الرئيسة \  تقارير  \  “جاكوبين”: التنديد بعدوان روسيا وغض الطرف عن الاحتلال الإسرائيلي.. كيف يبرر الغرب هذا التناقض؟

“جاكوبين”: التنديد بعدوان روسيا وغض الطرف عن الاحتلال الإسرائيلي.. كيف يبرر الغرب هذا التناقض؟

25.04.2022
عبدالرحمن النجار


عبدالرحمن النجار
ساسة بوست
الاحد 24/4/2022
أعد الكاتب والمؤلف، برانكو مارسيتيتش، مقالًا نشره موقع مجلة “جاكوبين” إنه في نهاية الأسبوع الماضي، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي جولة أخرى من القمع الوحشي بحق الفلسطينيين، فهاجمت المدنيين العزل بكل شيء بدءًا بالغاز المسيل للدموع إلى الذخيرة الحية، وارتكبت جرائم حرب فجة. ولكن في هذه الحالة، فإن مرتكب الجريمة حليف للغرب.
وأوضح مارسيتيتش أن بعد عام من تحول الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى إلى حرب دامت 10 أيام على قطاع غزة، يعيش العالم الأحداث نفسها مجددًا. خلال عطلة عيد الفصح، داهمت القوات الإسرائيلية المسجد، وأطلقت الرصاص وقنابل الغاز واعتدت على المرابطين والمصلين وغيرهم من المدنيين بشكل عشوائي، مما أوقع أكثر من 150 جريحًا يوم الجمعة الماضي وحده، بما في ذلك الصحفيون والمسعفون.
هل ينقلب السحر على الساحر وتقود “أم الفحم” انتفاضة فلسطينية جديدة؟
رد المصلون بوضع حواجز خشبية وإطلاق الألعاب النارية على القوات المهاجمة. وكان جزء من الاتفاق الذي تم بعد حرب عام 1967، أن يقع مجمع المسجد – بما يمثله من أهمية دينية لجميع الأديان الثلاثة – تحت إدارة الحكومة الأردنية، التي اتهمت إسرائيل باتخاذ تدابير استفزازية غير قانونية للسماح للمصلين اليهود بدخول الموقع بعد حملة القمع، وهو تصرف وصفه قاض إسرائيلي بغير القانوني العام الماضي. تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الهجمات على المواقع الثقافية وأماكن العبادة مجرمة بموجب القانون الدولي.
ويؤكد مارسيتيتش أن هناك مخاطر حقيقية من شن إسرائيل حربًا أخرى على غزة، وهو مصطلح مضلل إلى حد ما، لأن الخلل الواسع في القدرة العسكرية يعني أن مثل هذه الحروب تكون عشوائية وتقتصر على قصف غزة بشكل عشوائي من الجو. شنت إسرائيل حربين من حروبها الأربعة الأخيرة ضد غزة خلال رمضان، بما في ذلك العام الماضي، التي بدأت بعنف في المسجد الأقصى، قبل أن تتحول إلى حملة قصف قتلت ما يقرب من 200 مدني فلسطيني. وقد يتكرر الأمر الآن، حيث تتصاعد الاحتجاجات والعنف، خاصة مع بدء الفصائل الفلسطينية استئناف هجمات الصواريخ على إسرائيل، التي كانت متوقفة منذ شهور.
يعد العنف الحالي نتيجة للعديد من العوامل. إذ دفعت سلسلة من الهجمات، التي وصفها الكاتب بـ”الإرهابية”، ضد الإسرائيليين، والتي خلفت 14 قتيلًا، بما في ذلك إطلاق النار في ملهى تل أبيب في مطلع أبريل، رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لإعطاء قواته المسلحة حرية العمل الكاملة لهزيمة الإرهاب. أدى ذلك بدوره إلى قتل الفلسطينيين من قبل القوات الإسرائيلية. بيد أن بينيت ليس في وضع قوي سياسيًّا الآن، بعد أن فقد أغلبيته البرلمانية. على عكس سلفه بنيامين نتنياهو عندما أمر بنفس أنواع الغارات العام الماضي. وفي الوقت نفسه، هدد المتطرفون الإسرائيليون بذبح القرابين داخل الأقصى، منتهكين الحظر على العبادة اليهودية في الموقع.
لكن السبب الأعمق للعنف الحالي هو نفس العامل الذي أدى إلى الغارات الإسرائيلية في العام الماضي: احتلال إسرائيل غير القانوني المستمر لفلسطين وسرقتها التدريجية للأراضي الفلسطينية. إذ جاء صاحب إطلاق النار في ملهى تل أبيب من الضفة الغربية المحتلة، وسبق هجومه ارتفاع في عنف المستوطنين.
كيل فاضح بمكيالين
يؤكد مارسيتيتش أنه لا يمكن للمرء غض الطرف عن تباين استجابة الغرب لهذه الأحداث، بالمقارنة مع الاستجابة التي نسمعها عندما يتعلق الأمر بالحرب في أوكرانيا.
منذ بدء حرب روسيا على أوكرانيا، بدأ المسؤولون الغربيون والمعلقون مثل نعوم تشومسكي بالصراخ، فقد نددوا بالانتهاكات للقانون الدولي والسيادة الإقليمية، مستخدمين مصطلحات مثل الإمبريالية وحرب العدوان، مبدين ميلًا مفترضًا نحو رسم صورة زائفة للمساواة بين المعتدين وضحاياهم، أو حتى إلقاء اللوم، على نحو خاطئ، في اندلاع العنف على الجانبين، موجهين اتهامات واسعة الانتشار بارتكاب جرائم حرب، كما كرسوا ساعات طويلة من البث التلفزيوني للحديث عن الحرب على أوكرانيا.
في هذا المناخ، لم يكن هناك أي حد للإجراءات التي اتخذتها القوى الغربية، حتى مع وجود خطر لاشتعال صراع نووي مع آثاره المحتملة على المدى الطويل. وشملت تلك الإجراءات غير المسبوقة كميات من شحنات الأسلحة والدعم العسكري اللوجستي وغيرها من المساعدات العسكرية لهزيمة روسيا، فضلًا عن عقوبات غير مسبوقة والرقابة الخاصة ضد الروس العاديين الذين لا علاقة لهم بالحرب. ودعا عدد كبير من الأصوات في الغرب إلى بدء حرب مباشرة ضد روسيا، بل وحتى استخدام السلاح النووي، إلى جانب التصريح علنًا بوضع إستراتيجية لتغيير النظام.
ولكن من غير المعقول بأنه وسط هذا التصاعد المفاجئ للتضامن المسلح مع الضحايا الأوكرانيين، لا أحد يدعو إلى تقديم حتى ذرة من نفس النوع من الدعم للفلسطينيين. (بنفس المنطق: إذا تخلى العالم الغربي فجأة عن التمسك بالتسوية التفاوضية للصراع وبدأ بدلًا من ذلك بإعطاء الفلسطينيين دعمًا عسكريًّا لمقاومة إسرائيل، فذلك من المرجح أن يؤدي إلى استجابة عسكرية وحشية ضد الفلسطينيين، مع وقوع أعداد ضخمة من الضحايا من الجانبين، بينما في أسوأ الأحوال قد يؤدي هذا إلى إشعال مواجهة نووية).
لكن الأمر ليس فقط أن الخيارات العسكرية المتهورة غير مطروحة – يستدرك مارسيتيتش – بل إن حتى التضامن الملائم المقدم إلى الأوكرانيين يفتقده الفلسطينيون، الذين تبخرت معاناتهم من الخطب الشائعة حول السيادة الإقليمية والإمبريالية وجرائم الحرب.
وكما جرت العادة دائمًا، يقول الكاتب إن المسؤولين الغربيين تحاشوا تسمية المعتدين في هذه الحالة، مع دعوة كل من وزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي كلا الجانبين أو جميع الأطراف لضبط النفس. هل سمعت أي تصريحات من المسؤولين البريطانيين – الذين أزعجوا العالم بهجومهم ضد روسيا – بشأن تصرفات إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي؟ لا. وفي الوقت نفسه، عادت وسائل الإعلام الغربية إلى نفس أسلوب التغطية التي تسود عادة عندما يتعلق الأمر بالإجراءات الإسرائيلية: ببساطة تتحدث عن اشتباكات لا تلقي اللوم على أي شخص، وتتعامل مع العنف والجرائم الإسرائيلية كما لو كانت أخبار الطقس.
سيغضب الرأي العام بحق إذا تعامل المسؤولون الغربيون مع غزو موسكو لأوكرانيا بهذا الأسلوب، لكن بالنسبة لبعض الصحف وعدد قليل من المشرعين التقدميين، لا يبدو أن هناك حاجة حقيقية للاتساق الأخلاقي والفكرة حول هذه القضية عندما يتعلق الأمر بحليف غربي. إن غزو أوكرانيا كان من الممكن أن يكون لحظة قابلة للتعلم، بالنسبة للجمهور الغربي لتطبيق دروسه على الانتهاكات التي تنفذها وتدعمها حكوماتهم، وضمان العدالة في كل مكان. ولكن يبدو أن هذه الدروس لن تطبق إلا عندما يتعلق الأمر بالبلدان التي يصنفها مسؤولو الغرب بالأعداء.