الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جردة حساب سورية بعد سليماني

جردة حساب سورية بعد سليماني

13.01.2020
مصطفى فحص



قناة الحرة
الاحد 12/1/2020
لم يكلف الرئيس الروسي نفسه عناء الوصول إلى قصر المهاجرين ـ مقر إقامة بشار الأسد ـ بل قام باستدعائه إلى مقر قيادة العمليات العسكرية الروسية في جبل قاسيون، ولم يكن إلى جانبه غير وزير دفاعه الذي يبدو من مضمون الصورة أن جلوسه على كرسي أضيف بشكل عاجل إلى طاولة القيصر، حيث كان حضوره لا يختلف عن غيابه.
العنجهية الروسية كانت واضحة، ليس فقط في مضمون الزيارة، بل في شكلها الذي تجاوز كل الاعتبارات والأعراف الدبلوماسية، وتحول فيها رأس النظام إلى مرافق سياحي لرئيس دولة تمارس انتداباً مسلحاً على شعب يتعرض لعملية إبادة ممنهجة على يد قواتها.
والمفاجأة أن ردة الفعل على شكل الزيارة جاءت من طهران على لسان عضو مجلس الشورى الإيراني علي مطهري، الذي قال: "سلوك الرئيس بوتين في زيارته إلى سوريا كان مهيناً مثل سلوك الرئيس دونالد ترامب في زيارتيه إلى أفغانستان والعراق، بوتين بدلاً من زيارة الأسد في مقر الإقامة (الرئاسة)، جلس في القاعدة العسكرية الروسية في سوريا كي يلتقيه، قدم الآخرون الشهداء، وروسيا المستفيدة".
تراقب موسكو بحذر مناطق مثل درعا التي يفقد النظام السيطرة الفعلية عليها نهاراً وليلاً
سياسياً، يعكس موقف النائب مطهري حجم الارتياب الإيراني من زيارة بوتين في هذا التوقيت الصعب، وهي تخشى من محاولات موسكو فرض مزيد من السيطرة على سوريا الروسية على حساب سوريا الإيرانية ضمن صراع الحلفين على ما يسمونها سوريا المفيدة التي هندسها قاسم سليماني ويحاول فلاديمير بوتين الاستحواذ عليها.
ففي اليوم الثاني لمقتل سليماني، كان القيصر الروسي في طريقه إلى الاجتماع بالسلطان التركي، إلا أن حدثاً بمستوى قتل قائد فيلق القدس فرض نفسه على رحلته، وحتى لو كان قرار زيارة دمشق قد اتخذ قبل مقتل سليماني أو أنه جاء نتيجة لهذا الحادث، إلا أنه فرض جدول أعمال جديد على رحلة بوتين ليس فقط في دمشق بل حتى في المحادثات التي أجراها القيصر في إسطنبول والتي سيجريها في تل أبيب.
في دمشق واجه بوتين مخاطر غياب مهندس تدخله العسكري في سوريا، وحصر كلفتها بالتدخل الجوي والتزام التغطية الميدانية تعويضاً عن فشل قوات الأسد في سد الفراغات الميدانية، فبالنسبة للروس نجح سليماني بخوض حرب عصابات غير تقليدية فرضت انتصاراً مؤقتاً يرتبط بمعادلات إقليمية ودولية قد تشهد تحولات تدريجية نتيجة لحادثين: اغتيال سليماني ودخول قانون قيصر حيّز التطبيق.
سيؤثر الحادثان مباشرة على العلاقة مع أنقرة، الضلع الثالث في تحالف التناقضات الروسي الإيراني التركي، المحافظة على التوازنات المتناقضة لدى هذا الحلف باتت تشترط تدخلاً روسياً أكثر فاعلية على الأرض في المرحلة المقبلة لعدة أسباب، من أهمها القلق الروسي من أن تختار طهران سوريا مكاناً للاحتكاك الخشن مع واشنطن وتل أبيب في حال تصاعد الضغط الأمريكي عليها أو من أجل احتواء غياب سليماني وتراجع إيران نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية، ما يفرض إعادة انتشار روسية أوسع في المناطق التي تشرف عليها إيران وكانت موسكو تتجنب القيام بهذا الدور حتى لا تنزلق أكثر في المستنقع السوري.
تراقب موسكو بحذر مناطق مثل درعا التي يفقد النظام السيطرة الفعلية عليها نهاراً وليلاً، وقد امتدت هذه المعادلة إلى مناطق واسعة من الغوطة، حيث يغيب النظام في الليل، وتصنف بيئة هذه المنطقة بالمعادية للوجود الإيراني، وهي ستنقلب على الروس عندما يحاولون تعزيز حضور النظام فيها أو عبر ميليشيات سورية تخضع لرعايتهم، وهذا ما يحدث الآن في ريف حماة وحلب وإدلب حيث تواجه موسكو بيئة سورية معادية لوجودها ولوجود الميليشيات المرتبطة بها.
يعكس موقف مطهري حجم الارتياب الإيراني من زيارة بوتين في هذا التوقيت الصعب
في المقابل، فإن موسكو تربط علاقتها مع أنقرة في مستقبل الشمال السوري الذي يعيش على واقع معركة إدلب، إلا أن هذه العلاقة المضطربة بين الطرفين محكومة بمجموعة عوامل إستراتيجية واقتصادية، فالمواجهة غير المباشرة بينهما في إدلب وليبيا تدخل عليها عوامل جديدة في مقدمتها ضمان الوصول الآمن للغاز الروسي إلى أوروبا عبر أنبوب السيل التركي الذي بات حاجة روسية ملحة بعد حزمة العقوبات الأخيرة التي فرضتها إدارة البيت الأبيض في 21 ديسمبر الفائت على خط السيل الشمالي 2 الذي يمر تحت بحر البلطيق ويلتف على أوكرانيا باتجاه أوروبا الغربية عن طريق ألمانيا.
في مرحلة ما بعد سليماني وإمكانية تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، ستقع الأزمة السورية على عاتق موسكو التي تفتقد للإمكانية العسكرية واللوجستية في ملء الفراغ الإيراني، كما أنها ستواجه معضلة تطويع السوريين وإخضاعهم في مرحلة خلط أوراق إقليمية ودولية طويلة الأمد تتجنبها موسكو وتحاول الوصول إلى تسوية إقليمية مع اللاعبين الإقليميين تفادياً للوقوع مستقبلاً في فخ الأفغنة.