الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جني حصاد الفوضى الخلاقة

جني حصاد الفوضى الخلاقة

30.06.2019
ميشيل كيلو


العربي الجديد
السبت 29/6/2019
يحتاج المرء إلى الكثير من السذاجة، كي لا يرى الترابط الوثيق بين مؤتمر البحرين الذي يرى قضية فلسطين تحت حيثية اقتصادية مبنية على التوسع الاستيطاني، ومنع إقامة دولة فلسطينية سيدة ومستقلة، ولقاء القدس (بين مستشاري الأمن القومي لأميركا وروسيا وإسرائيل) الذي يرفض أن يرى المسألة السورية بدلالة الخطر الإيراني على دولة سورية ومجتمعها، ويراها بأعين إسرائيل التي أهدى لها الرئيس الأميركي، ترامب، بالأمس القريب مرتفعات الجولان، بإعلانه الرسمي أنها أرض إسرائيلية. في المنامة والقدس، كانت مصالح إسرائيل حاضرة موضوعا وحيدا للسياسات الدولية تجاه قضيتي فلسطين وسورية. وكان هذا الترابط بين القضيتين خطوة أخرى، شديدة الخطورة، على طريق تصفية القضية الأولى الفلسطينية، والثانية السورية التي لم يقتنع "المجتمع الدولي" بأنها ليست فرعا من الفوضى الخلاقة، بل هي قضية شعب، ومن الضروري إيجاد الحلول لها، في إطار الحرية والديمقراطية الذي ضحّى الشعب السوري بمئات آلافٍ من أبنائه من أجل بلوغه، وصرف العالم النظر عنه. وها هو يلتقي ليتفاوض بشأن مخرجات الصراع السوري النهائية التي تعينت من خلال الفوضى الخلاقة، كما نشرتها واشنطن في المشرق بعد عام 2005، وحربها على العراق، وتعهّدت فيها بتفكيك كيانات المنطقة ودولها "عبر أهوال سيكون من الصعب تصديق وقوعها"، حسب قول مستشارة الأمن القومي الأميركي في رئاسة بوش الابن، كوندوليزا رايس، وبإعادة تركيبها بعد حين، بصيغ تلائم مصالحها في الطور الراهن من الواقع الدولي.
السؤال الآن: هل بلغ التفكيك درجة تحتم إعادة التركيب: بتفاهم أميركي/ روسي/ إسرائيلي، ضمن إطارٍ تتولى واشنطن وتل أبيب فيه رسم صورة نهائية لفلسطين ما بعد كامب ديفيد في ضوء المصالح الصهيونية، وتتكفل روسيا ببلورة صورة سورية ما بعد الحرب، بموافقتهما، بينما تتولى واشنطن أمور العراق والخليج وإيران، بمساعدة موسكو وتل أبيب، على أن تضع طهران أمام خيارين: التفكيك أو إعادة بناء دورها المعادي للعرب، والمشترك بينها وبين إسرائيل؟ أكرّر: ليس مصادفة تزامن لقاءي القدس والبحرين، بل هو وليد نظرةٍ تربط مصير فلسطين وسورية، بما يخدم إسرائيل. وهناك ثلاث ملاحظات في هذا الصدد:
أولا: وضع إعادة تركيب دول المنطقة في خدمة أمن إسرائيل الذي يحتم السماح لها بالتوسع في فلسطين وسورية، بعد أن حاصرت واشنطن والعرب رام الله، وشطرت حركة حماس وطن الفلسطينيين إلى كيانين متعاديين، وفكّكت واشنطن دولتي المشرق، العراق وسورية، بمساعدة إيرانيه وروسية. وصار من الضروري إعادة تركيبهما عبر"صفقة" شاملة، تبيع فلسطين في بازار دولي/ عربي في المنامة، بينما ترى موسكو وواشنطن الاحتلال الإيراني لسورية بأعين إسرائيل، على الرغم من أن طهران لم ترمها بحصاة، بينما دمرت دولة سورية ومجتمعها.
ثانيا: ليس اجتماعا القدس والمنامة معنيين بتطبيق القرارات الدولية الخاصة بحقوق السوريين، أو فلسطين، أو باقتراح قراراتٍ دولية جديدة، ستنال موافقة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، بل عقدا من خارج القانون الدولي، لتحديد حصة إسرائيل من تفكيك المشرق، بحجة إبعاد خطر إيران عنها، مع أن عقد الاجتماع بمبادرة منها منحها حق المشاركة في تقرير صورة النظام السوري القادم، وعلاقاته مع إيران، ومعها.
ثالثا: نحن أمام منصة دولية تقرر مصير بلادنا ومنطقتنا، من خارج بيان ومؤتمر جنيف الذي سيكون في عداد الموتى، إن قرّرت واشنطن استبداله بتفاهمات أستانة أو سوتشي.
هل بدأ باجتماع أمني وآخر بازاري هذه مواصفاتهما، تطبيق "صفقة"، تسلّم بحق موسكو في تقرير مصير سورية، وتطلق يد إسرائيل في فلسطين، في مقابل تعاون الدولتين مع واشنطن في إعادة تركيب ما فكّكته من دول المشرق، وتأسيس نظام إقليمي يملأ الفراغ العربي: إيراني ــ إسرائيلي، يتعاون طرفاه بصورة غير مباشرة ضد الأمة العربية، بإدارة ترامب العليا؟