشرق آسيا والخليج العربي، وبتجنب استخدام القوة لنشر الديمقراطية أو إملاء السياسات الداخلية للدول.
يؤرخ والت أيضاً عدم وجود تطور بين الصقور غير التائبين. فلا يزال ماركو روبيو يجادل بأنه «لم يكن من الخطأ الذهاب إلى العراق». وليندسي غراهام يلوم باراك أوباما على «الفوضى في العراق وسوريا، وليس الرئيس بوش».
ويشير والت إلى أن حرب العراق وآثارها كانت فشلاً من الحزبين، مهما كانت نبيلة (أو لم تكن) نوايا مهندسيها. على الرغم من أن جورج دبليو بوش كان رئيساً، إلا أن جون كيري وهيلاري كلينتون دعما الغزو. ثم قام كل واحد منهما بالفشل في الحصول على منصب الرئيس وخدم بصورة غير عادية كوزير خارجية.
يقدم والت رؤيته لما ينبغي أن تكون عليه السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك التوازن الخارجي، وإعادة الدبلوماسية، وجعل السلام أولوية. ويعاين الاعتراضات البارزة على هذه الأفكار ويدعو السياسيين إلى تقديم السياسة الخارجية التي يريدها غالبية الأمريكيين ويستحقونها.
مواجهة صعبة
يقول الكاتب: «في مارس 2013، دعاني أحد أفراد طاقم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية للتحدث في الوزارة وطلب مني أن «أكون تحفيزياً». استجبت بغبطة، وعنونت كلمتي ب»لماذا تستمر سياسة الولايات المتحدة الخارجية بالفشل». تبعتها مناقشة حيوية وحامية لكنها ودية، وخطر لي لاحقاً أنه يمكن لملاحظاتي أن تشكّل أساس كتاب قصير. وقدّرت أن كتابته ستستغرق قرابة العام. وكما هي الحال لدى المسؤولين، من رجال ونساء، عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، فقد أسأت تقدير صعوبة المهمة التي قررت القيام بها. إلا أنه مع ذلك، فقد كانت لدي مسودة كاملة في أكتوبر 2016، وتوقعت أن يرى الكتاب النور قرابة أواخر السنة الأولى لهيلاري كلينتون في منصب الرئاسة. وفكرت أن التوقيت سيكون مثالياً، مع توقعي أن تكرر كلينتون العديد من أخطاء سابقيها، وأن تقديم النقد القاسي الموجه للاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة سيكون قيّماً وفي أوانه».
ويضيف: «كان الفوز غير المتوقع لدونالد ترامب في نوفمبر 2016 مفاجأة محرجة على أكثر من صعيد، لكنه كان أيضاً فرصة مثالية كي أختبر جوهر محاججتي بشأن نخبة أمريكا في السياسة الخارجية. إذ إن المرشح دونالد ترامب قد تحدى العديد من الأساليب الثابتة في السياسة الخارجية، كما أنه كان رافضاً ل (ومرفوضاً من قِبل) خبراء السياسة الخارجية الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. لكن عند تسلمه مقاليد السلطة، اكتشف ترامب أن التغلب على مؤسسة السياسة الخارجية كان أصعب بكثير مما توقع. إن أسلوب رئاسة ترامب مختلف بشكل واضح عن أسلوب أسلافه، كما أنه غيّر سياسة الولايات المتحدة بطرق عديدة مهمة، لكن ثورة السياسة الخارجية التي وعد بها في 2016 لا تزال غير متحققة».
في شكل ما، يعدّ هذا العمل استمرارية منطقية لبرنامج بحث بدأه الكاتب في الدراسات العليا بعنوان «في أصول التحالفات» (1987)، ناقش فيه بأن الفهم المناسب لأسباب التحالفات الدولية يمكنه تفسير لماذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون أقوى بشكل واضح وكبير من الكتلة السوفييتية. وفي كتاب آخر له بعنوان «الثورة والحرب» (1996) استكشف التأثيرات الدولية للثورات المحلية وناقش فيه أن جهود الإطاحة بالقوى الثورية غالباً ما تساهم في إثارة العداء، وبالتالي فإن الحرب معها تصبح أكثر احتمالاً. وأوضح في كتابه «ترويض القوة الأمريكية» (2005) لماذا كان الأصدقاء والخصوم قلقين بشأن موقف أمريكا المسيطر بعد الحرب الباردة، وأظهر كيف حاولت دول أخرى مواجهة قوة الولايات المتحدة أو استغلالها بغية تحقيق مصالحها الخاصة. وناقش أنه كان بمقدور الولايات المتحدة تقويض مثل هذه الجهود عبر تبني سياسة خارجية أكثر انضباطاً واحترازاً. أما في كتابه «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة» (2007) أظهر مع جون ميرشماير كيف يمكن لجماعة مصالح محلية قوية أن تؤثر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بطرق مؤثرة، على حساب المصالح القومية الأمريكية الأوسع.
سياسات متوازنة
يسعى هذا الكتاب، بشكل خاص، إلى توضيح لماذا قضت الولايات المتحدة ربع القرن الماضي في السعي لتحقيق سياسة خارجية غير طموحة، غير واقعية وغير ناجحة في الغالب. كما أنه بعد الانتصار في الحرب الباردة وتحقيق موقع تفوق غير مسبوق منذ الإمبراطورية الرومانية، لماذا قرر قادة الولايات المتحدة الحفاظ على مؤسسة عسكرية حجّمت الآخرين وتوسيع شبكة متباعدة من الحلفاء، الدول العميلة، القواعد العسكرية والالتزامات الأمنية؟ بدلاً من الاحتفاء بهزيمة منافسها الرئيس كفرصة للتخفيف من أعباء أمريكا العالمية. لماذا شرع الديمقراطيون والجمهوريون سوياً في حملة متسرعة وغير مدروسة لنشر الديمقراطية، الأسواق والقيم الليبرالية الأخرى حول العالم؟ لماذا استمرت واشنطن بمواجهة النكسات المتكررة، وكيف أقنعت مؤسسة السياسة الخارجية الشعب الأمريكي بدعم السياسات التي لم تكن ضرورية ولا ناجحة؟
يرى الكاتب أن جزءاً من هذا التفسير يرتبط بالمزيج الأمريكي اللافت بين الثروة، والقوة والجغرافيا الملائمة. وبسبب أن الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى، وبالنظر لكونها لا تواجه تهديدات في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وهي محمية من بقية العالم بمحيطين كبيرين، فإن بمقدورها التدخل في مناطق بعيدة من دون تعريض بقائها المباشر للخطر. لكن هذا التفسير لا يلخص القصة بأكملها، لأن تلك الظروف الملائمة ذاتها تتيح أيضاً للولايات المتحدة تقليل الكثير من التزاماتها الخارجية وتركيز المزيد من الاهتمام على المشكلات والقضايا الداخلية.
«وبدلاً من اتباع استراتيجية كبرى أكثر انضباطاً، توجه قادة الولايات المتحدة للهيمنة الليبرالية بسبب اعتقاد منظومة السياسة الخارجية الأمريكية أن نشر القيم الليبرالية أساسي لأمن الولايات المتحدة، وسهل التنفيذ. لقد أقنعوا المواطنين العاديين بدعم هذه الأجندة الطموحة من خلال تضخيم الأخطار الدولية، والمبالغة بالفوائد التي يمكن للهيمنة الليبرالية تحقيقها، وإخفاء التكاليف الحقيقية. وبسبب أن أفراد نخبة السياسة الخارجية نادراً ما يتعرضون للمساءلة، فقد كان بمقدورهم ارتكاب الأخطاء عينها مرة تلو المرة».
رؤية جديدة
هذا الكتاب ينتقد بقوة مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية،ويرى أن نخبتها بمؤامرة من أشخاص مطلعين وذوي امتيازات من الداخل يسعون لزيادة ثرواتهم الخاصة على حساب الشعب.
ويشير إلى أن معظم الرجال والنساء الذين تم ذكرهم في الكتاب حاولوا تعزيز المصلحة الوطنية وفق منظورهم ورؤيتهم. لسوء الحظ، كانت الاستراتيجية التي اتبعوها بتلك الطاقة وذلك التفاني فاشلة في الأساس، وكانت أخطاؤهم جسيمة. وبرغم النوايا الطيبة التي لا شك فيها، فقد ألحقت نخبة السياسة الخارجية الأمريكية ضرراً كبيراً بالولايات المتحدة ذاتها.
في الختام يمكن القول إن الكاتب يهدف من وراء عمله هذا إلى إحداث ثورة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتسريع مجيء اليوم الذي تتبنى فيه الولايات المتحدة سياسة خارجية تعزز حقاً أمنها وازدهارها، وتجعل القيم الأمريكية جاذبة أكثر للآخرين، وأن تصبح سياساتها أقرب لما يريده الشعب الأمريكي بحق، وأسهل للدفاع عنها داخل البلاد وخارجها.
===========================
دوناتيلا ديلا راتا :الصورة ولعبة الموت في المشهد السوري
تاريخ النشر: 02/03/2019
 تأليف: دوناتيلا ديلا راتا
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم
بات التوثيق الإعلامي، وعملية التصوير تحديداً، مرتبطة بشكلٍ وثيق بالحياة اليومية للسوريين بعد عام 2011، حيث امتهنها ما عدا المدنيين، عناصر الأمن، والمجموعات المسلحة، والإرهابيين، حيث استخدموا كاميراتهم لرصد أعمالهم الوحشية وجعلها وثائق حية مع قيامهم بأكثر أشكال العنف تطرفاً ووحشية من أجل التصوير. في سوريا تحوّلت الصورة المرئية إلى أداة لارتكاب العنف، ووسيلة أساسية لمقاومتها في الوقت ذاته.
من مقاطع الفيديو الدعائية لداعش، إلى النشاط الرقمي والمسلسلات التلفزيونية الجماهيرية المدعومة من النظام، تأثر الصراع السوري بشكل كبير بالإنتاج الإعلامي، وفي الوقت نفسه ولّد ثقافة بصرية متميّزة.
ولكن ما هي الآثار الجمالية والسياسية والمادية للتواطؤ بين إنتاج هذا الكم الهائل من الوسائط البصرية التي يتم مشاركتها وإعادة التلاعب بها باستمرار على الإنترنت، وأداء الصراع على الأرض؟ تستخدم هذه الإثنوغرافيا (وصف أحوال البشر) الحالة السورية للتعبير بشكل أوسع عن الكيفية التي يعيد بها العصر الشبكي إعادة تشكيل الحرب المعاصرة وتأثيرها في تشريع العنف من خلال الصور. في تناقض صارخ مع التقاليد التكنولوجية التي تحتفي بالديمقراطية الرقمية والثقافات القائمة على المشاركة.
يكشف تحليل الكاتبة دوناتيلا ديلا راتا عن الجانب المظلم من الممارسات عبر الإنترنت، حيث تتشابك أنظمة التمثيل البصري والإنتاج الإعلامي بشكل كبير مع أساليب التدمير وأداء العنف.
في العمل الروتيني لفعل التصوير، وفعل إطلاق النار، برز إضفاء الطابع السلعي التجاري أو ما يسمى بالتسليع بمنطق الاستغلال الذي تجاوز حدود الصور لاستثمار الكائنات الاجتماعية التي أصبحت تعرّف بالصورة، وتحدد الصورة. تقول الكاتبة: «يبدو أن سوريا المعاصرة قد جسّدت تكهنات الفيلسوف والسينمائي الفرنسي غي ديبور في«المشهد»ليصبح علاقة اجتماعية بين الناس تتوسطها الصور«. في البيئة الشبكية نجد الوسم أو»هاشتاغ«، والرموز التعبيرية، وإعادة التغريدات، وصور السيلفي، والقصص، والحالات. يكون المشاركون وسطاء بشكلٍ مفرط، تواقون إلى تعميمها وإعادة نشرها ووضع علامات عليها وإبداء الإعجابات بها، حتى لو كان الموت والعنف هو المحتوى الذي سيتم تحويله إلى شكلٍ من أشكال العرض بالاشتراك والإنتاج مع الأقران.
يستكشف الكتاب فكرة تحول الحرب والحياة في عصر الإنترنت، من خلال استكشاف أكثر نزاعات العصر المعاصر التي استخدمت فيها وسائل التواصل الاجتماعي. ويضم في مضمونه: مقدمة، ثم ثمانية فصول هي:
1) صناعة الإعلام: صناعة الدولة وتنوير سوريا في زمن الليبرالية الجديدة.
2 ) استراتيجية ويسبر.
3) موت التنوير في دراما الزمن الحقيقي.
4) الشعوب ترفع أيديها.
5) الخوف والكراهية على الإنترنت: مفارقات النشاط الشبكي العربي.
6) محاربو الشاشات: التصوير والقتل في سوريا المعاصرة.
7) صانعو الصور في سوريا: مقاتلو داعش والنشطاء السلميين.
8) ملاحظات على نظرية العنف والمرئيات في عصر الشبكيات.تحول حاسم بدأ في سوريا الانتفاضة السلمية عام 2011، تحول فيما بعد إلى حرب وحشية بالوكالة تحت مسميات عدة ومنها الحرب ضد الإرهاب. وفي عام 2017 تم الإعلان رسمياً عن الانتهاء من جزء من هذه الحرب حيث تم إقصاء»داعش«من تدمر والرقة، و»تطهير«حلب من المتمردين. وأعلن بشار الأسد مع حلفائه الروس ذلك اليوم يوم النصر العظيم. تتساءل الكاتبة:»فهل ينبغي أن نسميه كذلك ويد
«شباب سوريون مفعمون بالحياة، أذكياء وموهوبون بشكلٍ لا يصدق إن لم يكونوا ميتين، مثل صديقي باسل الصفدي الذي كان مصدر إلهام لي في نشر هذا الكتاب، أو قابعين في السجون كالآلاف من الأشخاص المختفين يعيشون الآن في مراكز لإيواء اللاجئين في انتظار فرز أوراقهم لترسل إلى مكانٍ ما، يوماً ما عن طريق شخص لربما يعرف القليل من قصتهم أو لغتهم أو ثقافتهم. يعاني العديد من هؤلاء الشباب الاكتئاب كرد فعل إكراماً للحظة التغيير المجيدة تلك التي اغتنموها عام 2011 ثم خسروها ولا يمكن تعويضها، والبعض منهم أقدم على الانتحار، والبعض الآخر يبني حياة جديدة بكل صمود، فمنهم من يتعلم لغة جديدة، ومنهم من يمارس الفن وصناعة الأفلام أو يبدأ بأي عملٍ جديد».
بتقديم هذه اللقطات من الماضي القريب لسوريا كدلائل تقودنا إلى نقاط التحول الحاسمة خلال فترة ما بعد عام 2011، لتسليط الضوء على الانعكاسات المستقبلية وما توحي إليه هذه الانعكاسات، أود استحضار عبرة الفيلسوف غرامشي وهي: يجب أن يرتكز العمل الفكري على خطط تتطلب التزاماً سياسياً فعالاً، مع إدراك أن «الواجب الأخلاقي هو الشهادة بقول الحقيقة عن المعاناة الجماعية وتوفير مرجعٍ لترجمة هذا الإدراك إلى المشاركة الاجتماعية».
التوثيق الإعلامي
يتمحور مضمون هذا الكتاب حول الأحداث المتداخلة بشكلٍ مثير، والمتوازية مع بعضها البعض؛ التصوير والتعرض لإطلاق النار، التصوير والقتل، تصوير يودي بالحياة، والقتل لأجل التصوير. إن عبارة «التصوير والتعرض للقتل» تشير إلى التقاط صور ووقائع الحياة من خلال الكاميرات، في الوقت الذي يموت أحياء أمام عدستها تخليداً للذكريات ولتتبلور كشهادةٍ حية وتصبح وثيقة تاريخية في المستقبل. وفي الوقت نفسه، انبهار بالعنف في مسعى للوصول إلى الصورة المرئية المثالية لشرعنتها على أرض الواقع. استخدمت الكاتبة كلمة (shooting) بالإنجليزية ضمن العنوان «قتل ثورة» أو «تصوير ثورة»، متلاعبة باللفظ، إذ تستخدم هذه الكلمة في القتل كما تستخدم في التصوير.
تقول: «بعيداً عن التشتت والوقوع في شرك الالتباس والانبهار بالمظاهر من خلال الثورة ذات المعالم السوداء أو من خلال سينما القاتل. الاقتصادي الألماني الراحل أرنست يونغر لاحظ في أعقاب الحرب العالمية الأولى أن إنتاج المرئيات في سياق الحرب يتعلق بالعمل أكثر من مجرد سرد لتمثيل جمالي. يتجلى ذلك أكثر من أي وقت مضى في سوريا بعد عام 2011، حيث عملت الديناميات المتوازية كالتصوير والتعرض لإطلاق النار، التصوير والقتل، وصناعة الصور للحفاظ على الحياة وتدمير الحياة من أجل الصور، على غزو المجال المعتاد وتحولت إلى أشكال بسيطة من العمالة الرقمية على صعيد تكنولوجيا الاتصالات الشبكية. والأخيرة أضافت شريحة غير مسبوقة من التعقيدات على إنتاج المرئيات والعنف في سوريا كنوع من العمالة غير المادية المأجورة، وغير المأجورة، والمدفوعة بأجرٍ زهيد، والتطوعية، والتي شاركت في إنتاج وتجميع وتوزيع المادة التي اندمجت مع عدد كبير من المواضيع المادية كالمعارضة المسلحة والمعارضة السلمية، المؤيدين والمعارضين للنظام، والعديد من الجهات المحلية والإقليمية والدولية التي شاركت في القتال الدائر على أرض الواقع».
وتضيف: «إن ديناميكيات القوى المحركة للعنف والصورة هذه قد تشابكت واشتركت معاً بشكلٍ مثير لم يسبق له مثيل في التاريخ، وتآلفت في العمل بطريقةٍ روتينية على شبكات التواصل. كذلك ظهور أشكال من السلوك العسكري وأشكال من العرض والتمثيل المرئي الإعلامي برزت بنفس القدر إلى حدٍ لا مثيل له من التبادل والتماثل لأجل الترويج العالمي والاستهلاك الإعلامي. مقارنة لم يسبق لها مثيل وبشكلٍ مذهل لوسائل الإعلام المتعددة وصُنّاعها في بيئة التواصل مع الانفجارات والاضطرابات الناتجة عنها من المواضيع والمدلولات على أرض الواقع».
الصورة البصرية
يؤكد هذا الكتاب أنه لم يعد بالإمكان تناول مسألة صناعة الصور (فعل التصوير)، أو مسألة العنف (فعل إطلاق النار)، وبصورة أعم في الحرب المعاصرة، من دون الأخذ بعين الاعتبار البنية التحتية البشرية والتكنولوجية لبيئة شبكات التواصل، إذا ما نظرنا إلى النزاع الدائر وقد بلغ حد الإنتاج وإعادة الإنتاج كعمل متجدد. لقد أصبحت سوريا ساحة لحرب التواصل الاجتماعي الأكثر تعقيداً والأولى من نوعها، والتي من خلالها قامت المؤسسات التكنولوجية بدعم أساليب وتقنيات التحميل والمشاركة والتعديل أو الدمج إلى جانب الشبكة البشرية والأفراد المنخرطين في هذه الأساليب، وتورطت بدرجة كبيرة في إنتاج وإعادة إنتاج العنف في سوريا.
إن تشابك الأنظمة البصرية للتمثيل وطرق الإنتاج الإعلامي، مع الحرب وطرق التدمير ازدهر واستفاد من البعد التشاركي لتقنيات الاتصالات الشبكية. لقد منحت شبكات التواصل أقصى قدر من الوضوح والقدرة على المشاركة ما أوصل الحال إلى ممارسة أقصى درجات العنف، وأخيراً دمج دمار الأماكن بالتجديد غير المحدود لها عبر الإنترنت، لينتج مزيداً من الحياة التي تتجدد في كل مرةٍ بالشكل الذي يتم فيه التلاعب بالمحتوى.
«يلمح النزاع السوري إلى شكل من الحرب والرؤية التي تتسم باللانهاية، والتي أيضاً سمة جوهرية للبيئة الشبكية. تمتد الحرب في سوريا في مجالٍ زمني متعدد الطبقات يبدو بلا نهاية حيث ينفجر البعد المكاني ويتوسع بطريقةٍ تحاكي تماماً العمليات الشبكية التي تفتقر إلى تنظيمٍ مركزي أو تسلسل هرمي أو إحساس بالترتيب.
سوريا لم تعد موجودة ككيان جغرافي متماسك، فحتى وقتنا هذا نجد أن النظام يسيطر على مناطق معينة بينما بعض الفصائل، بالإضافة إلى قوات الحماية الشعبية الكردية تحكم أجزاء على طول البلاد. في الوقت نفسه تستمر وتمتد السيطرة على الفضاء السوري للحد من توسع خلافة داعش المزعومة والمفترضة عالمياً، والتي تحاول بين الحين والآخر إيجاد كيان ملموس لها على الأرض كما حدث سابقاً في الرقة».
تعلق الكاتبة هنا: «وبغض النظر عن استئصال داعش جسدياً؛ كما تهدف إليه قوات التحالف الدولي التي تقاتل ضد الإرهاب، فإن»الدولة الإسلامية«المزعومة باقية وعلى ما يرام في بيئة شبكة التواصل.
ويبدو أن داعش قد استوعبت تقنيات التواصل الشبكية تماماً طالما نجحت في إنشاء أشكال من الشبكات القوية والفنية الجميلة، وابتكار أساليب جديدة من العنف في الوقت نفسه، وطرق غريبة في شرعنة العنف على الأرض من أجل القدرة على إعادة الإنتاج الإعلامي، والمشاركة بين الأقران، وإعادة توزيع الفيروسات على الشبكات».
نبذة عن الكاتبة
* دوناتيلا ديلا راتا كاتبة دنماركية وبروفيسورة متخصصة في الإعلام والثقافة البصرية في سوريا. وهي محرّرة في مجلة «ميديا ميديا موغل». قامت بتنظيم معارض دولية حول الفن والسينما في سوريا، وذلك خلال دراستها الدكتوراه في جامعة كوبنهاجن، وفي المعهد الدانماركي في دمشق. تتناول في أعمالها الاقتصاد السياسي للإعلام العربي مع التركيز بشكل خاص على القنوات الإخبارية العربية، ونشر العديد من المواد عن الشبكات الفضائية العربية. وهي الآن تحول تركيزها البحثي على المواطنة النشطة والمقاومة الإبداعية في الانتفاضات العربية.. وكانت تنشر في موقع متخصص لها مقالات عن وسائل الإعلام العربية.
===========================
ستيفن كوهين :الحرب الأمريكية مع روسيا
تاريخ النشر: 09/03/2019
تأليف: ستيفن كوهين
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم
أمريكا في حرب باردة جديدة مع روسيا أكثر خطورة من تلك التي نجا منها العالم في القرن العشرين. لقد رحل الاتحاد السوفييتي؛ إلا أن القوتين العظميين النوويتين تخوضان مرة أخرى مواجهات سياسية وعسكرية، من أوكرانيا إلى سوريا وغيرها من الملفات العالقة، ويتفاقم كل هذا؛ من خلال التشويه والتضليل الإعلامي غير المسبوق. إلا أن مؤلف هذا الكتاب يجد أن «التضليل الأمريكي»، وليس الروسي فقط، يشكّل خطراً متزايداً.
يقدم المؤرخ ستيفن كوهين رواية مختلفة تمام الاختلاف عن هذه الحرب الباردة الأكثر خطورة، التي تعود أصولها إلى التسعينات، وهو الدور الفعلي لفلاديمير بوتين، والأزمة الأوكرانية لعام 2014 إلى انتخاب دونالد ترامب، والادعاءات الحالية بشأن «روسيا جيت».
إن آراء كوهين جعلته «خبير روسيا الأكثر إثارة للجدل في أمريكا» بحسب المراقبين. كما يجد بعضهم أن تعليقاته محل شجب، والبعض الآخر يُشيد به؛ باعتباره منتقداً جريئاً، وواعياً للغاية للسياسات الأمريكية، والأخطار التي ساعدت على خلقها. في عمله هذا يترك كوهين للقرّاء الفرصة ليقرروا بأنفسهم من هو على صواب؛ من خلال توقفه عند أسئلة مثل: هل نعيش، في وقت لم يسبق له مثيل من مخاطر في الداخل والخارج الأمريكي؟ هل نحن في حرب باردة جديدة مع روسيا؟ كيف تؤثر الحرب الباردة الجديدة في سلامة وأمن الولايات المتحدة؟ هل يريد فلاديمير بوتين حقاً زعزعة استقرار الغرب؟
من الثناء إلى التشويه
يقدّم المؤلف في مقدمته بعنوان: «بوتين الشبح» نماذج عن تصوير بوتين وروسيا في الإعلام الأمريكي، والخطاب الأمريكي العام، ويستشهد في مقدمته بمقولة للسيناتور جون ماكين: «بوتين رجل شرير، وهو عازم على ارتكاب الأفعال الشريرة»، وأيضاً ما قالته المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 هيلاري كلينتون: «بوتين كان عميلاً لجهاز الاستخبارات السوفييتية ( كيه جي بي)، الذي بطبيعته، لا يملك روحاً». وأضافت كلينتون: «إذا كان هذا يبدو مألوفاً، فهذا هو ما فعله هتلر في الماضي، أثناء ثلاثينات القرن العشرين».
يضيف الكاتب: «لقد استحوذ «شبح الشر» فلاديمير بوتين على الولايات المتحدة، وزعزع تفكيرها حول روسيا لمدة لا تقل عن عقد من الزمن؛ لذا كان من الضروري تناول هذا الموضوع. وهنري كيسنجر يستحق الثناء لتحذيره والذي ربما لوحده من بين الشخصيات السياسية الأمريكية البارزة من مغبة هذا التشويه السيئ لصورة الزعيم الروسي منذ عام 2000 بالقول: إن القيام بتشويه صورة فلاديمير بوتين لا يمت إلى السياسة بصلة. إنه مبرر لعدم امتلاك أي سياسة». مضيفاً: إلا أن كيسنجر أيضاً كان مخطئاً، فقد اتخذت واشنطن العديد من السياسات، التي تأثرت بشدة بتشويه صورة بوتين، وهو تشهير شخصي تجاوز بكثير ما تم تطبيقه على زعماء روسيا السوفييتية الشيوعيين المعاصرين.
يرى كوهين أن هذه السياسات انتشرت جرّاء تزايد الشكاوى في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ لتصل إلى نطاق حروب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا في جورجيا وأوكرانيا وسوريا، وحتى في داخل أمريكا لاحقاً، خلال ادعاءات بشأن «روسيا جيت». في الواقع، اعتمد صانعو السياسة على صياغة سابقة للسيناتور الراحل جون ماكين؛ باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حرب باردة جديدة وأكثر خطورة: «بوتين رجلٌ إمبريالي روسي متمسك بالمبادئ البالية، بيروقراطي وعميل في ال(كيه جي بي)... عالمه مكان وحشي ومدعو للسخرية... يجب أن نمنع شر عالم بوتين من إصابة المزيد من الإنسانية».
ويعلق: «لقد لعبت وسائل الإعلام الرئيسية دوراً كبيراً في هذا التشويه. وبعيداً عن هذه الحالة غير المألوفة، فقد كتب محرر الصفحة الافتتاحية لصحيفة «واشنطن بوست»: إن الحكم بالخوف هي حالة سوفييتية؛ لكن في هذا الوقت لا توجد أيديولوجية؛ فقط يوجد خليط ضار من التضخيم الشخصي، ورهاب الأجانب، ورهاب المثلية، ومناهضة الأمركة البدائية. منشورات وكتاب محترمون الآن بشكل روتيني ينتقصون من قيمتهم؛ من خلال التنافس لتشويه سمعته، وهناك المئات من هذه الأمثلة، إن لم يكن أكثر، على مدى سنوات عديدة. لقد أصبح تحقير الزعيم الروسي عملاً مألوفاً في خطاب الولايات المتحدة المتشدد للحرب الباردة الجديدة.
كما هي الحال بالنسبة لجميع المؤسسات، فإن التشهير ببوتين له تاريخه الخاص. عندما ظهر لأول مرة على الساحة العالمية خلفاً لبوريس يلتسين في 1999-2000، كان بوتين موضع ترحيب من قبل ممثلين بارزين في المؤسسة الإعلامية السياسية الأمريكية. وفي هذا السياق، أفاد كبير مراسلي صحيفة «نيويورك تايمز» في موسكو وغيره بأن الزعيم الجديد لروسيا لديه «التزام عاطفي يدفعه لبناء ديمقراطية قوية». بعد عامين، أشاد الرئيس جورج دبليو بوش بقمته مع بوتين، واصفاً إياها ك«بداية لعلاقة بناءة جداً».
لكن هذه الرواية الملائمة لبوتين سرعان ما أفضت إلى توجيه ضربات لبوتين بشدة. في عام 2004، أوضح نيكولاس كريستوف، كاتب عمود في صحيفة «التايمز»، السبب في ذلك جزئياً على الأقل. فقد اشتكى كريستوف بمرارة من «الانخداع ببوتين، فهو ليس بالنسخة الجادة لبوريس يلتسين». وبحلول عام 2006، أعرب محرر صحيفة «وول ستريت جورنال»، عن رأي المؤسسة المعدّل، أنه «حان الوقت لأن نبدأ التفكير في روسيا فلاديمير بوتين كعدو للولايات المتحدة».
الإيجابيات والسلبيات
من كان بوتين حقاً خلال سنواته العديدة في السلطة؟ قد نضطر إلى ترك هذا السؤال الكبير والمعقد إلى المؤرخين في المستقبل؛ عندما تتوفر مواد للدراسة الذاتية الكاملة - مذكرات ووثائق الأرشيف وغير ذلك- ومع ذلك، قد يدهش القرّاء عند معرفة أن مؤرخي روسيا أنفسهم، إضافة إلى مفكري السياسة، والصحفيين يجادلون علناً ويختلفون بشكل كبير فيما يتعلق ب«الإيجابيات والسلبيات» لقيادة بوتين.
لكن في أمريكا وفي أماكن أخرى في الغرب، فإن «السلبيات» المزعومة فقط هي التي تعد من التشهير الزائد ببوتين. والكثير من السلبيات غير ملموسة وتفتقر إلى الدراية إلى حد كبير، وتستند إلى مصادر انتقائية للغاية أو غير مؤكدة، وتحركها المظالم السياسية، بما في ذلك شكاوى تظلم ضد العديد من أعضاء حكومة القلة في عهد يلتسين وعملائهم في الغرب. اعتمد بوتين عدداً من سياسات «مكافحة الفساد» على مر السنين. ما مدى نجاح هذه السياسات، وما مقدار القوة التي كان ليملكها؛ ليكبح تماماً جماح الأوليغارشية في كل من عهد يلتسين وعهده، وما مدى صدقه؟
من خلال التحديد والفحص، الموجز ل«السلبيات» الأساسية التي يستند إليها تشويه صورة بوتين، يمكننا أن نفهم على الأقل التالي:
بوتين ليس الرجل الذي، بعد وصوله إلى السلطة عام 2000، «قوّض الأسس الديمقراطية» للديمقراطية الروسية، التي أسسها الرئيس بوريس يلتسين في تسعينات القرن العشرين، وهو ليس الرجل الذي استعاد نظاماً يشبه «الشمولية» السوفييتية. فكلنا نعلم بأن التحول الديمقراطي بدأ وتطور في روسيا السوفييتية برعاية الزعيم السوفييتي السابق، ميخائيل جورباتشوف، خلال الأعوام (1987 1991) عالج يلتسين مراراً وتكراراً تلك التجربة الروسية التاريخية؛ عبر ضربات جسيمة، وربما مدمرة؛ مثل: استخدام الدبابات، في أكتوبر/‏تشرين الأول 1993؛ لتدمير برلمان روسيا المُنتخب بحرية ومعه النظام الدستوري بأكمله، والذي جعل يلتسين رئيساً، وشن يلتسين حربين دمويتين ضد مقاطعة الشيشان الانفصالية الصغيرة، وتمكين مجموعة صغيرة من الأوليغارشيين المرتبطين بالكرملين من نهب أغنى ممتلكات روسيا، والعمل على إغراق نحو ثلثي شعبها في براثن الفاقة والعوز، بما في ذلك الطبقة المتوسطة السوفييتية الكبيرة ذات الطابع المهني، وأيضاً تزوير إعادة انتخابه، وسن الدستور «الرئاسي المميز»، على حساب السلطة التشريعية والقضائية ولكن لمصلحة خليفته. ربما كان بوتين قد عزز هذا التدهور الديمقراطي في تسعينات القرن العشرين؛ لكنه لم يشرع في ذلك.
كما أن بوتين لم يجعل نفسه قيصراً أو «أوتوقراطياً» سوفييتياً، يحكم وفق إرادته الشخصية. كان آخر زعيم في الكرملين بهذا النوع من القوة هو ستالين، الذي توفي في عام 1953، ومعه الإرهاب الشامل الذي استمر 20 عاماً؛ نظراً لتزايد الروتين البيروقراطي للنظام السياسي الإداري، كان لكل قائد سوفييتي متعاقب قوة شخصية أقل من سلفه. قد يكون لبوتين أكثر من ذلك؛ لكن لو كان فعلاً مستبداً «لا يرحم وبدمٍ بارد» أو «أسوأ ديكتاتور في العالم»، لما خرج عشرات الآلاف من المحتجين مراراً إلى شوارع موسكو، وأحياناً بموافقة رسمية من الدولة، ليتم عرض احتجاجاتهم (والاعتقالات الانتقائية) على التلفزيون الحكومي.
كما لم يخلق بوتين «النظام الاقتصادي القائم على النهب» لروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، مع حكم الأقلية والفساد المستشري. وقد ظهر هذا أيضاً خلال حكم يلتسين أثناء وضع الكرملين لخطط «الخصخصة» العلاجية في تسعينات القرن العشرين، عند ظهور «النصابين واللصوص» على الساحة فعلاً، والذين أُدينوا من المعارضة الحالية.
ملفات عالقة
تظل أوكرانيا البؤرة السياسية للحرب الباردة الجديدة؛ لكن سوريا هي المكان الذي قد تصبح فيه الآن حرباً ساخنة حسب الكاتب. ويشير إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا يُعطي الأمل على عدة مستويات: من الشعب السوري المعذب إلى أولئك الذين يريدون التحالف الأمريكي- الروسي ضد «داعش» وأمثاله من الإرهابيين مع إمكانية تقليص الحرب الباردة الجديدة.
ويتحدث عن مجريات الصراع على الأرض السورية خلال السنوات الأخيرة، في ظل رئاسة أوباما قائلاً: «كانت فرص نجاح وقف إطلاق النار ضئيلة، والسبب في ذلك يعود جزئياً إلى عدد المقاتلين، وعدم وجود آلية مراقبة؛ ولكن بشكل أساسي بسبب القوى المؤثرة المعارضة لوقف إطلاق النار في كل من واشنطن وموسكو. كانت المعارضة الأمريكية واضحة بالفعل من تصريحات كبار السياسيين، من استياء وزير الدفاع آشتون كارتر (2015-2017) الواضح، من مفاوضات كيري مع موسكو، ومن تقارير معارضة وقف إطلاق النار والافتتاحيات في مؤسسات الإعلام. في غضون ذلك، أشار إعلان بوتين الشخصي غير العادي لمدة عشر دقائق لوقف إطلاق النار على التلفزيون الروسي، أن العديد من مستشاريه العسكريين الأمنيين يعارضون الاتفاقية، لأسباب مفهومة. فهم يريدون أن تواصل موسكو نجاحها المحقق في سوريا منذ تدخلها العسكري في سبتمبر/‏أيلول 2015؛ حيث إن هذه السياسة الدبلوماسية التي ينتهجها بوتين الآن في وقف إطلاق النار تجعله عرضة لالتزام أوباما، والذي سبق له أن انتهك الاتفاقات مع الكرملين، ومؤخراً فيما يتعلق بليبيا من عدم الالتزام بتعهده في مواصلة تغيير النظام».
في الختام يقول الكاتب: «مرة أخرى، في ضوء ما سبق، ما الذي يمكن فعله؟ على نحو عاطفي ومع بعض السوابق التاريخية، فإننا وكما جرت العادة ننظر بمعتقداتنا الديمقراطية إلى الناس، وإلى الناخبين؛ لإحداث التغيير. إلا أن السياسة الخارجية بقيت لفترة طويلة من الصلاحيات الخاصة بالنخب؛ من أجل تغيير سياسة الحرب الباردة بشكلٍ أساسي لا بد أن يقوم القادة بتبني هذا التغيير، وعندما يحين الوقت قد يخرج أولئك القادة من النخب الراسخة وحتى المحافظين بشدة، مثلما فعل رونالد ريجان، وميخائيل جورباتشوف في منتصف ثمانينات القرن العشرين بشكلٍ غير متوقع؛ لكن بالنظر إلى خطر الحرب المحتملة مع روسيا، هل حان الوقت؟ هل من قائدٍ بارز يظهر على المشهد السياسي الأمريكي سيقول لنخبته وحزبه كما فعل جورباتشوف؟ إن لم يكن الآن فمتى؟ إن لم يكن نحن فمن؟ نعرف أيضاً أن مثل هؤلاء القادة رغم أنهم راسخون في النخبة ومعزولون عن أهل النخبة، فإنهم يقرؤون ويسمعون الأصوات الأخرى غير الملتزمة، والتفكير الآخر. وقد كتب الصحفي الأمريكي الشهير ولتر ليبمان ملاحظته حول ذلك قائلاً: «عندما يفكر الجميع على حدٍ سواء فلا أحد يفكر». ويضيف عليها كوهين: «إن هذا الكتاب هو محاولتي المتواضعة لإلهام المزيد من التفكير».
نبذة عن المؤلف
* ستيفن كوهين أستاذ فخري في السياسة بجامعة برينستون. عمل لسنوات عديدة مديراً لبرنامج الدراسات الروسية، وأستاذاً فخرياً للدراسات والتاريخ الروسي في جامعة نيويورك. نشأ في أوينسبورو ( كنتاكي) بالولايات المتحدة، وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في جامعة إنديانا، وشهادة الدكتوراه في جامعة كولومبيا.
لكوهين مؤلفات عديدة منها: «بوخارين والثورة البلشفية: السيرة السياسية»، و«إعادة التفكير في التجربة السوفييتية: السياسة والتاريخ منذ عام 1917»؛ «السوفيتكس: التصورات الأمريكية والواقع السوفييتي»، «أصوات جلاسنوست: مقابلات مع الإصلاحيين في جورباتشوف»؛ «حملة صليبية فاشلة: أمريكا ومأساة روسيا ما بعد الشيوعية»، «المصير السوفييتي والبدائل الضائعة: من الستالينية إلى الحرب الباردة الجديدة»؛ و«عودة الضحايا: الناجون من الغولاغ بعد ستالين».
حصل كوهين على العديد من الألقاب في أعماله، بما في ذلك زمالتان في غوغنهايم وترشيح لجائزة وطنية للكتاب. على مر السنين، كان أيضاً مساهماً دائماً في الصحف والمجلات والتلفزيون والإذاعة. لسنوات عديدة، كان كوهين مستشاراً ومعلقاً على الهواء في الشؤون الروسية في أخبار«سي بي إس»، كما كان أيضاً مستشاراً لثلاثة أفلام وثائقية لبرنامج تلفزيوني حول روسيا. زار كوهين وعاش في روسيا السوفييتية وما بعد الاتحاد السوفييتي بانتظام لأكثر من أربعين سنة.
===========================
بول تشاتيرتون :المدن المستدامة.. بيان للتغير الحقيقي
تاريخ النشر: 16/03/2019
تأليف: بول تشاتيرتون
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم
تشهد المناطق الحضرية في العالم مشكلات حقيقيّة بسبب جشع الشركات، وفقدان المساحات العامة، وأزمة عدم المساواة. ويسلط هذا الكتاب الضوء على كيفية دخول المدن في ممارسات غير مستدامة ومضرة، وإمكانية فتح طرق جديدة فعلية للتغيير الحقيقي نحو مستقبل أفضل. يستكشف بول تشاتيرتون تجارب المدن التي تسخّر القوة الإبداعية الجماعية، من خلال التركيز على خمسة محاور: التعاطف والخيال والتجريب والإنتاج المشترك والتحول؛ وأربعة أنظمة مدنية هي: التنقل والطاقة والمجتمع والطبيعة.
من المعروف أن أغلبية البشر على كوكبنا تعيش في المدن، وأنه خلال السنوات القليلة القادمة سوف يمثل المجتمع الحضري نحو ثلاثة أرباع إجمالي استخدام الطاقة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويرى الكاتب أن «وراء هذه العناوين، جدول أعمال واضح ومقلق؛ وهو دعوة إلى العمل لبقاء نوعنا والحفاظ على الأنظمة البيئية التي نعتمد عليها».
ويضيف: «بالنسبة لأي شخص يتدخل في كيفية تكشف المدن في المستقبل، نجد أن هناك مجموعة كاملة من المشكلات المعقدة والمستعصية التي تتطلب اهتماماً عاجلاً مثل: مواجهة آثار تغير المناخ، والتكيف معه؛ التنوع الحيوي وحماية النظم الإيكولوجية؛ خفض الاعتماد على استخدامات الوقود الأحفوري؛ تأمين مستويات لائقة من الرخاء والرفاهية؛ معالجة حالات ظهور البطالة والفقر، وبناء المؤسسات التي تعمل على تعزيز وتمكين وضمان المساواة من حيث النتائج والإجراءات؛ معرفة كيفية تحفيز التغييرات في الممارسات الاجتماعية؛ حماية الأطفال والبالغين المستضعفين وإعادة توجيه العمل والتعليم نحو تحديات المستقبل؛ وتطوير التحولات المالية والمؤسسية والثقافية اللازمة لدعم ذلك كله».
«والمحير في هذه المسألة، أنه لا يوجد رأي متفق عليه بشأن المهمة المقبلة. ويتم تأطير التدخلات في تحديات المستقبل من خلال الطريقة التي نراها، والموجودة في العالم. فعلى سبيل المثال، تختلف وجهة نظر التحول الحضري وأولويات العمل من بنجلادش بشكل جذري عن تلك الموجودة في برادفورد، أو بوسطن. وبالنسبة إلى البعض، قد تعني تحديات الاستدامة الحضرية تجنب الموت على يد جيش الاحتلال، أو البحث عن الطعام والموارد الأساسية. بالنسبة للآخرين، قد يعني ذلك تحسين سلامة الطرق أو الحد من تلوث الهواء، أو استخدام البيانات لجعل المواصلات العامة أكثر كفاءة».
ويبرز الكتاب حقيقة أن إحدى المشاكل الرئيسية هي الطريقة التي نتناول بها الفكرة الحقيقية للاستدامة. «لقد أصبح مفهوم التنمية المستدامة مبتذلاً، بحيث بات بلا معنى. ويتعلق الأمر إلى حد كبير باستدامة الوضع الراهن من خلال سلة من الإصلاحات، وإيمان ساذج بقوة الترتيبات الاجتماعية - التقنية الجديدة. ولا يمكن تحقيق الاستدامة الحقيقية إلا من خلال تقصّ وبحث عميق وشاق، وإعادة توجيه المشروع العمراني السائد للأنواع البشرية خلال الرأسمالية المتأخرة في عصر الأنثروبوسين». (حقبة زيادة تدخل وتعاظم دور الإنسان في طبيعة الأرض مع زيادة المصانع وزيادة نسب الانبعاثات الصادرة منها).
نماذج عالمية
يشير الباحث والكاتب والناشط البروفيسور بول تشاتيرتون في مقدمته إلى العديد من المدن التي يمكن أن تقدم نماذج مستدامة، وتحقيق تغيير فعلي على أرض الواقع، يقول «في ديترويت وفيلادلفيا ونيو أورلينز، أنشأت مجموعات من الناس مجالس حضرية، وهي شبكة من الصالات للمقيمين الذين يسعون إلى التبادل الحضري. وفي ليفربول نشأت ورشة «جرانبي» من إعادة بناء الأحياء التي يقودها المجتمع المحلي وتصنع المنتجات التجريبية المصنوعة يدوياً. وفي إنديانابوليس، يأخذ الناس من أجل التقدم الحضري سلعاً غير مرغوبة، ويعيدون تدويرها لتحويلها إلى مواد تسهم في الخير العام. وفي بيركلي، تعد «هكر موم» أول فضاء للقرصنة مخصص للنساء، وهو فضاء مشترك للعمل على تقاسم الأدوات مع الصديقات المقربات، إلى جانب تبادل المعلومات ومناقشة قضايا المجتمع. وفي ليدز، يقوم «بلاي فول أني وير» باحتضان وتطوير وتصميم مشاريع تشاركية تضع الناس والتسلية في قلب المشاركة العامة والمكان. وفي مكسيكو سيتي، قام مجلس المجتمع المحلي لميرافال بتحويل شكل الساحات العامة المهجورة في الشركات المهمشة من خلال إنشاء مكتبات وغرف غداء ذات ميزانية منخفضة ومراكز صحية وترفيهية ومرافق إعادة تدوير».
ويضيف: «في دالاس، تقوم مؤسسة بتر بلوك بتطوير حلول مفتوحة المصدر لمساعدة المدن والجماعات المحلية والقادة الناشئين على إنشاء نماذج أولية سريعة في خدمة إيجاد الأماكن الإبداعية، ودعم الحياة العامة. وفي روتردام، يطور «بورفليرت» ملتقيات مؤقتة وخلاقة في المواقع المنسية ضمن المدينة، حيث يجمع الناس معاً للعمل الاجتماعي. وفي بيونس آيرس، خلق مجتمع «الكارتونيروس» (أو جامعو القمامة غير الرسميين) فرص عمل تعاونية مستقرة لأكثر المدن تهميشاً. وفي أوريجون، يشجع مشروع «مدينتك» على المشي لمعالجة الاعتماد على السيارات، وقد غطى نشطاء المجتمع المحلي المدينة بإشارات تروج لمسارات المشي وركوب الدراجات. وطورت «شبكة فانكوفر للفراغ العام» مشاريع لمعالجة الخصخصة المتزايدة في مجال الفراغ وتشجيع بدائل لها، مثل الحدائق المجتمعية والمجتمعات التي يمكن التنزه فيها، وأنشطة اللوحات الإعلانية».
«يمكن أن تستمر هذه القائمة من الأمثلة الملهمة. يحدث شيء كبير من دون أن يلاحظه أحد عبر المدن في جميع أنحاء العالم؛ فهناك عدد لا يحصى من المشاريع التي ينشئها الناس تعكس جميع مناحي وقطاعات الحياة، ولكن يواجهون خلالها العقبات. وبالرغم من الثقل الكبير لسلطة الشركات، وفقدان الحيز العام، والتسلسل الهرمي البيروقراطي، والتباينات المتأصلة، وحتى وجود الحرب والعنف، سيقوم الناس بإنشاء مشاريع تضع مؤشرات لعقود مستقبلية مختلفة جداً في المناطق الحضرية. فهم يطلقون العنان للطاقات الضخمة غير المستغلة للمدن المستدامة. قد تكون هذه الطاقات جزئية، وصغيرة الحجم وسريعة الزوال. وقد لا تحل الجهود المبذولة مشكلة الفقر أو عدم المساواة في المناطق الحضرية، أو تغير المناخ، إلا أنها تمثل كمية من الابتكار المدني، ويسعى القائمون عليها إلى تسخير الإمكانات أينما وجدوها. وهم يمتلكون فهماً سليماً وجذرياً، ونقداً لأساليب الأعمال المعتادة في التخطيط الحضري التي تدفع المدن إلى حدودها الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. وهم متشككون في قدرة الإصلاحات التكنولوجية والحلول الرقمية الذكية بمفردها على إنقاذ المناطق الحضرية».
مدن بدون سيارات
يركز الكاتب في مناقشته على أربعة محاور تدور حول: المدن الخالية من السيارات، ومدن ما بعد الكربون، والمدن المدينة الحيوية، والمدينة المشتركة.
وفي الفصل الخاص بالمدن الخالية من السيارات، يستكشف الكثير من الأمثلة التي تشير إلى إطلاق نهج مختلف تماماً بخصوص التنقل، ويقول: «تزامناً مع وقف العمل بوسائط النقل التي تستخدم الوقود الأحفوري، نحتاج إلى فتح مدينة خالية من السيارات على نطاق واسع تحتوي على: ممرات للدراجات، طرق المشاة، وسائل النقل الجماعي السريع، وسهلة التوفر، وتصميم حضري للسيارات خفيفة الوزن وحياة الشوارع المتجددة. وعلاوة على ذلك، فإن الحاجة الحقيقية إلى مثل هذه الحركة الكثيفة تتطلب التقسيم والتخصيص.
وبمعزلٍ عن المركبات المزودة بالمحركات، فإن مجمل الفضاء الحضري الثمين بحاجة إلى إعادة التخصيص؛ لذلك لا يمكن فتح عقود النقل الآجلة البديلة إلا بالتزامن مع التحول في التخطيط، وتقسيم المناطق بحيث يؤدي ذلك إلى تضاؤل الحاجة إلى مجتمعٍ ضخم ومهدر؛ من الأحياء السكنية إلى مناطق العمل المركزية. وتحتاج المناطق الرئيسية إلى تقسيم، والعمل بدوره يحتاج إلى توزيع على نطاقٍ واسع، ثم المواد الغذائية، والترفيه، والبيع بالتجزئة بحاجة إلى إعادة البيع للسلع المستعملة وفصلها عن استخدام السيارات. وقد يبدو البدء بالسيارة محدوداً لكنه يشير إلى خطوات متعددة لإطلاق التغيير الحقيقي للمدن المستدامة».
ويضيف: «تعمل أنظمة المدن هذه معاً على وضع برنامج لفتح مدينة حيوية مبنية على أسس مشتركة، خالية من السيارات، وما بعد الكربون. ويعتبر هذا البرنامج خطة طموحة لكنها غير مكتملة تستكشف كيفية قيام المبتكرين بفتح المدن، بدءاً من الاعتماد على السيارات والشروع في التحول من المركبات التي تعمل على الوقود الأحفوري وصولاً إلى التمدن الخالي من الكربون، واستعادة الطبيعة الحضرية من خلال الابتعاد عن التصنيع المدمر للأنظمة البيئية، وإطلاق العنان للاقتصادات التي تلبي الحاجات المحلية للناس وتساهم في المشاركة الديمقراطية المتجددة».
مدن ما بعد الكربون
كما يتناول في الفصل الثاني، مدن ما بعد الكربون، ما بعد العصر الجيو سياسي للنفط والغاز والفحم، ويستكشف هذه الكتلة الجديدة من الطاقة الحضرية وكيفية البدء بالعمل في هذا الطريق الوعر؛ في ما يتعلق باتخاذ عمالقة الطاقة في الشركات إجراءات لضمان إزالة الكربنة بشكل جذري، وتحقيق المساواة، ويقول: «هذه ليست مجرد مرحلة انتقالية تخص التقنيات والبنية التحتية، بل هي عملية تتطلب إجراء تغيير واسع النطاق في الممارسات الاجتماعية والثقافية؛ فعملية خلق وتوفير الطاقة بحاجة إلى صياغة مجموعة مختلفة من القيم في مجتمعاتنا المملوءة بالطاقة وغير المتكافئة بشكل لا يصدق».
ويضيف على ما سبق: «ولذا فإن خفض وتقليص الطلب على الطاقة وإعادة توزيعها، وكذلك إعادة تنظيم هذه الطاقة تبقى من المواضيع الماثلة بقوة في جدول الأعمال في الوقت الذي تمهد فيه المدن الطريق أمام توفير الطاقة الخضراء لمواطنيها بأسعار معقولة».
المدن الحيوية والمشتركة
في الفصل الثالث الذي يتحدّث فيه عن المدينة الحيوية، يستكشف الكاتب إطلاق التوجهات الجديدة من خلال نهج جذري ناشئ للتعامل مع الطبيعة الحضرية، بما في ذلك استعادة الحياة البرية الحضرية، الزراعة المستدامة، حب الكائنات الحية، المحاكاة البيولوجية أو محاكاة الطبيعة، الزراعة الحضرية، المناظر الطبيعية الحضرية المنتجة باستمرار.
ويستكشف في الفصل الرابع فكرة المدينة المشتركة من خلال الابتكارات في مجال إيجاد الأماكن المجتمعية والاقتصادات والديمقراطية، معلقاً: «إن الأماكن المادية والأرض الفعلية والمناطق التي نعيش فيها ونشغلها تعطينا إحساساً بالمكان، وهي تحافظ علينا وتوفر لنا الرفاه والمأوى؛ ومع ذلك، فإن مسألة إيجاد المكان بقيت خاضعة لنظم التخطيط المجردة النافرة، والمشوهة بالسلوك البيروقراطي، وجشع الشركات وملكية الأراضي المركزة».
ويضيف: «علاوة على ذلك، فإن الاقتصادات الحضرية أصبحت، وبشكل متزايد، رهينة ل: كسب المال السريع، الاستثمار الداخلي المتقلب، هيمنة العلامات التجارية الكبرى، نظام عقود العمل الصفرية، تدني الأجور، وضعف المهارات وفرص التعليم. ومعظمها ليست موجهة نحو التحديات المقبلة، وبدلاً من ذلك تعمل وبشكل رئيسي على تغذية الاقتصادات والشركات غير المحلية عن طريق استغلال فائض القيمة من أماكنها الخاصة، وتجريد هذه الأماكن والاقتصادات من مواردها الأساسية خدمةً لاقتصادات أخرى. ولإبراز هذه النقيصة، نجد نماذج عدة من الحكومات والديمقراطيات الحضرية تتسم بعدم المساواة والتسلسل الهرمي في سلوكها بشكل كبير».
ويقول الكاتب في نهاية عمله: «على المستوى العملي، بالنسبة إلى المدن، هذه دعوة جادة لاتخاذ إجراءات جذرية، لفرض تغيير أساسي في السياسة الحضرية والمؤسسات والعمل. مدننا على مفترق طرق. وذلك يعني تحدياً للأجيال القادمة والفرص المتاحة أمامهم. لذا نحن بحاجة إلى أفكار وسياسات وإجراءات من شأنها إرساء قواعد مستقبل حضري مختلف عما هو عليه بصورة جذرية، أي تلك المبنية على المساواة والازدهار والاستدامة، وأيضاً تتصدى لحلول التحديات المعقدة المترابطة بشكل واقعي. مضيفاً: «لو تم إطلاق أي من هذه الإمكانات فعلينا أن نفكر بشكل كبير، ونعمل بهدوء، وننطلق فوراً. علينا ترتيب الأمور لمواجهة التحديات التي تعترضنا لتحقيق وتكرار هذا الإطلاق العظيم للاستدامة الحضرية الحقيقية».
===========================
جيفري كلير وجوشوا فرانك :الحرارة الكبرى
تاريخ النشر: 30/03/2019
تأليف: جيفري كلير وجوشوا فرانك
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
إنّ العالم بالشكل الذي نعرفه يمرّ بتحول مفاجئ وعنيف، على عكس أي شيء شهده الكوكب منذ العصر الطباشيري (فترة انقراض الديناصورات). والأدلة موجودة من حولنا وهي: موجات الجفاف الشديدة على مدى العقود الماضية، والعواصف الفائقة والفيضانات التي تدمر المدن، وتناقص مستويات المياه الجوفية، وتلاشي الأنهار الجليدية، وإمدادات المياه السامة، وحرائق الغابات، والأمراض الجديدة الغامضة. يتغير كوكبنا بشكل أسرع مما يستطيع التطور مواكبته. يناقش هذا الكتاب التفاصيل التي أوصلت الكوكب إلى هذا الوضع الكارثي.
يأخذنا الصحفيان البيئيان جيفري سانت كلير وجوشوا فرانك في رحلة ميدانية واقعية في مناطق خطيرة؛ من مناجم في أبالاشيا إلى الملاذ الأخير للأشجار، من حقول التكسير القذرة إلى أخطر مكان في العالم، موقع هانفورد النووي في شمال غرب المحيط الهادئ. يرى المؤلفان أن القوى التي تقود هذا التحول الجذري ليست طبيعية. فقد أصبحت الأرض على حافة الهاوية من خلال نظام اقتصادي مفترس قائم على الجشع يلتهم أي شيء في طريقه ويرمي به إلى نهاية مريرة.
يرسم الكتاب خطوط المعركة من أجل مستقبل الكوكب، من الشركات الشريرة إلى السياسيين الفاسدين، والبيئيين الذين لا يخافون من الوقوف ضد النهب. الكتاب صادر في يناير 2019 عن دار «أي كي برس» في 260 صفحة من القطع المتوسط باللغة الإنجليزية.
تحولات كارثية
يقول الكاتبان: «عندما تكون درجة الحرارة الصغرى ليلاً (109 فهرنهايت؛ 43 مئوية في عُمان) فذلك يعني ارتفاعاً قياسياً في معظم الأماكن على وجه الأرض، عندئذ تعلمون أن كوكبكم في خطر. إن دلائل احترار المناخ ظاهرة للعيان في كل المناطق التي نشغلها حتى ليخيل إلينا أحياناً من أن الأرض في مرحلة الانهيار، فذوبان الجرف الجليدية، ارتفاع منسوب مياه البحار، فيضان الأنهار، حرائق الغابات اللاهبة، الأعاصير المدمرة، وموجات الجفاف الكارثية. حوادث تبدو لامثيل لها ورغم أننا لا ننفي وجود القليل والبسيط منها منذ فجر التاريخ، إلا أن الاحتباس الحراري الذي تتسبب به يد الإنسان جعل الأمور أسوأ بكثير مما هي عليه. يوجد أمل ضئيل للحد من المد المتصاعد للدمار الذي أحدثه الكربون على كوكبنا الأزرق الصغير. ولا يزال أمامنا الكثير من العمل للتصدي لهذا الخطر المتنامي».
ويضيفان: «لا يهم إذا لم تكن النتائج لصالحنا. كلنا رأينا الأرقام، فقد كان 2016 العام الأكثر حرارة على الإطلاق، و2017 الثالث في الترتيب. في الواقع منذ عام 2001 كانت من بين ال 18 عاماً هذه، سبعة عشر عاماً أكثر حرارة على الإطلاق ولم تظهر من ذي قبل. تتوقع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» أنه بحلول العام 2020 سترتفع درجة حرارة الكرة الأرضية لأكثر من 1 درجة مئوية على مدى ال 140 سنة الماضية. وبالطبع يرتبط هذا بشكل كبير بمستويات تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي، حيث إن هذه المستويات أعلى اليوم بكثير من أي وقت مضى خلال 800000 سنة الماضية، والمعدل في ارتفاع!»
«يعتقد العديد من علماء المناخ، بمن فيهم جيمس هانسن، أن نقطة التحول في ثاني أكسيد الكربون هي 350 جزءاً في المليون. وحتى إبريل 2018، قامت ناسا بقياس نسبة 407 أجزاء في المليون. غاز الميثان أيضاً لا يساعد في حل القضية. كما أن مستويات الميثان في الغلاف الجوي آخذة في الارتفاع بشكل كبير. وعلى الرغم من أن الميثان لا يبقى في مكانه بالقدر الذي يبقى ثاني أكسيد الكربون، إلا أنه أفضل بكثير في امتصاص الحرارة، وهو يعتبر أكثر فاعلية ب 84 مرة من نظيره الكربون».
دعوة إلى ثورة بيئية
«الأرض كما نعرفها، تتغير باستمرار. وليست فقط الدببة القطبية هي التي تعاني. إنما المرجان في جميع أنحاء العالم يختفي. دببة الغريزلي تصبح نادرة. سمك السلمون لا يعود في رحلة الإبحار لوضع البيض. البطاريق القطبية الجنوبية تموت. وأسماك القد بشمال المحيط الأطلسي، التي نجت من الصيد المفرط لعقود من الزمن، تعجز الآن عن التكيف مع نظامها الإيكولوجي المتغير. وتواجه الفهود الثلجية والنمور وسلاحف البحر الخضراء والفيلة الإفريقية وغيرها الكثير خطر الانقراض، لأنها تكافح لكي تتكيف من أجل البقاء في بيئاتها المعدلة».
«يمكن الشعور بالألم. إلا أن ما يثير مشاعر الاستياء والخوف تجاه تغيّر المناخ يجب أن يترجم إلى تحرك من أجل الكفاح للحفاظ على البقية المتبقية. تعتبر انتفاضة قبيلة ستاندينغ روك، وبكل المقاييس، أعظم انتفاضة ضد صناعة الوقود الأحفوري الأمريكية منذ عقود، وينبغي أن تكون بمثابة صرخة تعبئة لتوحيد كلمتنا. لا يهم إذا كانت شركة «بيغ أويل» ترسل زمرتها الحمقاء لتحطيم جماجمنا، أو تضعنا المباحث الفيدرالية خلف القضبان. فقد تم وضع السابقة كأساس للعمل، وعلى الرغم من العقبات، فإن النضال من أجل ستاندنغ روك، وكل ما يرمز إليها، سيستمر».
«لا تزال هناك حاجة لإنقاذ الأشجار، وحماية المحيطات، وكسر السدود، والحفاظ على الدببة من خطر الانقراض وتحدي السفلة الجشعين السابق ذكرهم. وفي الوقت الذي توجد فيه الأنهار الجليدية التي قد تذوب، لا تزال هناك جبال يجب تسلقها، وأنهار تطفو، وشواطئ لتجوبها وحدائق مجتمعية بحاجة إلى رعاية».
«ما حاولنا غرسه خلال هذا الكم من التقارير والمقالات والبيانات والتحقيقات، عبارة عن غذاء للروح والحكايات التحذيرية بما يعنيه لتكون بمثابة دعوة لحماية البيئة في المراحل المتأخرة من الرأسمالية. لا يتعلق الأمر بأن ترهق نفسك بكل هذا الهراء، بل لتتحفز لأجل مكافحة هذه الأخطار - لاتخاذ موقف مثل إخواننا وأخواتنا في ستاندنغ روك».
«قد يتغير العالم بشكل أسرع مما يستطيع البشر إدراكه بشكل صحيح، ما يعني أنه يجب علينا تغيير وجهة نظرنا وتكتيكاتنا للدفاع عنه. وخلاصة القول، حان الوقت لأن تصبح ثورياً».
كوكبنا نحو الهلاك
في ربيع عام 2017، تجاوزت قراءات مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الرقم 410 أجزاء في المليون وذلك حسب مرصد «مونا لوا» في هاواي، وهو رقم قياسي مثير للخوف ولم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. في يوم الأرض العالمي، انطلقت المسيرات المناخية في مختلف مدن العالم. لم ترفع سياسات ترامب مستويات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، لكنها دفعت عشرات الآلاف إلى الشوارع لبضع ساعات. أين كان هؤلاء الناس خلال 8 سنوات من إدارة باراك أوباما، رجل النفط والغاز بنوع من الامتياز؟ أين كانوا خلال 8 سنوات من إدارة بيل كلينتون، أحد أعظم رجال البيئة المراوغين في عصرنا؟ هل بدد دونالد ترامب أوهامنا في نهاية المطاف، كي نرى بوضوح القوى - الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية - التي تدفع كوكبنا نحو الهلاك من جراء الحرارة الناجمة عن الأنشطة البشرية؟ هل هو، في الحقيقة، نوع من العوامل الموضحة للحالة الحقيقية للأشياء؟
«نبه كافكا، الكاهن الأكبر في الواقعية، قراءه إلى أنه «هناك أمل. لكن ليس لنا». الأمل هو وهم، أفيون، أوكسيكونتين للجماهير. بدلاً من الأمل، نحتاج إلى جرعة كبيرة من الواقعية. واقعية بتأثيرها المروع كالواقع بحد ذاته».
قبل 2500 سنة، علّمنا بوذا بأن العالم يعاني، وهذه حقيقة. كما نصحنا بأن علاج المعاناة هو التعاطف، خاصة مع الكائنات الحية - والتي من ضمنها أشجار السكويا ومرجان البحر وصبار الساغوارو - التي لا تملك دفاعات ضد قوى العولمة التي ألحقت بها هذا الوباء. وهنا بيت القصيد، يجب على المدافعين عن الأرض «التخلي» عن الأمل قبل الدخول في المعترك. الأمل هو «عامل مشل» للحركة. الأمل هو «العدو». الترياق الشافي هو العمل. ومع ذلك، فإن العمل لا يسير في موكب بضع مرات في السنة لإبراز دمى، وقبعات وعلامات مطبوعة من قبل نادي سييرا البيئي.
«لا يكون العمل بالتقاط صور مع أحد المشاهير في المقعد الخلفي بسيارة الشرطة بعد اعتقالهم لشخص مبدع. ولا يتمثّل في كتابة اسمك على عريضة إلكترونية بنظام ال «موف أون»، أو التصويت لمرشح يشبه جيل شتاين في ولايات آمنة مثل أوريغون أو كاليفورنيا».
«العمل هو الوقوف جنباً إلى جنب أمام خراطيم المياه وقناصة الحكومة في السهول المجمدة في ولاية نورث داكوتا. العمل معلق من قصبة هشة بطول 150 قدماً لشجرة تنوب دوغلاس في أحد بساتين الغابات القديمة المقرر مسحها، من خلال صوت العواصف الشتوية. العمل هو أن تربط نفسك بجهازٍ للحفر والتكسير المائي في منطقة بنسلفانيا الريفية، أو أن تخيم في منطقة الانفجار بموقع إزالة قمة الجبل في تلال فرجينيا الغربية. العمل هو أن تتدخل عندما تشاهد عناصر الشرطة المدججين بعتاد جنودٍ مدرعين وهم يضربون امرأة عزلاء بوحشية في شوارع بورتلاند. العمل هو أن تركب المحيط الهادي بسكين في أسنانك لقطع شباك الصيد الكبيرة التي تحاصر الدلافين البيضاء الجنب، والحيتان الحدباء».
الأرض أولاً
«لقد انتهى وقت الاحتجاجات. إن الاحتجاجات ضد سياسات دونالد ترامب لن تجعله يشعر بتأنيب الضمير. فترامب ليس لديه ضمير كي يستيقظ، وهولا يخجل، ولا يندم على ما يقوم به، ترامب في واجهته يشكل تهديداً مطلقاً، هذا الكائن الخطير الذي يبدو في المرآة أقرب مما هو عليه. إنه التهديد القديم، القادم إلينا بأسرع من ذي قبل ومن جميع الاتجاهات في نفس الوقت. إنه وحش غير مقيد. لا يخضع لقواعد تنظيمية ولا يعترف بمواثيق اجتماعية أو يأبه بمناشدات للآداب العامة».
«مع بدء ترامب بتقويض أسس الحالة التنظيمية، بدأنا نرى كم كان الكثير من الانتصارات البيئية المزعومة ل«غانغ غرين» في الماضي - من الأنظمة المتعلقة بتعدين الفحم ونوعية الهواء إلى وسائل حماية الأنواع المهددة بالانقراض والمعالم الوطنية الجديدة - فارغة في محتواها. لقد مُحيت بشطبة قلم».
«لقد رأينا قوة حركتنا في الماضي وهي صغيرة، بائسة وجامحة. عندما كنا في وضع عصيب بكل معنى الكلمة، عندما تجلت خطوط المعركة بين الضباب المتجمد للخطاب الليبرالي، وتخلصت الحركة من التوجيهات الخجولة للمساومين المحترفين. لقد رأينا أنها انطلقت من غابة لاكاندون لتقول كفى! لقد طفح الكيل، وتخطت شوارع سياتل لإغلاق منظمة التجارة العالمية. لقد رأينا الجدات وربات البيوت يفضحن جرائم النفايات السامة وقيام مزارعي الذرة بإغلاق محطات الطاقة النووية. لقد أخذنا صناعة الأخشاب الدولية إلى موطنها الأصلي، وأغلقنا مناجم التعدين، وخطوط الأنابيب والسدود الموقفة للأنهار. لقد ألقينا مفاتيح «المونكي رنج» الكبيرة والصغيرة ومعدات النظام. لقد تم القيام به وسيتم ذلك مراراً وتكراراً. لا حاجة إلى طلبات الحصول على المنح أو تراخيص للاحتجاجات».
«كما اعتاد إدوارد آبي القول: لا معركة أكثر أهمية، ولا كفاح أكثر متعة، من العمل مع أولئك الذين يرابضون معنا في الخنادق عندما نثور معاً للدفاع عن الحياة على الأرض. في هذا السياق أقتبس قول المغني ليونارد كوهين: قد نكون بشعين في أجسادنا ومظهرنا، لكننا نملك الموسيقى وجميلون في أرواحنا وجوهرنا».
لذا ارسم مساراً لحياتك واتخذ موقفاً - أي مكان سيكون مناسباً، لأن كل شيء على البسيطة معرض للخطر- وأطلق صرخة معركة قديمة حتى يعرف الآخرون من أين يأتون لينضموا إلى نضالك والتصدي للخطر المحدق تحت شعار: الأرض أولاً!
===========================
محمد الأسعد :صدر قديما: "الصراع الفكري في الأدب السوري".. عاصفة نقدية
محمد الأسعد
29 مارس 2019
في عام 1943، صدر عن مطبعة في بوينس آيرس، كتاب "الصراع الفكري في الأدب السوري" لمؤسس "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، أنطون سعادة (1904 - 1949)، وتناول من بين ما تناول تحت هذا العنوان (غير المألوف آنذاك) بالنقد والتمحيص أعمال أبرز أدباء المهجر في زمنه، من أمثال أمين الريحاني وشفيق معلوف وميخائيل نعيمة، وانعطف إلى أدباء آخرين في سورية ولبنان من أمثال سعيد عقل. ولم يتوقف عند من جمعهم تحت تسمية الأدباء السوريين، فالتفت إلى مصر وتناول أبرز أدبائها وعلى رأسهم محمد حسين هيكل وطه حسين وعباس محمود العقاد بوصفهم من أدباء العربية.
بادئ ذي بدء، نُشرت فصول هذا الكتاب على شكل مقالات في صحيفة "الزوبعة" التابعة لـ"الحزب السوري" في الأرجنتين، فكانت أشبه بزوبعة فعلاً، أو عاصفة نقدية لا نجد لها مثيلاً في كتابات تلك الأيام. إلا أن هذه العاصفة كما يبدو لم يتردّد لها صدى إلا في دوائر ضيّقة، وظلت سجينة صفحات هذا الكتاب، أي سجينة زمنها، كما يحدث أحياناً حين تختفي بذور شجرة في أعماق رمال الصحراء في انتظار قطرات مطر قد تأتي ولا تأتي، ومع ذلك لا يصيبها اليأس من أن يأتي يوم يتحوّل فيه سراب الصحراء إلى ماء دافق.
صحيح أن المتابع قد يجد بين سطور عدد محدود من أدباء النصف الأول من القرن العشرين شيئاً من الصدى، كأن يصادف مصطلح "الأدب الحيّ"، الذي هو لب كتاب أنطون سعادة، في سياق التعبير عن التوق لأدب نابض بالحياة غير أدب "الكتب"، لدى الشاعر العراقي محمود البريكان أو في أعمال النقد الأدبي للمصري سيّد قطب، أو كما سيترجم إلى "الأدب للمجتمع" لدى محمود أمين العالم، أو في بيانات الشاعر يوسف الخال صاحب مجلة "شعر"، إلا أنه لن يجد أطروحة الكتاب كاملة، أو متابعة لها إلا على نحو مستتر أو متردد.
فما هي هذه الأطروحة التي طمرتها رمال ذلك الزمن وماثلنا بينها وبين بذرة هاجعة تنتظر أن تأتيها قطرات مطر أو لا تأتي؟ يضم الكتاب مجموعة مقاربات تجري تحت العناوين التالية: "تخبّط وفوضى"، و"تجديد الأدب وتجديد الحياة"، و"من الظلمة إلى النور"، و"طريق الفكر السوري"، و"طريق الأدب السوري".
يبدأ سعادة تحت العنوان الأول بمناقشة مراسلات أدبية بين ثلاثة أدباء سوريين، هم أمين الريحاني ويوسف نعمان معلوف وشفيق معلوف، ويرى أنها تمثل نقصاً فكرياً كبيراً في ما تداولته من آراء ونظريات في الشعر والشاعر. ويشعر بالحاجة إلى درس يتناول موضوع الأدب في أساسه "يجلو الغوامض الكثيرة التي أشوت فيها سهام الرماة، وضاعت مجهودات الكتاب".
ويقول: "كان موضوع الأدب يلوح أمام ناظري، ويطل من وراء المشاكل الإدارية والنفسية والسياسية التي تعرض أمامي، ولم أكن أجهل علاقة الأدب بهذه المشاكل، وإمكانيات تذليلها بإنشاء أدب حي... وكم كنتُ أتألم من تفاهة الأدب السائد في سورية، وأشعر أن فوضى الأدب وبلبلة الأدباء تحملان نصيباً غير قليل من مسؤولية التزعزع النفسي والاضطراب الفكري، والتفسخ الروحي المنتشر في أمتي... وكان هذا التألم يحفزني لانتهاز كل فرصة عارضة للفت نظر الأدباء الذين يحدث بيني وبينهم اتصال إلى فقر الأدب السوري، وشقاء حاله، وفداحة ضرره".
ويمكن تلخيص مآخذه على أصحاب المراسلات الأدبية، أولاً، بالتعميم والإطلاق في أحكام الريحاني اللذين يجرفان الكثير من التفاصيل التي تبقى الحقيقة الكبرى الأساسية ناقصة نقصاً كبيراً من دونها، وثانياً، بآراء فجة أو مبتسرة مستمدة من الحياة الأميركية العملية ذات الطابع الأنغلوساكسوني وليس فيها شيء من العمق لدى يوسف معلوف، وثالثاً، بخلوها من النظرة الفلسفية أو التاريخية لدى شفيق معلوف. ويرى في كل هذا تضارباً وتخبطاً في حقيقة الشعر وصفته، لا يقتصران على الثلاثة بل يشملان أكثر الأدباء اللامعين إن لم يكن كلهم في العالم العربي.
ثم ينتقل إلى نماذج من مصر، فيوجه سهام نقده نحو محمد حسين هيكل وخليل مطران وطه حسين والعقاد، فيرى في نظرة هيكل إلى الفن من زاوية التقسيم بين شرق روحي كله وغرب مادي بكليته، سطحية لأن الروحية والمادية من نصيب الشرق والغرب كليهما، وفي آراء مطران اجتزاءً لحاجة اللغة إلى ضروب التعبير السليم، وفي تعداد طه حسين لما يسميها "نواقص النهضة الأدبية" كلاماً شكلياً، وفي تعليق العقاد قيمة الأدب على نشر الكتب والترجمة وغير ذلك من أمور، سطحية لا غير، ويخلص إلى القول: "إنك لو جمعت جميع الآراء والأقوال المتقدمة وأمثالها... لما حصل لك منها غير اضطراب في الفكر وتشتت في الشعور يحرمانك من إدراك حقيقة الأدب عموماً، والشعر خصوصاً، ورسالة الفن".
وبعد توجيه هذه الانتقادات، يأخذ سعادة بتقديم ما يرى فيه الخلاص الحقيقي من التخبط والفوضى تحت عنوان "تجديد الأدب وتجديد الحياة". ومن هذا العنوان يبدو واضحاً سبب اتهام آراء من تناول من أسماء بالسطحية والتعميم، وهو عدم ربطهم تجديد الأدب بتجديد الحياة ذاتها. يقول: "الأدب كله من نثر ونظم... لا يمكن أن يُحدث تجديداً من تلقاء نفسه، فالأدب ليس الفكر عينه، وليس الشعور بالذات... التجديد في الأدب مسبَّبٌ لا سبب، هو نتيجة حصول التجديد أو التغيير في الفكر وفي الشعور، في الحياة وفي النظرة إلى الحياة". ومن هنا يرى أن التجديد لا يحدث إلا "نتيجة حصول ثورة روحية، مادية، اجتماعية، سياسية، تغير حياة شعب بأسره، وأوضاع حياته، وتفتح آفاقاً جديدة للفكر وطرائقه وللشعور ومناحيه".
وتحت عنوان "من الظلمة إلى النور"، يتناول عملين لسعيد عقل، الشاعر الذي انضم إلى الحركة، أي "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، فيرى في ملحمة "بنت يفتاح" موهبة شاعر، ويضيف: "إلا أنها خارجة عن المواضيع السورية، وعن خطط النفس السورية... ومع كل الشاعرية الجيدة الظاهرة في الملحمة، لم أجد فيها ما يمكن أن يفتح للأدب السوري مدخلاً جديداً". ويشدّد أيضاً على أنه لم يطق قراءتها كلها "لأنني وجدتها تخدم موضوعاً غريباً عن المواضيع السورية، مختصاً باليهود أعداء سورية".
ويتكرر لدى سعادة التلازم بين "القدرة الإبداعية" المطلوبة للأمة "السورية"، وبين ما يسميه تارة "النفسية السورية" و"المثل" و"المطامح" السورية، في ما يشبه الحديث عن "جواهر خالدة" متأصلة لهذه الأمة السورية. ويشرح هذا بوضوح حين يشير إلى مقالة له حملت عنوان "أدب الكتب وأدب الحياة"، التي قصد منها لفت النظر إلى "أن ما نحتاج إليه هو أدب الحياة" أي "الأدب الذي يفهم حياتنا ويرافقنا في تجوالنا ويعبّر عن مثلنا العليا، وأمانينا المستخرجة من طبيعة شعبنا ومزاجه وتاريخه وكيانه النفسي ومقومات حياته".
ومن هذا المنطلق يستكمل تحديد "طريق الفكر السوري" و"وطريق الأدب السوري" وهما طريقان متلازمان كما هو تلازم الفكر والشعور في أطروحات كل نقّاد تلك الأيام، ولكن بشرط أيديولوجي لا غنى عنه "الاتصال بنظرة إلى الحياة والكون والفن جديدة تجسم لنا مثلنا العليا، وتسمو بها، وتصوّر لنا أمانينا في فكرة فلسفية شاملة تتناول مجتمعنا كله، وقضاياه الكبرى المادية والروحية من اجتماعية واقتصادية ونفسية وسياسية وفنية".
وبعد كل هذا، واستناداً إلى فرضية أن للأمة، أي أمة، جوهرا ثابتا غير تاريخي، لا يترك مجالاً للشك بأن الطريق إلى أدب حي وشعر مبدع وفن يحتل مركزاً عالمياً، إنما هو في بعث هذا الجوهر، أو السير على هدى خططه التي يضعها الحزب المعبر الحقيقي عن هذا الجوهر.
===========================
"في العلمنة": جدلية الدين والمجتمع والثقافة
بيروت - العربي الجديد
29 مارس 2019
شهد القرن الماضي محطّات سياسة بارزة أثّرت على مفهوم الدولة ككيان يوحّد الاختلافات العرقية والطائفية فيه، حيث بدأ يبرز التضاد أكثر بين الدين والعلمانية بوصفهما منظومتين مرتبطتين بجملة مفاهيم وممارسات مختلفة تتناقض في ما بينهما، وتأخذان حيّزاً في الدراسات والبحوث ضمن حقول مختلفة.
عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر ضمن سلسلة "ترجمان" كتاب "في العلمنة: نحو نظرية عامّة منقّحة" لعالم الاجتماع البريطاني ديفيد مارتن (1929 - 2019)، ونقلته إلى العربية المترجمة السورية مريم عيسى.
يناقش الكتاب موضوع العلمنة بإدخال الجدال في منعطف تأويلي، آخذاً تعددية المسارات القومية والإقليمية على محمل الجدّ، ومُظهراً كيف كانت دينامية العلمنة مختلفة تماماً في الثقافات الأنجلو بروتستانتية عمّا كانت عليه في المجتمعات الكاثوليكية.
في القسم الأول، "توجهات"، فصلان؛ يتناول الأول "علم الاجتماع والدين والعلمنة" العلاقة بين علم الاجتماع والدين، والعلاقة بين علم الاجتماع واللاهوت، حيث يقول إنها رواية استرجاعية لمواجهة شخصية مع هذه القضية تحديداً، وهي العلمنة، وفي الثاني "التوسّع الإنجيلي في المجتمع العالمي" يجد مارتن أن ثمة تحولاً متصلاً بالعولمة، أحدثه تمازج ديني بين السود والبيض في الغرب الذي رفض وصاية الإنتلجنسيا بعد البروتستانتية وبعد الكاثوليكية.
يضمّ القسم الثاني، "أوروبا"، ستة فصول. يُظهر مارتن في الفصل الثالث "أنماط متنافسة من العَلمنة و"طرق النصر" التابعة لها" كيف يتضمن الدين كل ما لا يشمله تعريف صفائي للدين، ويعيد في الفصل الرابع "العلمنة المقارنة شمالاً وجنوباً" صوغ مفهومه للعلمنة، ثم يبتكر مقاربة جديدة تستند إلى رحلة في أرجاء أوروبا، على نحوٍ يلقي الضوء على بعض المبادئ التحليلية المهمة.
في الفصل الخامس، "الدين والدنيوية والعلمانية والتوحيد الأوروبي"، يرى المؤلّف أن ثمة سيرورة علمانية لا يمكن إنكارها، تؤثر في قدرة الكنائس على إعادة إنتاج نفسها، وإعادة إنتاج ذاكرتها التاريخية بين الأجيال الشابة، ويطرح في الفصل السادس "كندا من منظور مقارن" أسئلة لا إجابة عنها إلا في سياق الحالة الكندية: هل هناك ثقافات تأسيسية؟ ما حجمها؟ ما قوتها النسبية وتوزّعها على الأرض؟
يتضمّن الفصل السابع "الولايات المتحدة الأميركية من منظور وسط أوروبا" مقارنتين: الأولى بين بيئة الفضاء المقدس في ميونخ وبرلين بصفتهما قطبين متنافسين في بلد فدرالي بنسختين رئيستين من المسيحية متوازنتين عددياً؛ والثانية بين الفضاء المقدس في ألمانيا والفضاءات المقدسة المتعددة في الولايات المتحدة، وهي دولة فدرالية أيضاً تضم أشكالاً متنوعة من المسيحية، لكن تترابط من خلال أسطورة "الدين الأميركي" المشتركة، والمتداخلة مع "الدين المدني".
يناقش الفصل الثامن "أوروبا الوسطى وتراخي الاحتكار والرباط الديني" مثال هنغاريا، وفردنة الروحانية المعاصرة مقارنةً بجماعات الكاثوليكية والبروتستانتية الأخلاقية الأكثر عضوية التي تحتفظ بروابط مؤسساتية مع الدولة.
في القسم الثالث "السرديّات والسرديّات الكبرى"، فصلان. يعلّق مارتن في الفصل التاسع، "العلمنة: سرديّة كبرى أم قصص عدة؟"، على الأنموذج القياسي للعلمنة الذي استطاع الصمود أربعة عقود أمام الضغط لأنه ليس خاطئاً، وفي الفصل العاشر "البنتكوستالية: سرديّة حداثة كبرى"، يقول إن أول ما نحتاج إليه عند عرض سرديّة كبرى مبنية على البنتكوستالية بصفتها خياراً عالميّاً هو تقديم أنموذج لعلاقة الدين بالمجتمع والثقافة.
يحتوي القسم الرابع "تعليقات"، ثلاثة فصول. في الفصل الحادي عشر، "الإرسالية وتعدد الأديان"، يجد المؤلف نوعين من التعددية الدينية: الأول هو التعددية الطائفية التي تقوم على التقارب المتسامح للأديان ضمن وحدة اجتماعية أكبر، حيث هناك في معظم الأحيان جماعة متفوقة ومركزية بين جماعات أخرى ثانوية وهامشية. والثاني يكمن في المنافسة المفتوحة لعوالم الحياة وأساليبها. ويرى أن علينا النظر ملياً في نوعي التعددية هذين، بينما يتّسعان في العالم المعاصر وينحصران.
في الفصل الثاني عشر "ما هي اللغة المسيحية؟"، يتأمل مارتن طبيعة اللغة الدينية إزاء خلفية العلمنة، ويطرح في الفصل الثالث عشر "المسيحي والسياسي والأكاديمي" قضية اللغة المسيحية وعلاقتها بالسلطة والسياسة والعنف في سياق العلمنة.
===========================
"تدبير القداسة": تراث الدخول على السلطان
الدوحة - العربي الجديد
11 مارس 2019
تتزايد الدراسات العربية في حقل التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي مؤخراً، وتحاول الاستفادة في اشتغالاتها من مناهج العلوم الإنسانية، منها ما يقارب أدبيات السوق وتطوّر أنظمته خلال حقب مختلفة وتاريخ الأوبئة والأمراض، والسجلات الشرعية والمحاكم وغيرها.
"تدبير القداسة: الحجابة والحجاب - أدب الدخول على السلطان في التراث العربي الإسلامي" عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للباحث السوري محمد حيان السمّان الذي يدرس العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع في السياق العربي - الإسلامي، من خلال موضوع الحجابة والسلطان المحتجِب عن رعيته، والوقائع المتصلة بالقدوم على أصحاب السلطة من خلفاء وملوك وسلاطين ووزراء وغيرهم، وانتظار الإذن بلقائهم.
في مدخل الكتاب، يعالج المؤلّف مسألة الحجابة والحاجب من حيث اللغة والاصطلاح، ومسألة الحجابة عند ابن خلدون من منطلق الحضارة الداعية إلى انتحال الألقاب وتمييزها، ومسألة الاستئذان الشرعي والحجابة والفرق بينهما.
يشتمل القسم الأول "في منعرجات التاريخ" على ستة فصول، يبحث الأول "انبجاسات مبكّرة، بين مبدئية الدعوة وضرورات الدولة" يبحث في الحجابة ورمزية الباب عند عمر بن الخطاب، وهو صاحب الموقف المتشدد من مسألة احتجاب ولاة الأمر عن الجمهور، وتقييدهم الإذن بدخول ذوي الحاجات إليهم.
في الفصل الثاني "الأوان الأموي، بواكير الاستخدام السياسي للحجابة" يتناول المؤلّف ولادة الدولة السلطانية في الإسلام، أي دولة بني أمية، وانتقال الحجابة من ممارسة فردية طارئة إلى أداة فاعلة في إدارة العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع، وفي الفصل الثالث "حجبة وآلهة، تدبير القداسة ومراقبة الإذعان" يدرس الحجابة بين العصرين الأموي والعباسي، والتغيرات البنيوية التي طرأت على خطة الحجابة، لجهة الوظائف والمهام والأدوار التي اضطلع بها الحَجَبة، أو لجهة المفاهيم الثقافية والإدارية العملية المتعلقة بخطة الحجابة.
يقدّم السمّان في الفصل الرابع "الحجابة بين مستنقع السياسة وتوحش السلطة" نبذات موجزة لحجبة لمعوا في العصر العباسي، وفي الفصل الخامس "الحجابة في الأفق الأندلسي (1)، قرطبة بين رمزية "باب العدل" واستبداد "الفتيان المَخْصيين" يتطرّق إلى محددات التمايز وملامحه في خطة الحجابة بين المشرق والأندلس، ويتوقف في الفصل السادس "الحجابة في الأفق الأندلسي (2)، من سرير الهيبة إلى الحَجْر على الخليفة" عند استحكام الحجابة ورسومِ الخدمة في الأندلس.
يضم القسم الثاني "تقنيات الضبط وتعبيرات الانصياع" أربعة فصول، في الأول "إنزال الناس منازلهم على باب السلطان" يبحث المؤلف في دور الحاجب في حفظ المراتب وترتيب المنازل، ومعيار "إنزال الناس منازلهم" على باب الخليفة عمر بن الخطاب، والسياسة بوصفها معياراً في إنزالهم منازلهم على باب معاوية، والمراتبية بوصفها مبدأً صارمًا على أبواب العباسيين، وتجليات هذه المراتبية واستحقاقاتها في دار الخلافة.
في الفصل الثاني "مدينة السلطان المحتجب" يختار المؤلف مدينتي بغداد والزهراء الإسلاميتين إذ يعتقد أنهما خضعتا، من جهة دواعي التأسيس والتخطيط أو التطور والتوظيف، لمتطلبات وهواجس تتصل بمسألة احتجاب السلطان عن الجمهور، وأشكال وعي العلاقة بين السلطة والناس.
يتناول في الفصل الثالث "أدباء على العتبات" مسألة الأدب والحجابة في العصر الأموي، ثم في العصر العباسي، وفي الفصل الأخير "محكيّات أبواب الحكام" يجد المؤلف أن التأثير الحقيقي للحجابة، موضوعاً وأفقاً للتفكير الإبداعي الحر والمعالجة الفنية المبتكرة، موجود في الحكايات القصيرة المتداولة على نطاق واسع في المصنفات الأدبية. ولدت هذه الفكرة وتبلورت في سياق الانفصال الذي كرسته الحجابة بين السلطان والناس، والابتعاد المتزايد لولاة الأمر عن الجمهور خارج تحديدات السلطة وترتيباتها الصارمة.
===========================
برهان غليون :«عطب الذات»: استقراء فشل المعارضة السورية في مواجهة النظام
الخميس - 21 رجب 1440 هـ - 28 مارس 2019 مـ رقم العدد [ 14730]
لندن: «الشرق الأوسط»
يحمل عنوان «عطب الذات» إيحاءً واضحاً بمواجهة الشخصية السورية المصابة بعوارض سلبية كثيرة، التي فشلت وهي تنتفض على نظام مستبد في أن تؤلف جسماً موحداً يواجه آلة القتل والدمار التي عملت في جسم الشعب والوطن معاً.
العنوان لكتاب قدم فيه مؤلفه المفكر برهان غليون شهادة على حراك من وحي سنوات الانتفاضة الشعبية السورية، بصفته أول رئيس لجسم أسسته المعارضة السورية في أعقاب الانتفاضة الشعبية عام 2011، وحمل اسم «المجلس الوطني السوري»، هذا المؤسسة التي كانت نتيجة جهود سورية خالصة، بعد ستة أشهر من الحراك السلمي المميز الذي تقدمه الشباب آنذاك، قبل أن تنقلب الأمور إلى تدخلات إقليمية ودولية، أدت إلى تقهقر أجسام المعارضة السياسية أمام عسكرة الثورة.أستاذ علم الاجتماع السياسي لم يكتب «عطب الذات» ليوثق مسار الثورة بعد ثماني سنوات على انطلاقتها، بل لنبش أسباب تراجع الروح الثائرة إلى صراع على المحاصصة والهيمنة على القرار المعارض. كتب غليون عن «نحن» التي نجح الأسد، بفرعيه الأب والابن، بتثبيتها عند نقطة «اللاشعب». ولكي نفهم «النحن» الأخيرة، كان لا بد من التعريج على مساراتها عبر عقود، وهي الموزعة بين يسار وإخوان وقومية عربية.
قدم غليون مقاربته الشخصية للنشاط السياسي في البلاد، قبل انطلاق الثورة بسنوات طويلة، فيحكي عن صدمته بعد حضور عدة جلسات حزبية شيوعية من انعدام حرية الرأي داخل الحزب، حتى أن مسؤوله الحزبي نبه على نشره مقالة، وطالبه بأن يعرضها على المجموعة مستقبلاً، ويأخذ موافقة عليها قبل النشر. كما تحدث عن الصراع بين قطبي المعارضة داخل سوريا، رياض الترك الشيوعي وحسن عبد العظيم الاشتراكي، اللذين عرفهما عن قرب، ولفت إلى انعكاس الخلاف الشخصي بين القطبين على تشتت المعارضة في الداخل. غير أن العوامل الشخصية ظهرت بعد انطلاق الثورة السورية أيضاً ربيع 2011.
يرصد غليون العوائق التي عرقلت عمل المجلس الوطني، وهو المتوقع منه أن يواجه النظام الذي ثار عليه السوريون. ويركز في مذكراته على مناكفات الإخوان المسلمين وإعلان دمشق وتكتلات أخرى، ومحاولة الهيمنة على نصاب المجلس الوطني «في مناورات عقيمة لا مكان فيها للسياسة، ولا للوطنية»، وقد أدرك حينها «الاختلاف الكبير بين ماهية الثورة وديناميتها العميقة، وماهية المعارضة وحساباتها».
ورغم انتقاد «عطب الذات» الذي يسم الشخصية السورية الواقعة تحت هيمنة نظام قمعي كمم الأفواه، فإن المفكر السوري دكتور برهان غليون شدد على حقيقة مهمة، مفادها أن الشعب السوري تمكن من تحطيم نظام الأسد بشكله القديم، وأن الثورة نجحت في إنهاء شرعية الأسد.
===========================
فيدريشي :تفكيك الرأسمالية... نسائياً
فيدريشي تكتب عن الساحرات والنميمة والأدوار الجندرية
الخميس - 14 رجب 1440 هـ - 21 مارس 2019 مـ رقم العدد [ 14723]
لندن: ندى حطيط
ربما يكون كارل ماركس، بإقرار أعدائه قبل مريديه، أهم المفكرين على الإطلاق الذين ينبغي الرّجوع إليهم عند الرّغبة في تحليل وتفكيك وفهم آليّات عمل النّظام الرّأسمالي، ذلك النّظام الذي أنتجه الغرب لحظة خروجه من عصوره الوسطى، ونجح بفرضه على العالم إلى راهن الوقت، وإن في أشكال أكثر تعقيداً من أيّام نشأته الأولى، مجارياً مآلات العيش البشري، كما انتهينا إليها في القرن الحادي والعشرين. لكن «رأس المال»، نصّ ماركس الأهمّ، لا يساعد القارئ كثيراً إن هو أراد استكشاف آليات عمل ذلك النظام، عندما يتعلّق الأمر بالنساء تحديداً، وطبيعة الدّور الذي لعبته الرأسماليّة تجاه صياغة تموضعهن في المجتمعات الحديثة والمعاصرة، إذ يكتفي المفكّر بتقديم مبادئ وتعميمات جافّة بهذا الشأن، دون أن يتسنى له رسم صور دقيقة.
هنا تماماً تأتي أهميّة المفكّرة النسويّة الإيطاليّة سيلفيا فيدريشي، التي وفي سلسلة من النّصوص والأعمال المفصليّة نشرتها عبر ما يقرب من الخمسين عاماً الأخيرة قدّمت ما يمكن اعتباره الدّليل المرافق لـ«رأس المال» حول أقدار النّساء في ظل الرأسماليّة، والجذور التاريخيّة للإطارات الاجتماعية والثقافيّة التي تحكم عيشهنّ.
كتاب فيدريشي الأخير «السّاحرات: عن النساء وصيد الساحرات»، الصادر حديثاً بالإنجليزيّة (112صفحة)، يمثل مدخلاً موجزاً وتحديثاً لمجمل الأفكار الرئيسة التي قدمتها في كتبها السابقة، لا سيّما نصها الضخم (الكاليبان وصيد الساحرات - 1998) الذي فككت فيه ظاهرة صيد الساحرات، كما شهدتها المجتمعات الأوروبيّة بدايات صعود الرأسماليّة، بوصفها أداة المنظومة في إعادة قولبة نصف المجتمع الناعم لمصلحة الشكل الجديد من النظام العائلي، خدمة لأغراض دورة الإنتاج الصناعي الجديدة. هذه القولبة المستجدة أتت بعد عقود طويلة من تعايش بين النّصفين كان يتسم - في سواد المجتمع الفلاحي الطابع وخارج إطار الأسر الأرستقراطية - بالعلاقات المتوازنة، واستقلاليّة اقتصاديّة مشهودة للنسّاء، قبل ظهور مبدأ تقسيم العمل، بغرض سحب الذّكور إلى المصانع عمالاً، بينما تتفرغ النساء للإنجاب وإنجاز الأعمال المنزليّة. وبحسب فيدريشي، فإن ذلك ترافق مع استخدام وصمة السّحر - ضد النساء حصراً - لإرهاب كل من تسوّل لها نفسها التمرد على تلك الصّيغة المستجدة للأدوار الجندريّة، وللتخلص ممن ليس لهن قيمة اقتصاديّة غير القادرات على إنجاب عمّال زهيدي الأجرة جدداً، ويكتفين بإثارة المتاعب للنظام البطريركي، عبر تأثيرهن (غير المستحبّ) على النساء الخاضعات. ووفق فيدريشي - دائماً - فإن الرأسماليّة حوّلت الإنجاب من فعل حبّ بين شريكين متعادلين إلى مهمّة اقتصادية محضة، وممر إجباري لاكتساب رضا المجتمع. لقد «تحوّل جسد المرأة في المجتمع الرأسمالي إلى أدوات إنتاج أخرى، تماماً كما تحوّل الذكور إلى عمال مأجورين لإدارة المصانع»، ولذا فإن الاستغلال والمواجهة أيضاً كان مكانهما جسد المرأة والمصنع.
وتسجل فيدريشي هذه الانعطافة التاريخيّة من خلال قراءة نصوص قانونيّة كانت تتيح للنّساء الإيطاليات في القرن الرابع عشر الميلادي مثلاً الادعاء بصفتها الشخصيّة على شريكها، إن هو تعرض لها بالضرب أو الاعتداء، بينما تعاونت المؤسسة الرسميّة للكنيسة والقوانين التي استحدثها الأثرياء الجدد، كما المنتجات الثقافيّة من أدب ومسرحيّات وأغانٍ شعبيّة، مع أساطير الساحرات، على تجريم المرأة التي لا تطيع زوجها، وتخرج عن أوامره، بل وشرّعت بعض المجتمعات استخدام أقنعة توضع على رؤوس النساء قويّات الشكيمة، فتمنعهن من الكلام - وهذه الأقنعة تذكر فيدريشي أنها بقيت قيد الاستخدام مع العبيد في الولايات المتحدة لغاية نحو العام 1800.
ويتسم النص الفيدريشي بنظرته الشديدة العمق خلف الظواهر التي اعتدنا عليها، رجالاً ونساءً، حتى كدنا نعتقد أنها أصل الأشياء وطبيعتها المقدّسة، وهو ينجح في كل صفحة تقريباً في إزالة الظلال، ومسح الغبار المتراكم عن جرائم هائلة ارتكبت عبر الأجيال، من خلال هيمنة الرأسمال المستمرّة على حياة غالبية البشر.
ورغم أن وحدة التحليل الأساسيّة فيه تنحو إلى مركزيّة أوروبيّة لا يمكن إخفاؤها، فإن كثيراً من الاستنتاجات قابلة للاستخدام والتطبيق والعبرة في مختلف التجمعات البشريّة خارج النسق الغربي، على نحو يؤهله ليكون قراءة لازمة لكل من يتصدى للدفاع عن النسويّة قبل أن يطلق عنان الكلام.
وبعكس النصّ الماركسي الذي يصعب عبوره أحياناً على غير المتخصص وغير المطلّع على المناخ التاريخي الذي وضع في إطاره، فإن فيدريشي قادرة أن تحقق الصّدمة والإمتاع معاً. خذ مثلاً مقالتها عن «النميمة». في أيامنا تعد النميمة - حتى بقلب أكثر المجتمعات الغربيّة تحضراً اليوم - نوعاً من هذر فارغ ذي مضمون سلبي، ومضيعة تامّة للوقت. لكن فيدريشي تقول إن فكرة تواصل النساء مسألة في غاية الأهميّة لديمومة المجتمعات البشريّة، إذ هنّ بما يصفه البطريركيون بالثرثرة يصغن ذاكرة المجتمعات، وينقلن ثقافتها الجمعيّة عبر الأجيال، ويسجلن التاريخ الذي غالباً ما يسهو التاريخ الرسمي عن تسجيله، ويشكلّن بذلك هويّة المجتمع وشخصيته وحكمته وخبراته المتوارثة. وحتى على الصعيد العملي، فإن تلك الأحاديث تبقى وسيلة بقاء وتضامن بين النساء، يتبادلن فيها الأفكار حول مشاكل القلوب، وتفسير السلوك الاجتماعي للآخرين، ومشاركة التجارب المشكلّة لوعيهن، بعيداً عند أسماع المتلصصين، هذا دون عظم قيمتها بنقل خبرات الأجيال في العناية بالصحّة والأطفال والمنازل. وتستحضر فيدريشي بدايات هذه (الحرب) القاسية على نميمة النساء إلى بدايات العصر الرأسمالي كذلك، وتورد أمثلة مذهلة من أعمال مسرحيّة شعبيّة كانت تمولها اتحادات البنائين والمحترفين الثريّة، وتقّدم صوراً مبتذلة عن المرأة المستقلّة التي لا تقبل الخضوع للرجل، وتظهرها شريرة سيئة الخلق، وأن الرجل الذي يحترم زوجته ويتعامل معها بنديّة لا يستحق لقب الرّجولة، وكثيراً ما صوّرته تلك المسرحيّات بأشكال مهينة تثير السخريّة، بينما وضعت النميمة النسويّة داخل إطار الشيطنة والإفساد والحسد، وقلة الاهتمام بمصالح العائلة.
وتنقّب الكاتبة في أصول كلمة النميمة عبر اللغات الأوروبيّة، كما نصوص أدبيّة وأهازيج وأحكام كنسيّة، لتظهر كيف تحولت الكلمة من وصف إيجابي حول منظومة تواصل أساسيّة إلى صفة سلبيّة، مع نشوء الحاجة لتمتين الهيمنة البطريركيّة على مجتمعات ما بعد العصور الوسطى الأوروبيّة، في حين أن النميمة كانت سر إنتاج حراكات المواجهة والتحرر الأخيرة التي قادتها نساء كنّ ضحايا مواجهة العبث الأخلاقي والجنسي في هوليوود وغيرها، وتَعِدُ اليوم بمستقبل أكثر عدالة نسبياً لهن.
تقسو فيدريشي على نساء الطبقات المخمليّة، وتعتبرهن أسوأ حالاً من نساء الطبقات الشعبيّة، لناحية خضوعهنّ التاريخي لعبوديّة المنظومة الرأسماليّة التي تطلب منهن كزوجات إنجاب الأبناء، بغرض ضمان ديمومة الثروة والنفوذ، بينما تتسامح مع الرّجال الذين يتخذون عشيقات، وهو ترتيب مريح للذّكور المهيمنين ما دامت الزّوجة مطيعة خاضعة وتنجب، والعشيقة مُجَرَّمة وسريّة وخائفة، وتدفعهن على مستوى ما للتنافس دائماً على قلب الرجل - الملك. وهي لا ترحم الرجل المعاصر الذي ترى أن ممارسته الهيمنة على زوجته - وعشيقاته إن وجدن - إنما هي ردّة فعل طبيعيّة للقهر الذي يتعرّض له هو في مطحنة الأرواح التي تسمى الرأسماليّة.
بالطبع، قراءة فيدريشي قد تكون مهمّة قاسية على العقول التي تشربت الأوضاع القائمة، وتربّت عليها، ولم تعتد النظر في أصول الأشياء، لكنها قسوة لا بدّ منها، إذا رغب المرء بالخروج من أوهام كهفنا المعاصر.
===========================
رؤية مستقبلية لأوضاع الهند ما بعد 2020
الخميس - 14 رجب 1440 هـ - 21 مارس 2019 مـ رقم العدد [ 14723]
بيروت: «الشرق الأوسط»
يعرض كتاب «الهند ما بعد العام 2020» الصادر حديثاً عن «مؤسسة الفكر العربي» في إطار برنامج «حضارة واحدة»، لمسيرة النمو في الهند في القرن الحادي والعشرين وتحدياته، والفرص الجديدة والتكنولوجيات الناشئة، التي تجعل النمو أكثر سرعة وشمولاً. ويقدم رؤية مستقبلية للإصلاحات المتوقعة في الهند في مجال تحسين وضع التعليم، وخلق الوظائف، والتنوع البيولوجي، وإدارة النفايات، والأمن القومي، وغيرها من المجالات والملفات.
الكتاب من تأليف شخصيتين رائدتين في تطوّر العلوم في الهند، هما: الرئيس أبو بكر زين العابدين عبد الكلام، وهو من كبار العلماء في الهند، وقد أصبح رئيساً لجمهورية الهند بين عامَي 2002 و2007، ويَاغَناسوَامي سُونْدارا راجان، أحد العلماء والمفكرين في مجال تطوير التكنولوجيا وإدارة التجارة، ويعمل حالياً بصفته أستاذاً ممتازاً فخرياً في قسم الفضاء لدى المنظمة الهندية للبحوث الفضائية. تولّى ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية أستاذ قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة المِلّية الإسلامية في نيودلهي الدكتور صهيب عالم، وتمّت مراجعته من قِبَل الدكتور محمد أيوب الندوي، أستاذ الأدب العربي الحديث والترجمة في الجامعة نفسها.
الكتاب الذي يتألّف من خمسة عشر باباً يتضمّن أفكاراً ومقترحات لدفع الهند نحو التقدم، عن طريق إنجاز الأعمال العِملاقة في مجال الصناعات والخدمات والزراعة، والأبواب هي: الهند في العام 2014، التعلّم من الفرص الضائعة، تسريع النمو الزراعي، الصناعة: فرص ضخمة، التعدين: إضافة القيمة إلى مواردنا الطبيعية، البنية التحتية: دمّ الاقتصاد وعظامه وعضلاته، التنوّع البيولوجي: التوازن بين الاقتصاد وحماية البيئة، كيمياء الحياة، الشبكات العصبية للاقتصاد المعرفي، من النفايات إلى الثروة، الرعاية الصحية للجميع، الأمن القومي: القوة والمعرفة واليقظة المستدامة، التعليم لكل فردٍ في الهند، التكنولوجيات الناشئة: اللّحاق بركب التقدم إلى الأمام، إمكانات الهند: هل يُمكِن للهند أن تفعل ذلك؟
يؤكد المؤلّفان أن حاجة الهند الملحّة لا تكمن في رسم الخطط، بل في اعتماد المنهجيّات الصحيحة لتنفيذ تلك الخطط، وتحديد كيفية الوصول إلى الفوائد التي تعود على الأشخاص الذين تستهدفهم. وسعى المؤلفان إلى صياغة إطار شامل للتنمية المستدامة وتوفير المرافق الحضرية في المناطق الريفية في الهند، وتطوير نظامين فريدَيْن، هما «هرم مجتمع المستخدمين» و«رادار التنمية الاجتماعية».
يسلّط الكِتاب الضوء على الإنجاز الكبير الذي حقّقته الهند في القضاء على شلل الأطفال بنجاح، إلا أن الحفاظ على هذا الإنجاز يبقى مهمة تحمل القدر نفسه من التحدي. ويوضح المؤلّفان أن الحكومات المتعاقبة التزمت على مدى الستين سنة الماضية بتحقيق الهدف الوطني المتمثّل في التعليم الشامل، وزادت من مخصصات الميزانية للتعليم بثبات، ومع ذلك، فإن 35 في المائة من سكّان الهند البالغين لم يتحقّق لهم معرفة القراءة والكتابة ضمن خطّة «التعليم لكل فرد في الهند».
في عام 1998 قام الدكتور عبد الكلام والدكتور راجان بنشر كتاب «الهند 2020» الذي يُعدُّ وثيقة رؤية للألفيّة الجديدة لرسم صورة الهند، وكيف يُمكِن لها أن تصبح واحدة من أكبر خمس قوى اقتصادية في العالم بحلول عام 2020. وبعد ستة عشر عاماً، ومع اقتراب عام 2020، أصدر المؤلِّفان كتاباً آخر هو «الهند ما بعد العام 2020»، وذلك لتقييم ما حقّقته الهند حتى الآن، وتحديد ما عليها تحقيقه حتى الآن.
نجح الكتاب في لفت الانتباه إلى مشكلات عدة تعوّق تطوّرَ البلاد، مثل عدم كفاية البنية التحتية، والأمية، والأحوال المُزرية للطرق والسكك الحديدية والموانئ، وما إلى ذلك. كما قدّم الكتاب اقتراحات مفيدة لتحسين أوضاع البلاد. ويؤكّد المؤلّفان، أن الهند ما زالت قادرة على الوصول إلى قائمة الدول المتقدّمة في غضون عقد من الزمن، لكن حدوث هذا التحوّل يتطلّب تنفيذ عدد من الإصلاحات. والشيء المهمّ هو أن يتذكّر الشعب الهندي أن كل واحد منهم يجب أن يؤدّي دوره وهو يتطلّع إلى بناء الهند ما بعد عام 2020.
ويرى المساهمون في الكتاب أنّ القرن الحادي والعشرين سيكون شاهداً على هندٍ جديدة متطوّرة، إذا عمل الناس جميعهم بجدّيّة مع القيام بجهد مستمر، وسعي متواصل لتحسين أوضاعهم وتحويل الهند إلى بلد أحلامهم. وينتهي الكتاب برسم المهمّة التي تتلخّص في خطّة عمل من أربع نقاط، تشمل: تأمين المياه لكل من المناطق الحضرية والقرى، والعمل من أجل الرخاء الاقتصادي المستدام، وحيازة القيم النبيلة.
===========================
عالم اجتماع أميركي يستشرف نهاية العالم...متوقعاً عنفاً أكثر واستفزازات عسكرية بين الشمال الجنوب
الخميس - 14 رجب 1440 هـ - 21 مارس 2019 مـ رقم العدد [ 14723]
القاهرة: داليا عاصم
هل يعيش العالم الآن الطور الأخير من عمره؟ سؤال جوهري يطرحه عالم الاجتماع الأميركي إيمانويل فالرشتاين في محاولة لتحليل وتفكيك النسق العالمي الذي يعتبره دخل طور الاحتضار، داعياً عبر كتابه «نهاية العالم كما نعرفه» إلى علم اجتماع للقرن الحادي والعشرين، وتحريك جديد للمعرفة وتجاوز المسلمات القديمة.
الكتاب الصادر بالعربية عن هيئة البحرين للثقافة والآثار وترجمه د. فايز الصياغ، وراجعة هاني تابري، يقع في 511 صفحة يحاول لفت الانتباه لأهمية اللجوء لعلم الاجتماع لفهم صيرورة العالم ومصير البشرية خلال الخمسين عاماً المقبلة. وإن كانت الطبعة الأولى من الكتاب صدرت بالإنجليزية عام 1999. لكن الإطار الفكري له ينطبق على تلك المرحلة التي يمر بها العالم ويساعد القارئ غير المتخصص على الفهم والتنبؤ بما يحمله المستقبل؛ بل، يساعده على الاستعداد لتصور الواقع الاجتماعي المقبل.
يحاول فالرشتاين المعروف بكونه أحد أهم منظري العولمة الإجابة عن تساؤل: أي نمط من المعرفة ينبغي أن يوجه رؤيتنا لمستقبل العالم؟ ويشير صاحب نظرية «الأنساق العالمية» إلى أن النسق العالمي الراهن الذي يتسم بحدة القمع واللامساواة والاستقطاب لن يدوم طويلاً، وأن العالم سيتجه ليكون أكثر ديمقراطية، لكن ذلك سيتم عبر صراع عالمي حول النسق العالمي الجديد.
يطرح الكتاب تأويلات للتاريخ المعاصر انطلاقاً من الحقبة الشيوعية، لافتاً إلى أن العالم سيكون أكثر عنفاً من الحرب الباردة، مع تكهن بتزايد الاستقطاب الاقتصادي بين الشمال والجنوب، متنبئاً بقيام استفزازات عسكرية بين الجنوب والشمال الذي سيجد صعوبة في الوقوف أمام ذلك المد.
ويستشرف فالرشتاين تنامي الحركات اليمينية في البلدان الغنية التي تدعو للوقوف أمام الهجرة في محاولات للتصدي لارتفاع معدلاتها الشرعية وغير الشرعية بسبب تواطؤ أرباب العمل المستغلين. ويلفت إلى أن الجيل الثاني من المهاجرين لن يتمكن من الاندماج الاجتماعي، وفي هذه الحالة ستعود أوروبا الغربية لأوضاع ما قبل 1848 (البيان الشيوعي)؛ حيث تتمركز الطبقة الدنيا في المناطق الحضرية التي ستمر بمشاعر الغبن العميق. هنا يشير إلى أن الأوضاع ستكون أكثر قسوة؛ فلم يعد هناك يقين بين الشعوب بأن التاريخ يقف إلى جانب التقدم، أو أن الديمقراطية ستحقق الرخاء والعدالة، منبهاً العالم إلى ضرورة الاستعداد لمواجهة شبح تفكك بنى الدول التي لم يعد الناس يثقون بها.
وعن حركات التحرر الوطني، يقدم فالرشتاين قراءة في ماضيها وتكهنات بمستقبلها، ويجيب عن تساؤل حول ما يعايشه العالم الآن من احتجاجات: ما الذي يحشد الشعوب؟ مؤكداً أن ما يحشدهم ليس القمع بل الأمل والإيمان بنهاية القمع نفسه، لافتاً إلى أنه لا توجد دولة مستقلة ولها سيادة حتى الولايات المتحدة ليست ذات سيادة بسبب هيمنة الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
ويرى عالم الاجتماع أن الحركات التحررية في تاريخ البشرية لم تحقق الأهداف الرئيسية لها ولم تحدث تحسينات ذات مغزى لشعوبها من الوعد بحياة أفضل من أجل الأبناء والأحفاد، مؤكداً أن كوادر نظام السلطة الجديد أشبه بكوادر النظام القديم، مثلما حدث في ثورة 1968 التي انطلقت في فرنسا وهزت العالم، وكذلك الثورات ما بين عامي 1945 و1970. وهو ما دفعه للتنبؤ بفشل النسق العالمي الحديث وكذلك الحضارة الرأسمالية.
ويسلط الضوء على نهوض شرق آسيا، وهنا يضع فالرشتاين عدة سيناريوهات حول تصاعد التوتر بين الصين والاتحاد الأوروبي مرجحاً انتصار الصين. ويتضمن السيناريو المآزق البيئية التي ستفرض ضغوطاً هائلة على الحكومات في محاولة للعودة إلى مستوى كافٍ من التوازن الحيوي. وهنا الجنوب سيكون أكثر غلياناً مع تزايد في المطالب الشعبية كثمن لـ«الدمقرطة»، وسيتزايد الاضطراب العالمي مع انهيار تام لليسار القديم مع توقع زيادة الحروب الأهلية.
ويكشف فالرشتاين أن الليبرالية لم تقدم للشعوب سوى سبع الكعكة لأقلية من سكان العالم وهي الطبقة المتوسطة، وهو ما لم يقلص تكديس رأس المال لكبار الرأسماليين، ولكنها حققت هدفها من نزع الفتيل الثوري، وتمكنت من ذلك حتى حقبة السبعينات من القرن العشرين، وحينما وجد الرأسماليون أنفسهم في مأزق كانت العولمة هي الحل للهروب من تحكم أجهزة الدول... ويتناول الكتاب أيضاً قضية البيئة وتكلفة الإنتاج الرأسمالية، وكيف أن تجريد العالم من طبيعته الريفية كلفه الكثير في سبيل توفير العمالة للتقدم الصناعي، ويعاود تحليل ما فعله الثالوث الآيديولوجي الذي أطر الحياة السياسية في القرنين التاسع عشر والعشرين: النزعة المحافظة، والليبرالية، والاشتراكية - الراديكالية في العالم مرجحاً أن الحل يكمن في النزعة الليبرالية المتحررة التي يمكن أن تكون مفيدة جداً في عالم ديمقراطي.
ومن ثم، يناقش فالرشتاين مفهومي «الاندماج» و«التهميش»، ويشير إلى أن النسق العالمي الحديث بدأ في القرن السادس عشر وبدأ معه تشكل النسق الرأسمالي العالمي، مما نشأ معه إطار مؤسسي أيضاً، ويشير هنا إلى أن مفهوم «المواطنة» دفع الصراع الوطني بين الفئات إلى الصدارة بدلاً من أن تكون عاملاً لتوحيد الدول. كما يعتبر مفهوم الاندماج مفهوماً غير قانوني؛ كونه يفترض وجود معيار ثقافي يتم على أساسه قبول الأفراد، بينما يكشف أنه في نظر بعض علماء الاجتماع تعتبر فئة المهمشين كبش فداء لأخطاء المجتمعات.
ويتحدث فالرشتين عن أبدية التغيير الاجتماعي، ولكنه يدحض هذه الفرضية، معتبراً أن ما حدث في النسق العالمي على مدار التاريخ كان مجرد استبدال، فاستبدلت بالطبقة الإقطاعية طبقة الرأسماليين، ومنذ فجر التاريخ استبدلت بأسرة مانشو في الصين أسرة منيغ، وهكذا... معتبراً أن لغة التغيير الاجتماعي لغة مضللة خادعة تشير في حركات دائرية؛ فالتفاصيل تتطور باستمرار لكن تبقى الخصائص كما هي. ويخلص هنا إلى أن النسق العالمي الحديث هو أحد حالات النكوص الأخلاقي. لكنه يختتم ذلك التحليل بجرعة تفاؤل، معتبرا أن البشرية بإمكانها أن تتخذ خيارات أخلاقية وأن تكون على مستوى التحدي.
في القسم الثاني المعنون بـ«عالم المعرفة»، يحاول فالرشتاين استنباط ما يمكن أن تقدمه العلوم الاجتماعية التي ولدت من رحم الليبرالية في عصر التشاؤم الاجتماعي العالمي، مؤكداً أنه على علماء الاجتماع الاعتراف بأنهم ضللوا أنفسهم على مدى 200 عام، وعليهم الآن تغيير اتجاهاتهم لتحويل دفة العالم عبر توجيه الذكاء الإنساني للتعامل مع المشكلات بعيداً عن لعبة النضال من أجل الحرية والرفاه الاجتماعي.
وعلى ضوء ذلك، يدعو فالرشتاين العالم ليصبح أكثر عقلانية، خاصة مع تزايد النزعة الفردية، مؤكداً بكل ثقة أن العلم الاجتماعي سيكون الحلبة التي يستقي منها حقائق العلم الأبستمولوجية والطبيعية، وزيادة مشاركة العلم الاجتماعي في العلوم البينية. ثم يلقي باللائمة على المركزية الأوروبية في العلم الاجتماعي وعلمنة النزعة الاستشراقية والتكريس لثنائية العالم الاجتماعي؛ مما خلق قائمة طويلة من الاستقطابات في كل المجالات لم تكن بالضرورة ذات علاقة مباشرة بالاستشراق، ملمحاً إلى أن أوروبا لعبت دوراً في قهر العالم عبر توسع كولونيالي متفق مع وصفها بـ«البطل الشرير».
ويشدد عالم الاجتماع فالرشتاين على بنية المعرفة باعتبارها ترتكز على المساواة في كينونتها، ومحاولة البحث عن حلول في عصر نهاية اليقينيات، والحداثة الزائفة، لافتاً إلى أن «غطرسة البشرية هي أعظم قيودها، ولكننا قادرون على أن نكون أقل ظلماً وأكثر جمالاً؛ وزيادة معرفتنا بالكون ونناضل لنكتسب المعرفة من بعضنا بعضاً».
===========================
مجلد يوثّق 100 "منتهِك لحقوق الإنسان" في إيران
نشر 03 نيسان/إبريل 2019 - 10:24 بتوقيت جرينتش
يذكر الكتاب شخصيات، بيبها خامنئي وروحاني ورئيسي، والرئيس السابق للقضاء صادق لاريجانييذكر الكتاب شخصيات، بيبها خامنئي وروحاني ورئيسي، والرئيس السابق للقضاء صادق لاريجاني
نشرت منظمة "العدل لإيران" مجلداً أول من كتاب "وجه الجريمة"، ويتضمّن ملفات "قانونية" لأكثر من 100 "منتهك لحقوق الإنسان" في إيران، يخضع 41 منهم لعقوبات دولية.
الكتاب هو الأول من 5 مجلدات تنشر ملفات "قانونية" لـ 500 "منتهك لحقوق الإنسان" في ايران، من اجل "المتابعة القانونية ومساءلتهم".
وتتطرّق المجلد الأول الى 25 مسؤولاً في المؤسسات التابعة للمرشد علي خامنئي، و50 في القضاء، و36 في السلك الحكومي، وواحد في مجلس الشورى (البرلمان).
ويذكر الكتاب شخصيات، بيبها خامنئي وروحاني ورئيسي، والرئيس السابق للقضاء صادق لاريجاني، ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي.
===========================