الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "توماهوك" وحده لن يردع "ثلاثي الشر"

"توماهوك" وحده لن يردع "ثلاثي الشر"

23.04.2018
مصطفى كركوتي


الحياة
الاحد 22/4/2018
أخيراً سُمح/ لم يُسمح للمفتشين الدوليين بالدخول إلى دوما بعد عشرة أيام على جريمة استخدام الكيماوي في الحرب على هذه المدينة المنكوبة من طرفي القتال. تكرار استخدام النظام المدعوم بغطاء روسي-إيراني للغاز في هذه الحرب المتوحشة في ظروفه المعروفة، هو تحذير واضح لمجموعات المعارضة الأخرى في بقية أرجاء البلاد لا سيما في مناطق شمال إدلب.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف الرئيس السوري في إحدى تغريداته بعد كيماوي دوما بـ "الحيوان"، وأطلق تهديداته باتجاه الثلاثي المتوحش موسكو وطهران والأسد بأنهم سيدفعون "ثمناً باهظاً" على الجريمة. وكان ترامب غرّد قبل أسبوع من الهجوم الكيماوي بأنه سيسحب قوات بلاده من سورية "ويترك المسألة للآخرين"، إلى أن يعود بعد ثلاثة أيام لتغيير رأيه كي يقول "لا قرار بعد في شأن الانسحاب الفوري".
على رغم هجوم أميركا وبريطانيا وفرنسا بصواريخها المسيّرة عن بُعد، ليس هناك ما يوحي أن ثمة استراتيجية قد تبلورت في واشنطن أو لندن أو باريس لإنهاء أو وقف المأساة الإنسانية غير المسبوقة والمستمرة منذ 2011. أميركا وحدها التي تحتفظ بنحو ألفين من قواتها على الأرض في شمال شرقي سورية، تنحصر مهمتها المعلنة بدعم ميليشيا "قوات سورية الديموقراطية" ذات التكوين الكردي- العربي. هجمات التحالف الدولي الجوية تحت القيادة الأميركية على مدى ثلاث سنوات في مناطق شمال شرقي سورية كانت كافية لتطهيرها من "داعش" وإسنادها للقوات الديموقراطية لإدارتها. لكن تركيا أردوغان التي تخوض حملة ضد الأكراد تتهم واشنطن بالتواطؤ مع تلك الميليشيات.
في هذه الأثناء تواصل روسيا وإيران سياستهما في دعمهما غير المحدود جواً وأرضاً لنظام دمشق وارتكاب الجرائم في الغوطة الشرقية، والتي كان آخرها ضرب أكبر بلداتها، الغوطة، بالكيماوي، على رغم اتفاقيات عدة تمت بين الحكومة والمعارضة المسلحة برعاية موسكو وطهران خرقتها قوات النظام أكثر من مرة.
الآن بعد فظائع دوما، هل يتجه الرئيس ترامب نحو وضع استراتيجية من أجل سورية؟ إذا كان سيفعل ذلك، فما هي هذه الاستراتيجية؟ إن لم تكن استراتيجية، فلتكن خطة عمل لإنهاء المأساة أولاً والبدء بوضع تصورات لطبيعة سورية المستقبل. لوضع هكذا خطة، على ترامب أن يطرح سؤالاً مبدئياً: لماذا يلجأ بشار الأسد لاستخدام السلاح الكيماوي؟ الجواب ببساطة هو أن الأسد يشعر بالطمأنينة والثقة لسببين: رعاية روسية متينة ووجود أميركي ضعيف يثير الشفقة. الأسد مقتنع تماماً في هذه الظروف بأنه لن يجد أحداً يستطيع اعتراض سبيله مهما تمادى في التوحش والقتل.
وأضح أن الطريقة التي تم بها قصف ثلاثة أهداف أخيراً حول حمص وريف دمشق والتحضير لها لعدة أيام، حال دون وقوع إصابات بين قوات النظام أو الجنود الروس أو ميليشيات "الحرس الثوري" الإيراني. الصواريخ الغربية المشتركة تبدو وكأنها شقت طريقها بدقة نحو أهدافها بعد أن تسللت في ممرات عابرة فوق قواعد روسية وإيرانية منتشرة على مدى الأراضي السورية، تماماً مثل ما فعلت صواريخ توماهوك الأميركية في 2017. هجمات 2017 و2018 لا تنبئ على الإطلاق أن ترامب يعكف على وضع خطة عمل أو أنه ينوي ذلك، وهو ما يطمئن الأسد أن لا أحد يقف أمام شره.
في الحقيقة ليس الأسد المُطْمَئِنُ الوحيد بل كذلك موسكو وطهران وحزب الله، فهم لا يشعرون على الإطلاق أن هناك ثمة من يردع ويحول دون أعمالهم المتوحشة في سورية على مدى السنوات الأربع الماضية على الأقل. لماذا؟ ليس هناك بعد قوة أخرى مستعدة لمواجهة روسيا أو إيران، أو على الأقل للتوازن معهما، في سورية المنكوبة.
بريطانيا، في هذه المناسبة، تمكنت بنجاح لافت من شن حملة ديبلوماسية في الشهر الفائت لحشد 25 دولة -بما في ذلك الولايات المتحدة وأغلبية أعضاء الاتحاد الأوروبي- لدعم موقف حكومة تيريزا ماي ضد الرئيس فلاديمير بوتين المتهم بمحاولة تسميم مواطنَين روسيين في بلدة سولزبيري في جنوب بريطانيا، هما العميل المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا، بغاز كيماوي يضرب الأعصاب.
ويتساءل كثيرون: إذا استطاعت تيريزا ماي أن تجمع حولها هذا العدد الكبير من المؤيدين لها ضد بوتين بمجرد اتهامه بمسعى تسميم ضحيتين فحسب، فلمَ لا يسعى ترامب وماي والرئيس إيمانويل ماكرون لتحشيد رأي عام دولي مماثل يشارك في حملة ديبلوماسية (وعسكرية إذا لزم الأمر) صارمة ضد نظام الأسد وداعميه، روسيا وإيران وحزب الله؟ السلاح الكيماوي محظور واستخدامه محرّم دولياً، إلا أن الأسد واصل استخدامه ضد شعبه في ثلاث مناسبات معروفة من دون أن يخشى أي عقاب أو ردع إقليمي أو دولي. وهو يعي جيداً أن مجلس الأمن الدولي عاجز عن التحرك جراء فيتو راعيه بوتين.
في صيف 2013 استخدم الأسد غاز السارين ضد أهداف عدة في شرق وغرب الغوطة وقتل نحو 1400 ضحية أكثر من ثلثهم من الأطفال. الرئيس السابق باراك أوباما كان على وشك الرد عسكرياً، ولكن اتفاق اللحظة الأخيرة مع بوتين للتخلص من ترسانة الأسد الكيماوية حال دون ذلك. على رغم هذا الاتفاق في 2013 تبين أن موسكو أخلّت به إذ قام الأسد بتكرار الهجوم بالكيماوي في 2017 ضد أهداف تحيط بمدينة إدلب في شمال سورية. ورد ترامب بـ59 توماهوك بعد 72 ساعة وجهت نحو قاعدة الشعيرات الجوية. ذلك الهجوم لم يكن أكثر من صفعة على رسغ الثلاثي المتوحش، دمشق وموسكو وطهران. وهكذا كان الرد الأخير على استخدام الكيماوي في دوما.
في كل الأحوال، واضح أن استخدام الكيماوي يخدم استراتيجية هذا الثلاثي حتى الآن، إذ لا يوجد تفسير آخر لاستخدامه غير نشر الرعب والهلع بين صفوف من تبقى من تجمعات المعارضة في أرجاء سورية. فالهجوم الكيماوي ضد دوما تم تنفيذه بعد ساعات قليلة من بدء تنفيذ اتفاق وقف النار وانسحاب مقاتلي "جيش الإسلام". وإذا بقيت خريطة توزيع القوى على حالها في سورية، ليس هناك من يردع الأسد عن استخدام الكيماوي مرة رابعة وخامسة...، ومن يحول دون استمرار رعاته في المشاركة في جرائم الحرب المتوحشة.