الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جنيف 4.. أسئلة عن جدوى التفاوض

جنيف 4.. أسئلة عن جدوى التفاوض

18.02.2017
ثائر الزعزوع


العرب اللندنية
الخميس 16/2/2017
أجرت إحدى القنوات التلفزيونية استطلاعا لآراء بعض المواطنين السوريين حول ما يعرف بالمناطق المحررة الخارجة عن سيطرة النظام، والخاضعة لسيطرة بعض الفصائل التي وضع أحدها على الأقل ضمن قوائم المنظمات الإرهابية. كان السؤال الوحيد في الاستطلاع هو، ماذا تتوقعون من مفاوضات السلام في جنيف أو ما يعرف بجنيف 4 والتي من المقرر انطلاقها بداية الأسبوع المقبل؟
لم تخل الإجابات من خيبة الأمل، لا من المجتمع الدولي فحسب، كما كان يحدث في مرات سابقة، ولكن أيضا من المعارضة السورية نفسها، التي يبدو أنها فقدت أي تأييد لها في الشارع السوري الثائر، وباتت تعيش في عالم آخر بعيدا كليا عمّا يعانيه السوريون وما يحلمون بالوصول إليه. بل يمكن القول إن المعارضة قد تحولت إلى عبء ثقيل على كاهل الثورة، ليس لأنها لم تستطع الوصول إلى حل فقط، ولكن لأنها أضاعت أكثر من فرصة كانت مواتية للضغط على النظام وتحقيق مكاسب تصب في مصلحة الثورة.
وهذا ما لم تفعله، ولا نظن أنها ستكون قادرة، وهي في حالتها التي نراها الآن من تفكك وعدم اتفاق بل وعدم وضوح رؤيتها وقراءتها الصحيحة للتطورات التي طرأت على المشهد بشكل عام، على تحقيق أي تبدّل في الحالة. وهي تنساق، شيئا فشيئا، وراء لعبة استطاع النظام وداعمو إدخالها فيها، وهي لعبة المماطلة والإغراق في التفاصيل، وصولا إلى كسب المزيد من الوقت يمكن النظام وحلفاءه المختلفين، من ميليشيات طائفية وقوات إيرانية وروسية وسواها، من تجفيف ما تبقى من منابع الثورة، وإعادة تماثيل والده الدكتاتور السابق إلى المدن التي أزيلت منها كما حدث مؤخرا في محافظة حماة.
وهو الحل السياسي الوحيد الذي يريد النظام الوصول إليه ولن يقبل أي حل آخر، فهو وكما أثبت خلال ست سنوات تقريبا من اندلاع الثورة ضده، لم يقل مرة واحدة إن أمر سوريا الدولة والشعب يعنيه في شيء، بل إن ما يهمه هو تلك السيادة الوطنية التي لا ينفك يتحدث عنها، وهذه يمكن تفسيرها بناء على ما فعله، خاصة بعد أن حول سوريا إلى مزرعة خلفية لمشروع إيران التوسعي الطائفي، بأنها تعني بقاءه جالسا على كرسي الرئاسة الذي ورثه عن أبيه، وربما أن يتمكن مستقبلا من وضع ابنه على ذلك الكرسي نفسه، كما حلمت بذلك زوجته في لقاء أجري معها منتصف العام 2014 حين أكدت أنها تحلم بأن يكمل ولدها مسيرة والده وجده.
أمام نظام كهذا لا يمكننا حقيقة أن نلوم المعارضة السياسية ونقول إنها أخفقت أو لم تستطع الانتصار عليه سياسيا، فقد بذلت سابقا قصارى جهدها وحملت مطالب الشارع كاملة غير منقوصة، وكانت مدعومة بقوة عسكرية لا يستهان بها على الأرض. وقد تمكنت الفصائل الثورية، التي صار يطلق عليها لاحقا بعد أن اختلط حابلها بنابلها، تسمية فصائل المعارضة، من التغلب على النظام عسكريا ودحره في مرات كثيرة، وبات في وقت من الأوقات، على مرمى حجر من الانهيار، وقد فقد ثلثي سوريا، ولم يعد مسيطرا إلا على ثلاث أو أربع محافظات، ولم يمنع سقوطه سوى التدخلين الإيراني والروسي، دون أن ننسى التواطؤ الأميركي إبان حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
في الوقت الذي يرفض فيه نظام دمشق، كما يدعي، ما يسميها الإملاءات الدولية التي تنتقص من سيادته، والتي تقود إلى تشكيل حكومة انتقالية وصولا إلى تبادل سلمي للسلطة يبقي على الرمق الأخير من سوريا قبل أن تضيع كاملة، فإنه وبكل بساطة ناقش وبتعمق دستورا أرادت حليفته موسكو فرضه على السوريين، وهو لن يمانع بكل تأكيد في اعتماد ذلك الدستور في حال ضمن له البقاء على كرسيه. وليضرب الشعب السوري، من مؤيدين له وثائرين على نظامه، رؤوسهم في الجدران، هذا إن تبقى في سوريا جدران أصلا، فقد قضت براميله المتفجرة وصواريخ حلفائه وأعدائه معا على نصف العمران الذي كان موجودا.
لا شك أن مؤتمر جنيف 4 لا يعني السوريين في الداخل وفي مخيمات نزوحهم وسط الظروف الكارثية التي يعانونها، ومن حقهم أن ينظروا إليه على أنه مجرد مؤتمر جديد يتحدث عنهم، لكنه لن يصل إلى حل لمشكلاتهم، فهم وإن سُئلوا عن رأيهم فإنهم يعلمون ألا أحد قد يسمع أصواتهم. فالشعب الذي طالب بالحرية منذ الأيام الأولى لثورته، يضيع في الزحام بين معارضة لا حول لها ولا قوة، وبين نظام استجلب الغزاة ليساعدوه على الإبادة الجماعية المنظمة، ولتكتب المنظمات الدولية تقاريرها في ما بعد، فمن يكترث، فليس سجن صيدنايا وحده مسلخا بشريا، بل إن سوريا كلها تحولت مع نظام الممانعة والمقاومة إلى مسلخ كبير، والعالم يراقب ويتأثر ويهز رأسه أسفا.
كاتب سوري