الرئيسة \  تقارير  \  جزء كشمير الخاضع للهند: شعب مصدوم قيد الإقامة الجبرية

جزء كشمير الخاضع للهند: شعب مصدوم قيد الإقامة الجبرية

25.04.2022
إليسا راينهايمر


إليسا راينهايمر – (موقع قنطرة) 19/4/2022
الغد الاردنية
الاحد 24/4/2022
أجرى موقع قنطرة حواراً مع المصورة الصحفية الكشميرية والناشطة مسرات زهرة. وتقول زهرة، 28 عاما، متحدثة عن أحوال جزء كشمير الخاضع للهند والعيش تحت الأحكام العرفية: “إنني أعيش في حقل ألغام”. في ما يلي نص الحوار:
* *
رايهايمر: سيّدة مسرات زهرة، أنت تصوّرين في المقام الأوَّل النساء والأطفال في وطنك. لماذا؟
مسرات زهرة: أنا أريد أن أعطي صوتًا ووجهًا للذين لا صوت لهم. كلُّ امرأة في كشمير تعرف هذا الشعور عندما تودّع في الصباح أباها أو ابنها أو زوجها وهي لا تعرف إذا كانت ستراهم مرة أخرى. النساء في كشمير يتحمَّلن العبء الأكبر من المعاناة. إنهن يفقدن أبناءهن ويتعرَّضن للاغتصاب دون أن يخاف الجناة من أي عواقب. وعندما يتم اختطاف أزواجهن ولا يظهرون من جديد يصبحن محكومات بالانتظار -لبقية حياتهن.
النساء هنا لا يملكن أي شيء ولا يستطعن أن يرثن أي شيء، ولا يُسمح لهن أيضًا بالزواج مرة أخرى. الكثير من النساء في كشمير يعانين من اضطرابات ما بعد الصدمة، مثلما أعاني منها أنا أيضًا. لقد رأيت الكثير جدًا من الدماء والكثير جدًا من الجثث ونساءً وأطفالًا يبكون.
أنت أوَّل مصوّرة صحفية في كشمير. فما هي العقبات التي كان عليك تخطيها من أجل الانخراط في هذا العمل؟
زهرة: كان عليَّ أن أخترق سقفًا زجاجيًا عندما بدأت العمل في العام 2016. لم تكن في كشمير نساء يعملن كمصوّرات وصحفيات ويقمن أيضًا بتوثيق الاشتباكات بين الجنود الهنود والثوار. كان الناس في القرى يحدّقون في وجهي وكنت أتظاهر في البداية بأنَّني لا أفهم اللهجة المحلية وأنَّني أتيت من مكان آخر حتى أستطيع أن أعمل بسلام ولا أضطر إلى الإجابة عن أسئلتهم الكثيرة جدًا. لكنَّ الشيء الأصعب كان بشكل خاص سيري في هذا الطريق ضدَّ إرادة أبي وأمي.
لماذا أراد والداك منعك من الانخراط في هذا العمل؟
زهرة: أنا من أسرة محافظة. وكانت أمي تُفضّل رؤيتي متزوجة. وإذا كان بإمكاني الدراسة في الأساس فيجب أن أدرس الطب. أمَّا أن أكون صحفية فكان هذا بالنسبة إليهما شيئاً خطيراً جدًا. كنت أقرأ في الخفاء كتبًا عن التصوير الفوتوغرافي ولم أخبرهما أيضًا بأي شيء عن امتحان القبول في الجامعة. ولحسن الحظ، كان لديّ أستاذ جاء إلى منزلنا وحاول تغيير رأي أبي وأمي. ومع ذلك استغرق الأمر سنين حتى تقبَّلا عملي.
كانت أمي تشتكي باستمرار من أنَّ عملي خطير للغاية، وكان أخي يشكو من أنَّ الصحافة مهنة غير لائقة للمرأة لأنَّني كنت أبقى في الخارج بعد حلول الظلام. وقد أخذ والداي مني الكاميرا والحاسوب المحمول أكثر من مرة. وذات مرة تشاجرنا كثيرًا لدرجة أنَّني خرجت من البيت في الليل وأنا حافية القدمين مثلما كنت. وبقيت عند إحدى عماتي بعض الوقت. ثم واصلت عملي ببساطة.
شعب كله تحت الإقامة الجبرية
في شهر آب (أغسطس) 2019، أقدمت الحكومة الهندية على إلغاء وضع الحكم الذاتي لمنطقة كشمير وعزلتها عن العالم الخارجي لتسعة أشهر. فكيف كانت الحياة بالنسبة لك خلال هذا الإغلاق لعدة أشهر؟
زهرة: كان ذلك إقامةً جبرية مفروضة على الشعب كله، وتعتيمًا تامًا -من دون شبكة هاتف ولا تلفزيون ولا إنترنت- طيلة ثمانية أشهر. هل يمكنك تصوُّر ماذا يعني ذلك بالنسبة لي كصحفية؟ لم نكن نعرف حتى أين ستخرج المظاهرة التالية، وكنا نكتشف ذلك بالصدفة. وكان يتم نقل المعلومات شفويًا، ولم تكن توجد لدينا وسيلة أخرى. ومع أنَّ الحكومة الهندية أنشأت مركزًا إعلاميًا، فإنه لم يكن يوجد هناك سوى أربعة أجهزة حاسوب لجميع الصحفيين من جميع أنحاء كشمير.
وكان أحد هذه الأجهزة مخصصًا لدعاية الحكومية الهندية، واثنان للصحفيين وجهاز واحد فقط للصحفيات. ولم يكن لدينا سوى خمس عشرة دقيقة في اليوم لكلّ شخص لتفقُّد البريد الإلكتروني وإرسال المقالات أو الصور إلى أقسام التحرير. وكنا نقف كلَّ يوم في طوابير طويلة أمام المبنى وفي جميع الأحوال الجوية. وبسبب إيقاف وسائل النقل العام المحلية جزئيًا عن العمل، كان يجب على جميع مَنْ لا يملكون دراجة آلية أو هوائية السير على أقدامهم إلى هناك.
عشت عامًا في هامبورغ بمنحة من “مؤسَّسة هامبورغ للمضطهدين سياسيًا”. ما هو أكثر شيء فاجأك في ألمانيا؟
زهرة: كان من غير المعتاد بالنسبة لي عدم رؤية جنود في الشوارع. فكشمير هي أكثر منطقة فيها انتشار عسكري في العالم، حيث يوجد لدينا جندي واحد مسلَّح مقابل كلّ سبعة أشخاص. كنتُ في طفولتي ألمس فوَّهات بنادق الجنود ولم أفهم مدى خطورة هذا العمل إلَّا في مرحلة متأخرة. وقبل مجيئي إلى ألمانيا، لم أكن أعرف إلَّا هذه الحياة فقط، والتي كانت طبيعية بالنسبة لي. لم يسبق لي أبداً وأن تواجدتُ خارج كشمير والهند.
أمَّا في ألمانيا فيمكنك المشي في الشوارع والتنفُّس بحرّية من دون خوف. في هامبورغ، أوقفتُ درَّاجتي ذات مرة في المكان الخطأ واضطررت للذهاب إلى الشرطة من أجل استعادتها. وكنت متوترة جدًا. لكنهم كانوا ودودين ومهذَّبين معي، ابتسموا في وجهي وقدَّموا لي مقعدًا للجلوس. وكان عليّ إظهار هويَّتي فقط ثم استعدت درَّاجتي.
لقد عرضت خلال فترة إقامتك في هامبورغ صورًا وتحدَّثت عن المعاناة في كشمير.
زهرة: نعم، كان لديَّ -على سبيل المثال- معرض في مدرسة بوسيريوس للقانون في هامبورغ وكنت هناك من أجل الافتتاح. وفي اليوم نفسه، أوقفت الشرطة في كشمير سيَّارة وقتلت بالرصاص ثلاثة شبان كانوا بداخلها. كانوا غير مسلحين. مثل هذه الأشياء تحدث كلَّ يوم تقريبًا، والناس يرسلون لي عبر موقعي تويتر وإنستغرام الأخبار والصور ومقاطع الفيديو. الشعب في كشمير مصاب كله بصدمة نفسية -لكن العالم لا يهتم بذلك. أنتم الألمان تعرفون صوف كشمير ولكنكم لا تعرفون أي شيء عن صراع كشمير.
عشتُ مرحلة أردت فيها التوقُّف
كان سينتهي بك المطاف قبل عامين إلى السجن بسبب عملك. فكيف حدث ذلك؟
زهرة: أنا أنشر صوري أيضًا في وسائل التواصل الاجتماعي حتى يراها العالم كله. وهذا لا يعجب الهنود. إنهم يريدون إسكاتنا نحن الصحفيين حتى لا يعود أحد يكتب عن الفظائع التي تحدث كلَّ يوم في كشمير. ومَنْ ينشط على موقع تويتر تتم مراقبته بشكل دقيق. في شهر نيسان (أبريل) 2020، قامت الشرطة باستدعائي. وقالوا لي أنه يجب عليّ أن أتوقَّف عن نشر صوري على الإنترنت. أومأتُ لهم برأسي وفي اليوم التالي واصلتُ عملي. أنا لا أدعهم يخيفونني.
وبعد ذلك ظهر اسمك في قائمة تحتوي في العادة على أسماء إرهابيين
زهرة: نعم، ادَّعت الحكومة الهندية أنَّني أنتهك بصوري سيادة الهند وسلامتها -وبحسب قانون منع الأنشطة غير المشروعة يُعاقَب على هذا العمل بالسجن عدة سنوات. وكان يجب عليَّ الذهاب إلى الشرطة من جديد، وعندما ودَّعت أمي، عانقتها وقلت لها “أراك قريبًا”. لم أخبرها إلى أين أنا ذاهبة. وكان يجب عليَّ أن أسيطر على نفسي حتى لا أبكي، بسبب اعتقادي بأنَّني لن أراها مرة أخرى. وكنتُ متأكّدة من أنَّهم سيعتقلونني. وكنت خائفة جدًا.
وماذا حدث بعد ذلك؟
زهرة: دعمتني نقابة الصحفيين في وطني، وفجأةً أصبح لديَّ أربعة وعشرون ألف متابع جديد على موقع تويتر. وهكذا انتبهت إلي منظمة العفو الدولية وعملت من أجلي. ثم تم ترشيحي بعد بضعة أسابيع لجائزة آنيا نيدرينغهاوس (جائزة للمصوّرات الشجاعات)، وتلقيتها في العام 2020. وقد ساعدني المجتمع الدولي في حمل الحكومة الهندية على إسقاط الدعوى. وهنا أدرك والداي أخيرًا أيضًا أنَّ ما أفعله مهم. وقالت لي أمي في ذلك الوقت: “أنت لم تعودي ابنتي وحدي، بل أنت الآن ابنة كشمير كلها”.
ومع ذلك، ما يزال الوضع بالنسبة لك خطيرًا مثل السابق. هل فكَّرت مرةً في التوقُّف عن العمل؟
زهرة: نعم، لقد مررت بمثل هذه المرحلة حقاً. أنا وعائلتي شيعة وننتمي بالتالي إلى مجتمع أقلية، بينما معظم سكَّان كشمير من السنَّة. وقد نشرت الحكومة الهندية إشاعة تفيد بأنَّ الشيعة يعارضون كفاح الكشميريين من أجل الحرّية. وهنا ظهرت إشاعة تفيد بأنَّني أعمل مخبرة عند الشرطة الهندية، وتلقَّيتُ تهديدات فظيعة من أشخاص عاديين، وخاصة عبر الإنترنت. مثل: “سيتم اغتصابك؛ أنت عاهرة؛ بيت عائلتك سيحترق”.
كان ذلك بالنسبة لي بمثابة صدمة ونقطة فكَّرت فيها بالتوقُّف عن عملي. أخي ساعدني وذهب معي إلى الشرطة حتى أتمكَّن من تقديم بلاغ. ولكنَّني في النهاية سحبت هذا البلاغ لأنَّني أعرف ماذا يفعلون بالناس في السجون، حيث يتم تعذيبهم والتنكيل بهم. قلت لنفسي: عندما يدخل هذا الرجل السجن، فستجلس أمُّه في المنزل تبكي عليه.
لا هدوء ولا انفراج في كشمير
أعلنت الهند وباكستان بشكل مفاجئ في شهر آذار (مارس) 2021 وقف إطلاق النار. هل بدأت بذلك مرحلة من الهدوء والانفراج في كشمير؟
زهرة: لا على الإطلاق! منذ صيف العام 2019 ازدادت حدة الوضع بالنسبة للكشميريين. في كلّ يوم تقريبًا يتم اختطاف أشخاص أو قتلهم بالرصاص بشكل تعسّفي على يد الجنود الهنود. ويتم باستمرار سجن المزيد من الصحفيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، مثل شخص أعرفه اسمه خُرام بارويز -لن أراه مرة أخرى على الأرجح. وحتى قبل العام 2019، اتَّسمت الحياة اليومية بالنسبة لنا نحن الكشميريين بالرعب. لكن الصراع وصل الآن إلى مستوى لم يعد يتعلق الأمر فيه بالعدالة.
إنه يتعلق فقط بحصول الناس على الأقل على جثث ذويهم وأحبائهم. كان المحتلون (الجنود الهنود) يقتلون الناس في كشمير حتى قبل العام 2019، لكن العائلات كانت على الأقل قادرة على دفن الموتى بكرامة. أمَّا اليوم فلم يعد يتم حتى تسليم الجثث لأهل الموتى.
أنت تتحدَّثين كثيرًا حول الهند، ولكن ما هو الدور الذي تلعبه باكستان؟
زهرة: لا أريد الحديث حول ذلك. نعم، أنا أتلقَّى تهديدات من الجانب الباكستاني أيضًا. ظهرت صورة لي مع تهديد بالقتل في حساب على وسائل التواصل الاجتماعي خاص بجماعة إرهابية باكستانية. غير أنَّ الإسلاميين أعلموني أنَّ هذا الحساب مزيَّف. وقالوا إنَّه على الأرجح من عمل الحكومة الهندية التي تريد إلصاق التهمة بالباكستانيين. وقالوا أيضًا أنه يجب عليَّ أن أتوخى الحذر.
لقد عرضت عليك الشرطة الهندية حماية شخصية
زهرة: لكنني رفضتها. أنا أعيش في حقل ألغام، وسيكون من شأن وجود الحرَّاس الشخصيين الهنود التشكيك في استقلاليتي فحسب، بحيث يعتقد الجميع أنَّني أقف إلى جانب الهند.
ما الذي يجب أن يحدث بحسب رأيك حتى يتحسَّن الوضع السياسي؟
زهرة: يجب على المجتمع الدولي أن يمارس المزيد من الضغط على الحكومة الهندية حتى تتوقَّف انتهاكات حقوق الإنسان ضدَّنا نحن الكشميريين. ويجب أن يتم أخيرًا إجراء استفتاء مثلما وعدتنا الأمم المتَّحدة. نحن ننتظر ذلك منذ أكثر من سبعين عامًا ونطالب بحقّنا في تقرير مصيرنا. وهذا لا يتعلق بالنسبة لنا بالأرض فقط، بل يتعلق بالهوية.
أنا أحمل جواز سفر هنديًا وبغير ذلك سأكون من دون جنسية، ولكنني لا أشعر بأنَّي هندية -أنا مسلمة كشميرية. وأحلم بكشمير لا تتبع الهند ولا باكستان، بل تكون مستقلة.
*إليسا راينهايمر: صحفية ألمانية. ترجم الحوار عن الألمانية رائد الباش.