زهير سالم*
أثر الابتداع في الدين في الجرح والتعديل...
حديث عن المعطلة في ثوبيهم القديم والجديد...
السؤال الذي سنعالجه في هذه المقالات هو ما هو أثر الابتداع في الدين، في مناهج علماء الجرح والتعديل؟؟ هل قبلوا رواية المبتدع مطلقا؟؟ أو هل رفضوها مطلقا؟؟ أو كانت لهم في ذلك معالم وحدود وشروط؟؟
وقدمنا في مقال سابق أن السلف حين يتحدثون عن الابتداع يقصدون، الابتداع العقيدي. وأن أشهر فرق أهل البدعة التي انتشرت في القرنين الثاني والثالث هي فرق المعطلة – والمشبهة- والمرجئة- والقدرية – والجبرية- وأهل الغلو من الخوارج، وأهل الغلو من الرافضة.
ولا أدري إن كان المقام يسمح بالتعريف بهذه الفرق التي نبتت كالشوك على ضفاف دعوة الإسلام الدين الحنيف الخالص؟؟ و الحديث عن هذه الفرق من الناحية العقيدية، مبسوط في مظانّه في كتب الفرق. وكتب العقائد أي علم الكلام. ولكنني سأجتزئ قدر الإمكان، قبل أن أجيب على السؤال الأهم المطروح في السياق.
المعطلة: قوم زعموا تنزيه الله. فنزهوه تنزيه تعطيل ونقص، وليس تنزيه إيجاب وكمال. وما أقبح الإنسان يعتقد النقص كمالا!!
نزهوه ، تعالى الله، حتى عن الأسماء والصفات والفعل والتدبير. وأنه تعالى لعلوه وتساميه فوق أن يقدر ويدبر. وفوق أن يكون قريبا قرب رحمة وود ولطف من مخلوق ضعيف أو كما يقولون حقير!! وهذا قول سبق إليه أرسطو من قبل ألف عام : بأن الله جلّ أن يفعل. وجل وهو خالق الأكوان أن يعنى بشأن الخلق. وأنه تعالى خلق الخلق، وخلق ما سماه أرسطو "العقل الأول" وأسند إليه أمر تدبير العالم. ستجد ظلال هذه النظرية الأرسطية، في إسناد تدبير العالم للعقل الأول، عند العديد من الفرق، استعارها بعض الرافضة، فقالوا بنظرية الأئمة الذين يدبرون الوجود نيابة عن الله. وأن أسماء أئمتهم محفورة على قوائم العرش. وأنهم مختارون معصومون.. واستعارها بعض المتصوفة فقالوا بنظرية القطب والأوتاد والأبدال الذين "يدبرون الأكوان" نيابة عن الله!!
الله ،جل الله، عند المعطلة مجرد وجود سببي، يحال عليه الخلق هو "العلة الأولى". ويعزل عن الأمر، وحتى تنكر عليه الأسماء والصفات، بطريقة لولبية متسفلة.
هل سمعتم تصريح بابا النصرانية الأخير فرانسيس الأول : الله مجرد فكرة جميلة في القلوب!! فهذا هو التعطيل بعينه. التعطيل هو نوع من الإلغاء العملي لقيّوميّة الله على خلقه. ففي القرآن الكريم (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) القيّوميّة المطلقة على كل ما في الكون. وفيه (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ) (
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ) (وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ما يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) ففي عقيدتنا أهلَ السنة والجماعة لا يسكن ساكن ولا يتحرك متحرك إلا بعلمه وإذنه وإرادته. سبّب الأسباب، ربنا تدبير تنظيم، فالأسباب فاعلة بإذنه وقدرته، لا تنفصل عن قيّوميّته، وقيّوميّته عليها لا تنقطع. ولا تحد. السبب يفعل بأمره وإذنه وتدبيره وقيّوميّته. وليس كالصانع صنع الآلة وغاب عنها كما يزعم المعطلون!! والقدريون
ومن التعطيل العصري الجديد ما يطرحه بعض "العلمانيين" أن الله حقيقة مكانها القلب. وأن لله السماء ولهم الأرض. وأن له الخلق ولهم الأمر!! وعقيدتنا نحن المسلمين (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) وعقيدتنا (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ) فليجادل كل امرئ عن نفسه. فهؤلاء المبتدعون يزعمون أنهم أصحاب القرار، وهم مالكو حق التشريع، ويتكرمون على الله ،جل الله، أن يفسحوا لهم مكانا في زوايا المعابد..
وهذه البدعة الجديدة في حياة الناس اليوم لم يكن لها سلف في عالم المسلمين من قبل. حتى صار الناس إلى حالة من الازدواج المرذول. الذي نعايشه ونراه...
المعطلة الأوائل الجهم بن صفوان ومن انسلّ من فرقته، يتمظهر اليوم في هذا الثوب الجديد من الدعوة إلى أن تنكر بعض الفرق على الله حق التشريع، وتدعيه لنفسها، تحت عناوين خلابة مزخرفة (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا). والأعجب أن فيهم من يصوم ويصلي، ويزعم أنه مسلم..!!
ولربنا تعالى "الأسماء الحسنى" و"الصفات العلى" ولا نقول عن ربنا "العلة الأولى" ونرفض أن يقال عن ربنا "مهندس الكون الأعظم"
أسأل الله أن نظل نستشعر رعاية الله وحفظه وقربه ووده... (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)
(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ)
نجلي عتمة الحديث عن أهل البدع عن قلوبنا بقراءة القرآن. وما أشد نكارة التعطيل بدعة في الافتراء على الله..
لندن: 18/ رمضان / 1443
19 / 4/ 2022
____________
*مدير مركز الشرق العربي