الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "جمر تحت الرماد".. هل تصبح دير الزور بوصلة الصراع الجديد في سوريا؟ 

"جمر تحت الرماد".. هل تصبح دير الزور بوصلة الصراع الجديد في سوريا؟ 

17.11.2020
صفا التركي


أورينت نت   
الاثنين 16/11/2020 
ما تزال مدينة دير الزور - رغم تخلصها من شبح تنظيم داعش الذي سيطر عليها فترة من الزمن - تعيش حالة من عدم الاستقرار، بسبب سيطرة عدة جهات محلية ودولية عليها، ما يجعل ملفها من أكثر الملفات السورية تعقيداً وتشابكاً. 
عدا قسد التي تمثل المصالح الأمريكية، والتي تسيطر على الجزء الأكبر من المحافظة، هناك وجود روسي وإيراني بغطاء من ميليشيات أسد والميليشيات الطائفية والمحلية الداعمة لها، ما يجعل المنطقة على صفيح ساخن بشكل دائم، خصوصاً مناطق غرب الفرات التي من المفترض أنها تقع تحت سيطرة أسد وميليشياته؛ إلا أنه في حقيقة الأمر لا يملك سوى سيطرة شكلية على المنطقة، والفاعل الرئيسي على الأرض هم الروس والإيرانيون وميليشياتهم. 
وبسبب غموض خارطة السيطرة، نشبت صراعات نفوذ بين جميع الأطراف، ربما لم يظهر جلها للعلن أو أنه جمر تحت الرماد كما يقال، لكنه مرشح للتفاقم في أي لحظة تبعاً لمصالح هذا الطرف أو ذاك، أو وفقاً لاتفاقات دولية لاتزال تبرم خلف الكواليس. 
وعن دور تلك القوى في المنطقة قال المحلل العسكري "حاتم الراوي": "إن ديرالزور أصبحت مركز صراع لجميع القوى المحتلة لسورية - سواء بطلب من حكومة أسد أو بالدعس على أنفه - فهي المعبر الوحيد الذي يربط طهران بدمشق وبيروت، وبالتالي أصبحت هي الرئة التي يسحب الهلال الشيعي ( قم - الضاحية الجنوبية ) أنفاسه من خلالها، وهي خزان النفط الذي تستقتل روسيا عليه، كما تعد الحد الفاصل بين مناطق سيطرة عصابات قنديل الكردية الانفصالية ومناطق النظام المدعوم روسياً". 
أما المحلل السياسي "سعد الشارع" فيرى أن روسيا لا تحاول تعزيز وجودها في دير الزور، فهي متواجدة أساساً بقوة هناك، ووصول إيران وميليشياتها إلى محافظة دير الزور وإلى مدينة البوكمال تحديداً كان بضمانة روسية بعد  ما سمي بتفاهمات كيري - لافروف التي ضمنت فيها روسيا تقريباً الوجود الإيراني في ديرالزور بعدم المشاغبة، لكن يبدو أن إيران كان لها قرار أو رأي آخر في هذه المنطقة، فهي المنطقة الوحيدة التي زارها سابقاً قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مرتين - في مدينة البوكمال تحديداً - وألقى ما سمي "خطاب النصر" في تلك المنطقة، لذلك فإن وجود ميليشيات أسد وإيران وروسيا في تلك المنطقة هو ضمن "توازنات جغرافية" إن صح التعبير جغرافياً. 
والجدير بالذكر، أن روسيا تحاول في الفترة الأخيرة تعزيز قواها في دير الزور بشكل ملفت، حيث تضاربت الأنباء حول المراد الروسي من ذلك، بين الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما خالفه "الراوي" وعده "تدافع روسي إيراني بدأ يطفو على السطح في معظم المناطق السورية، والذي لم يصل بعد إلى مستوى الصدام العسكري المُعلن، إلا أنه بات في المنطقة الشرقية أكثر وضوحاً، ولا أضعه إلا باتجاه خنق إيران والتضييق عليها بتنسيق أمريكي روسي إسرائيلي، بعد أن قررت أمريكا إنهاء دور أداة الفوضى الإيرانية في سوريا والعراق، وفرض سيطرة روسيا على المنطقة الشرقية وقطع الطريق على إيران وحزب اللات". 
بينما اعتبر "الشارع"، أن "موضوع سيطرة روسيا على منابع النفط سواء يوجد انتخابات أمريكية أو لا يوجد مستبعد في هذه الفترة، لأن أهم حقول النفط والغاز في سوريا تتموضع في منطقة شرق الفرات، وهي المنطقة التي تتمركز فيها القوات الأمريكية، لذلك فإن أي تحركات في تلك المنطقة، يجب أن تكون تحت الوصاية الأمريكية بشكل كامل، وبقاء القوات الأمريكية تحديداً عند منابع النفط والطاقة أعلن عنه ترامب ضمن سياسة أمريكا الأخيرة بعد التعديلات التي طرأت على هذه السياسة بقوله: سنبقى  لحماية هذه الآبار، والمقصود بهذا ليس حماية آبار النفط بل لأنهم يدركون تماماً أن أي عملية استقرار وبناء في سوريا لا يمكن لحكومة أسد أن تقوم بها دون النفط والغاز، ولهذا السبب عندما تصرح روسيا أو تتوارد أنباء عن أنها تريد السيطرة على هذه المنابع فأنا لا أعتقد ذلك، إلا إذا كان بموجب اتفاق روسي أمريكي، وهذا مستبعد في الوقت الحالي، وربما علينا الانتظار أكثر حتى تتبين سياسة بايدن اتجاه الملف السوري واتجاه النفوذ الإيراني في سوريا". 
ولا يقتصر طمع الأطراف بالثروات الموجودة فقط؛ بل لأنها منطقة زراعية وتحتوي على أغلب مصادر الطاقة في سوريا، بالإضافة للخزان المائي الأكبر في بلاد ستحتاج لأي مصدر لتقف على قدميها من جديد، وستبقى محل تجاذب بين الأطراف لكنه تجاذب منضبط أي في إطار التجاذب الناعم، والجمر ما يزال في المنطقة تحت الرماد بانتظار ما يقرره (الأمريكي) القادم، وسياساته حول الملف السوري. 
وتعتبر المنطقة الشرقية وتحديداً دير الزور نموذجاً مصغراً لما هو الحال عليه في كامل الرقعة السورية، بسبب طبيعة المحافظة الغنية وموقعها الجيوسياسي والذي يجعل منها حجر الأساس في أي حل سياسي مستقبلي، وركيزة إعادة إعمار سوريا القادمة.