الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جولة ماكينزي في المنطقة... رسائل إلى إيران وغيرها 

جولة ماكينزي في المنطقة... رسائل إلى إيران وغيرها 

24.12.2020
رستم محمود


النهار العربي 
الاربعاء 23/12/2020 
لم تمضِ ساعات على لقاء قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط "سانتكوم"، الجنرال فرانك ماكينزي ورئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول ركن عبد الأمير يار الله في العاصمة العراقية بغداد، حتى اُستهدفت السفارة الأميركية في بغداد بأحد عشر صاروخاً. الصواريخ كانت من نوع خاص، وليست من صواريخ الكاتيوشا التي تُطلق عادة على السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء من بغداد، حيث قال المراقبون العراقيون إنها كانت بمثابة جواب إيران على "التهديدات" التي حملها الجنرال الأميركي. 
لقاء ماكينزي مع رئيس أركان الجيش العراقي كان الاجتماع الوحيد مع مسؤول عراقي صُرح عنه أثناء الزيارة، التي كان من المُفترض أن تكون سرية، مثل باقي جولات القائد الأميركي في المنطقة، والتي غالباً ما تشمل سبع دولٍ مختلفة، تقع تحت مظلة تغطية ومهمات قطاعات "القيادة المركزية في الشرق الأوسط"، والتي رآها المراقبون كجزء من تهيئة البنية التحتية للجيش الأميركي في مناطق الانتشار، لتكون مستوفية شروط وحسابات الإدارة الأميركية المنتخبة، وتعاملها المتوقع مع ملفات منطقة الشرق الأوسط. 
مصدر قريب من قيادة الأركان العراقية، كشف لـ"النهار العربي" أن اجتماع ماكينزي مع يار الله تركز حول أربعة مواضيع رئيسية، حملها المسؤول الأميركي، وأراد أن يُطلع الطرف العراقي على الموقف الأميركي منها. فالولايات المتحدة أظهرت عدم رضاها من الخطوات الخجولة التي اتخذتها الحكومة والجيش العراقيين تجاه حماية المصالح والمؤسسات الدبلوماسية في البلاد، وبالذات الأميركية منها، وهو ما قد يهدد باتخاذ إجراءات قد تقلل من مستوى التعاون و"الثقة" بين الطرفين. 
كذلك أشار المصدر إلى أن الجانب الأميركي شرح لنظيره العراقي أهمية بقاء أعداد وقطاعات من الجيش الأميركي في العراق للتعاون في ملف القضاء على الإرهاب، بما في ذلك توسيع دور قوات جيوش حلف الناتو  في هذه المسألة، كما كان ماكينزي قد صرح قبل أسبوع واحد فقط من زيارته للعراق. تلك القوات التي يمكن لها أن تقوم بالمهمات التي تتولاها مجموعات الجيش الأميركي في العراق راهناً، في حال قررت تقليص هذه الأعداد في المستقبل المنظور.  
المسألة الثالثة التي ناقشها الطرفان كانت ردة الفعل المحتملة التي يمكن أن تنفذها الولايات المتحدة في حال تعرضها لـ"ضربات ثأر" قد تنفذها الميليشيات العراقية الموالية لإيران داخل الأراضي العراقية، وذلك مع اقتراب موعد ذكرى مقتل القائد السابق ل"فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني في الثالث من شهر كانون الثاني (يناير) المقبل، وهو الموقف الذي صرح عنه الجنرال الأميركي بوضوح بعد يوم واحد، قائلاً إن بلاده "في وضع جيد جداً وأننا سنكون مستعدين، مهما قرر الإيرانيون وحلفاؤهم أن يفعلوا ... نحن مستعدون للدفاع عن أنفسنا والدفاع عن أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة، ونحن مستعدون للرد إن اقتضى الأمر". 
هذه المواقف التي تبادلها الطرفان، اعتُبرت بمثابة إنهاء للهدنة غير المُعلنة بين الطرفين، والتي بدأت منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وكانت بمثابة ورقة إيرانية، استخدمتها للتأثير في الانتخابات الأميركية. لكن المراقبين يُلمحون إلى إشارات إيرانية لـ"الانتقام" من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب في آخر أيام ولايته.  
أخيراً، فإن الجنرال الأميركي نقل إلى قائد الأركان العراقي شعور الولايات المتحدة المتزايد من خطر الميليشيات المسلحة على العملية السياسية في العراق، بالذات على الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها في منتصف السنة المقبلة، وهو ما قد يؤدي إلى تحول نوعي في كامل المشهد العراقي، لغير صالح "الحكومة الشرعية".  
جولة القائد العسكري الأميركي قادته بعد العراق مباشرة إلى سوريا، وتحديداً إلى "قاعدة التنف العسكرية الأميركية"، الواقعة بالقرب من المثلث الحدودي السوري- العراقي- الأردني، والتي تُعتبر واحدة من مراكز مراقبة الشريط الحدودي السوري- العراقي، حيث تحاول الولايات المتحدة ضبط تدفق الميليشيات والأسلحة الإيرانية عبره، وغالباً ما توجه وحدات الطيران الأميركية ضربات جوية إلى نقاط تمركز الميليشيات المسلحة في تلك المناطق الحدودية.  
وفي شمال شرقي سوريا، حيث تمنح الولايات تغطية عسكرية وسياسية لقوات سوريا الديموقراطية "قسد" في ملف محاربة الإرهاب، قالت مصادر مطلعة أكدت لـ"النهار العربي" أن الولايات المتحدة دخلت الى تلك المنطقة عبر زيارة ماكينزي  ولقائه بقائد "قوات سوريا الديموقراطية" الجنرال مظلوم عبدي،  الامر الذي يعني اهتماماً بملف منطقة "عين عيسى" الساخن، حيث تدور اشتباكات يومية هناك، بين "قوات سوريا الديموقراطية" والفصائل السورية الموالية لتركيا. وتعرض روسيا تسليم البلدة وريفها الشمالي إلى قوات النظام السوري، لتجنب وقوع حرب مباشرة بين الطرفين. 
 الأنباء الأولية قالت إن الطرف الأميركي طلب من "حلفائه" في "قوات سوريا الديموقراطية" عدم الرضوخ للضغوط التي تمارس عليهم من طرفي روسيا والنظام السوري، وأن الولايات المتحدة ستبذل مزيداً من الجهد لتجنب التصعيد في تلك المنطقة.  
جولة ماكينزي التي جاءت في ظل تدفق المزيد من الأسلحة الاستراتيجية الأميركية على منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك حاملات الطائرات والغواصات النووية والقاذفات الاستراتيجية، فسرها المراقبون بأنها بمثابة إنذار واضح لإيران بأن الإدارة الحالية تستطيع أن تنتقم حتى في آخر ساعات حُكمها.