الرئيسة \  مشاركات  \  ثلاث مشكلات بثلاث إشكالات

ثلاث مشكلات بثلاث إشكالات

13.06.2019
د. محمد أحمد الزعبي




المشكلة الأولى : عود إلى قضية خاشقجي :
بينما كنت اقلب بعض أوراقي القديمة ، عثرت على مشروع مقالة يعود تاريخها الى المرحلة الأولى من أزمة الإغتيال ، وقد حملت تلك المقالة عنواناً يشير الى الصمت العربي والإسلامي على هذه العملية التي تتعارض مع كل من القيم والأخلاق العربية والإسلامية . لقد كانت الأفكار الأساسية لتلك المقالة المنسيّة هي :
إشكالية الخبر العاجل : ذلك أننا كمشاهدين ، بتنا بعد عملية " المنشار" لانرى ولانسمع على شاشات التلفاز، سوى الأخبار العاجلة المتعلقة بالتحقيقات التركية في عملية اغتيال المرحوم جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول ، خبر عاجل ) ، بصورة بدأ هذا المفهوم يفقد أهميته الإعلامية ، بل ومصداقيته عند السامع والمشاهد . علماً أن الإنشغال العالمي في هذه القضية قد فاق كل الانشغالات السابقة والمتعددة باغتيال عدد كبير من الصحفيين والصحفيات ، ولا سيما في كل من العراق وسورية ومصر
ويعود سبب هذا الإهتمام العالمي الكبير بقضية الخاشقجي - برأينا – إلى ارتباط هذه القضية بدول كبرى ثلاث هي تركيا وأمريكا والمملكة العربية السعودية ، وهي دول ، كما لايخفى على أحد ، تمتلك وسائل إعلام متطورة ، وتتلقى أوامرها عادة من أعلى سلطة في الدولة ، ذلك أن النظامين في إمريكا وتركيا هما نظامان رئاسيان ، وفي السعودية نظام ملكي غير دستوري . هذا مع العلم أن العلاقات بين كل من أمريكا والسعودية مع تركيا ليست ودية ، في حين أنها بين أمريكا والسعودية سمن على عسل . بل ويعتقد الكاتب أن اختيار اسطنبول بالذات لتنفيذ هذه العملية الهمجية ، كان موجهاً ضد أردوغان شخصياً ، ولعل هذا هو السبب في استعصائها على الحل ، حتى هذه اللحظة ، بل ولربما باتت مرشحة للطي والتجاوز والنسيان ، ولا سيما في ظل التحالف غير المرئية أبعاده بين ترامب وبوتن من جهة ، وترامب ومحمد بن سلمان من جهة ثانية ، وترمب ونتنياهو من جهة ثالثة ،
إن مطالبة البعض بتشكيل لجنة دولية ( من الأمم المتحدة ) ، لمتابعة التحقيق في هذه القضية ، إنما يعني تطبيقياً ، طمس هذا الموضوع ، بعد إزاحة الدور التركي منه ، حيث سيتولى البترودولار تحقيق ماعجز الجميع عن تحقيقه ، أعني دفن الموضوع كاملاً الى جانب جثة المرحوم الخاشقجي ، الذي يعرف السعوديون وحدهم مكان هذه الجثة ، وعندها سيتفرغ كل من ترامب ومحد بن سلمان وبوتين على مانظن ( وإن بعض الظن إثم ) لمحاولة دفن حزب العدالة والتنمية في تركيا ، إلى جانب جثة الخاشقجي ، كونه حزباً إسلامياً تتعارض قيمه الإسلامية ، مع قيمهم البترودولارية ، وليست نتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة في تركيا عامة ، وفي اسطنبول خاصة ، سوى قمة جبل الجليد الذي لم تتكشف أبعاده بعد .
المشكلة الثانية ، البنتاغون العربي ، وبنتاغون مجلس الأمن الدولي :
البنتاغون مفهوم هندسي يشير إلى شكل هندسي ذي أضلاع خمسة ، وتشير إضافة الصفة اللاحقة لهذا المفهوم ، إلى الدول الخمسة الملحقة بكل من هذين المفهومين ،أما بنتاغون مجلس الأمن الدولي ( عنوان الخاطرة الثانية ) فيتكون من دول الفيتو النووية الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، وهي : الولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا الإتحادية ، المملكة المتحدة ، فرنسا ، والصين الشعبية . في حين يتكون البنتاغون العربي ( أيضاً عنوان الخاطرة الثانية ) من : المملكة العربية السعودية (م ب س )، جمهورية مصر العربية ( ع ف السيسي ) ،الإمارات العربية المتحدة ( م ب ز ) الجمهورية العربية السورية ( بشار بن حافظ الأسد ) ، ويبقى التزاحم قائماً لملئ الضلع الخامس من البنتاجون العربي بين : المملكة الأردنية الهاشمية ، وسودان ( المجلس العسكري) ، وقطر .
يتميز البنتاجون الأول بأنه المالك العالمي الرئيسي للتكنولوجيا ( التقنية ) المتطورة في العالم ، وبالتالي فإن مصالحه الوطنية تتمثل في فتح أسواق الدول غير المتطورة التي لاتملك هذه المنتجات ، من جهة ، ولكنها تملك ثمنها عداً ونقداً من جهة اخرى ، وهي هنا بصورة أساسية الدول النفطية التي تمثل العمود الفقري لل ( البنتاجون العربي) ، وفي مقدمتها (مملكة م ب س ) و( إمارة م ب ز ) ، و ( إمارة تميم بن حمد آل خليفة ) ، الذين يمكنهم به شراء منتجات بنتاغون مجلس الأمن الدولي ( الذين سبق أن ذكرناهم ) المدنية والعسكرية ، مقابل أن نقوم يفوم هذا البنتاغون ، بمهام الثورة المضادة للربيع العربي وبالتالي حمايتهم من عدوى هذا الربيع ، وأيضاً من الفيروسات الخاشقجية (!!) التي لايرغبونها . إن التداخل بين مصالح هذين البنتاغونين ، ولا سيما بعد غياب الإتحاد السوفييتي عن ساحة مجلس الأمن في نهاية ثمانينات القرن الماضي ، اقتضي ( وهذا من وجهة نظر الكاتب ) تكليف بوتين / روسيا الإتحادية ( نيابة عن الجميع ) بحماية نظام بشارالأسد ، الذي يقوم هو أيضاً( نيابة عن البنتاغونين ) باستكمال مهمة أبيه حافظ في حماية إسرائيل ، ومنع وصول الإسلاميين إلى السلطة في سورية .
إن مارأيناه ونراه في مجلس الأمن ، من قرارات وبيانات رئاسية ، حول دول الربيع العربي عامة ، وحول سورية خاصة ، سواء منها ماوقع فريسة للفيتو الروسي المصطنع ، أو مافلت منه ، سواء ما صدر تحت الفصل السادس أوالفصل السابع (!!) ، فإنها بقيت جميعها حبراً على ورق ، وهو ماينطبق على كل القرارات التي صدرت حول القضية الفاسطينية ، منذ عام 1947 وحتى اليوم .
المشكلة الثالثة : ماحدث ويحدث في السودان :
إن ماحدث صبيحة هذا اليوم ( الإثنين 3/6/2019 م الموافق 29 رمضان 1440 هج) ، من لجوء المجلس العسكري في الخرطوم إلى فض الإعتصام الشعبي بالقوة ، وباستخدام الرصاص الحي ، بحيث وصل عدد ضحايا هذه العملية المؤسفة والمؤلمة إلى 30شهيداً و116 جريحاَ ، إنما يذكرني بالدور المؤسف والمؤلم الذي سبق أن مارسه الجيش السوري ( العقائدي !! ) ضد ثورة آذار السورية عام 2011 . وكنت ـ كمواطن عربي ـ أتمنى أن يكون الجيش السوداني قد استفاد من التجربة السورية ، ومن تجارب دول الربيع العربي الأخرى ، ولكن مابينته وتبينه أحداث 29 رمضان 1440 هج في الخرطوم ، أن من استفاد من أحداث سورية وأحداث الربيع العربي ، هم جماعة البنتاغون العربي المذكورين أعلاه . وليس الجيش السوداني . ولعل مقارنة ماقام به المجلس العسكري في السودان في الأمس واليوم ، مع ماقام به الجيش " العقائدي " في سوريا ( منذ عام 2011 وحتى اليوم ) من تدمير وقتل وتهجير طال نصف الشعب السوري ، يسمح للمجلس العسكري السوداني ولرعاته الإقليميين المعروفين عربياً ودولياً ، بأن يجادلوا بأن ماقاموا به في الخرطوم ( 30 شهيداَ فقط !!)، مقارنة بما قام به بشار الأسد في سورية ( مليون شهيد )، يعتبر وفق رؤيتهم أمراً مايزال في حدود المعقول والمقبول ، الف إشارة تعجب واستفهام واستنكار ..