الرئيسة \  واحة اللقاء  \  توماس ويبر في “آخر أمريكي في دمشق”: كاتب يربط مصيره بسوريا رغم الأزمات والصعوبات

توماس ويبر في “آخر أمريكي في دمشق”: كاتب يربط مصيره بسوريا رغم الأزمات والصعوبات

29.06.2020
سمير ناصيف



القدس العربي
الاحد 28/6/2020
توماس ويبر كان شخصاً أمريكياً عادياً يبحث عن عمل مثمر له بعدما واجه صعوبات عائلية ومادية في أمريكا، ووجد ضالته في عرض عمل قُدّم له للتعليم في مدرسة الجالية الأمريكية في دمشق. وهناك تعرّف إلى زوجته الحالية الفلسطينية ـ السورية سلمى التي يفضل ألا يذكر هوية عائلتها. ولكنه يشعر (حسب ما قال) بالامتنان الكبير لما قدّمته وقدّمه إليه والدها وأخوتها من حب ودعم ما سهّل حياته في سوريا ودول عربية أخرى، وما قدمته هي من إخلاص خلال تنقله العملي طوال العقود الماضية وحتى الساعة.
عندما نقرأ الفصول الأولى من الكتاب، عن مرحلة قبل زواجه بسلمى (وكأي أجنبي يزور سوريا للمرة الأولى ولا يعرف الكثير عن العالم العربي) شعرَ بأنه كان يمتلك مشاعر عنصرية إلى حد ما، تجاه العرب. ولكن الفصول الأخيرة تؤكد عكس ذلك بعدما احتك بالفعل، شخصياً وعائلياً واجتماعياً، بإخلاص ونُبل الشعوب العربية بالمقارنة مع شعوب أخرى تتحفظ إزاء الغرباء.
واجه ويبر في حياته في دمشق اختبارات صعبة بينها ملاحقته (كما ورد في الفصل 7) بواسطة سيارة كان يستقلها مسؤول سوري كبير وحراسه (عام 1977) فقط لكونه حدّق باتجاه تلك السيارة مما اضطره إلى الهرب باتجاه السفارة الأمريكية في دمشق التي كان سفيرها آنذاك ريتشارد ميرفي حيث تأمنت له الحماية (ص 139 ـ 141).
وبعد هذا الاختبار الموجع، قرر الانتقال للعمل في إيران (كانت آنذاك ما زالت بقيادة شاه ايران) للعمل في حقل التدريس الثانوي في مادة العلوم الأقرب إلى اختصاصاته في مدرسة خاصة. ولكن من سوء حظه، تطورت الأحداث في إيران سلبياً (بالنسبة إليه) خلال انتقال السلطة من الشاه إلى الثورة الإيرانية، وأضطر إلى العودة إلى دمشق بسبب تصاعد المواجهات الأمنية في البلد. وقادته الصدف للانتقال من التعليم إلى العمل مع شركات نفط أمريكية تعمل في سوريا أبرزها (ماراثون اويل). وبعد ذلك عمل مع عائلة زوجته في حقل تطوير وتسويق تربية الأزهار.
ولكن الأمر الذي دفعه إلى الانتقال من سوريا إلى دول الخليج العربي كان (بشكل أساسي) وفاة والد زوجته، الذي احتضنه عائلياً ومادياً في سوريا، وطموحه إلى المزيد من الاختبارات والعمل المثمر. وبعد انتقاله لسنتين صعبتين في الولايات المتحدة (عام 1981 ـ 1983) وفشله في عمليات تصدير من أمريكا إلى سوريا عبر لبنان (عام 1982) بسبب غزو شارون للعاصمة اللبنانية، انتقل إلى العمل في السعودية حيث نشط في التعليم والتجارة لأكثر من عشرين عاماً وتنقل بين 22 قطاعاً من قطاعات العمل. ولكنه قرر ترك السعودية بعد انطلاق العمليات التفجيرية في جدة عام 2004 وأهمها الهجوم على القنصلية الأمريكية الذي ذهب ضحيته خمسة موظفين في القنصلية، وجُرح وقتل آخرون. السبب الرئيسي لتركه جدة أنه شعر بأن منفذي العمليات التفجيرية هناك قرروا استهداف المواطنين الأمريكيين. وبعد ذلك، قرر الانتقال إلى قطر حيث وظفته واحتضنته عائلة آل الجيّدة التي كان يشرف على أعمالها خمسة أخوة دعموه خلال السنوات الخمس التي قضاها في قطر (وبعد ذلك) وحتى بعد تقاعده واحتياجه إلى العناية الطبية الغالية الثمن لدى إصابته بسرطان البروستات، حيث دعمَ علاجه الشيخ أحمد قاسم درويش، زوج أخت عبد اللطيف الجيدة، أحد الأخوة الخمسة الذين فتحوا أمامه مجالات العمل والحياة في قطر. ولدى عمله في جدة عملت زوجته سلمى في القنصلية الأمريكية في تلك المدينة. كما استمرت روابط الزوجين بسفارة أمريكا في قطر بعد انتقالهما إلى الدوحة حيث عمل ويبر بين عامي 2005 و2010. وكان مرتاحاً جداً في حياته العائلية والعملية هناك (حسب قوله) وشعر بأنه قدّمَ مساهمة (ولو متواضعة ومحدودة نسبياً) لنمو قطر (ص 241).
لدى انتهاء عمله في قطر عاد إلى دمشق. وفي الفصل 13 وما تلاه، يصف ويبر بألم وإنسانية غير منحازة إلى جهة ضد أخرى ما شاهده وما شعرَ به خلال الانتفاضة السورية التي انتقلت وتطورت بين عامي 2011 و2019.
ويؤكد أنه تنقّلَ من منطقة سورية إلى أخرى خلال تلك الفترة محاولاً شراء أرض زراعية لإطلاق مشروع زراعي ـ صناعي لإنتاج النبيذ. ولكن كلما أنطلق من منطقة إلى أخرى كانت الأوضاع تسوء. وحاول عدم الاستسلام وانتقل إلى شركة “عرق البزان” لإنتاج العَرقَ، ولكن الحرب أفشلت هذا الخيار. وبعد ذلك، عُرضَ عليه المشاركة في مشروع للاتصالات السلكية واللاسلكية في عمان (الأردن) الذي كان يُدار من دبي (الإمارات).
ويعبّر ويبر عن آراء وملاحظات عن الانتفاضة السورية معتبراً أن دخول روسيا على خطها عام 2015 هو الذي رجح كفة النظام (ص 259).
بيد أن القارئ يشعر بأن أحاسيس ومشاعر وخيارات ويبر كانت وما زالت إلى جانب الشعب السوري. فهو يتأسف لكون انتفاضة درعا الشبابية السلمية تم اختراقها وتحويلها إلى مشروع سياسي هيمن عليه عنف السلطة وخصومها (ص 261). كما يشير إلى صعوبة حياته العائلية في دمشق في السنوات الأولى للانتفاضة السورية حيث كانت التفجيرات كثيفة في العاصمة وهيمن القصف العشوائي على المدينة وخصوصاً في الأماكن التي كان يقطنها.
وبالنسبة إلى الذين هاجروا من سوريا لا يتوقع ويبر أن يعودوا، ولكنه هو شخصياً كان وما زال متمسكاً بعيشه في دمشق. ويؤكد أن الشعب السوري عموماً صلب المراس، لا يستسلم بسهولة، ووقف ويقف بقوة ضد أي جهة حاولت وتحاول أن تسلبه وطنه. أما عن أقرب المقربين إليه (كما يذكر في الفصل السابع عشر والأخير من الكتاب) فكانت زوجته سلمى والشيخ القطري أحمد قاسم درويش الذي رافقه يومياً في مرضه الخطير وأتاح له الحياة مع أنه كان يخسرها بصمت يومياً (توفي لاحقاً).
وفي الخلاصة، قد يكون من المفيد طرح السؤال إذا كانت الأكثرية بين الأشخاص الأمريكيين والأوروبيين والأجانب الآخرين الذين يتزوجون لبنانيات وسوريات وأردنيات وفلسطينيات وعربيات من جنسيات أخرى ويعيشون في العالم العربي لعقود وسنوات طويلة يتعلقون ويهيمون بالمجتمعات التي يعيشون فيها وبحضاراتها أو أن أعداداً أخرى منهم تظل مرتبطة بشكل وثيق ببلدانها الأصلية وحضاراته؟
وربما يجوز طرح السؤال حول عنوان الكتاب، فهل بالفعل كان توماس ويبر آخر الأمريكيين في دمشق في وقت تُثبتُ التقارير والتغطيات الصحافية عن سوريا وجود أمريكيين آخرين في الساحة السورية في سنوات الانتفاضة وحتى الساعة؟
فأمريكا كان وما زال لها مصالح اقتصادية وسياسية في سوريا ووجود عسكري في بعض المناطق، وخصوصا المناطق الشمالية الشرقية من البلد.
وفي السنوات الأخيرة لا بد وأن يكون رجال أعمال أمريكيون وأوروبيون زاروا سوريا وقضوا فيها أوقاتاً، بالإضافة إلى صحافيين أو أشخاص قاموا بمهمات خاصة في شتى المجالات.
ما يلفت الانتباه لدى قراءة هذا الكتاب هي شجاعة الكاتب ويبر في زيارته لمناطق متعددة من سوريا ولبنان والأردن والسعودية في أوقات كانت الأوضاع الأمنية فيها ليست في أحسن أحوالها.
ويورد المؤلف تفاصيل مثيرة عن اختباراته في لبنان تؤكد شجاعته وخصوصاً لدى قيامه برحلة بحرية في زورق على الشواطئ اللبنانية (خلال الحرب الأهلية) لمساعدة ثلاث فتيات عاملات في مدرسة الجالية الأمريكية في رأس بيروت على الخروج والانتقال معه إلى سوريا.
ولعل ما قاله الكاتب في الصفحة (128) يلخص موقفه إزاء القضية الفلسطينية بحيث يذكر أنه قرأ كتاب مذكرات إيفان مايسكي، السفير السوفييتي في بريطانيا بين عامي 1932 ـ و1943 وتأثر بمقطع فيه عن حديث بين مايسكي وحاييم وايتزمان قائد الحركة الصهيونية في بريطانيا جرى في 3 شباط (فبراير) عام 1941. قال وايتزمان لمايسكي فيه أنه يود نقل خمسة ملايين يهودي من بولندا ودول أخرى إلى أراضٍ كان حوالي المليون شخص يحتلونها (يقصد فلسطين) وأضاف ضاحكاً (حسب كتاب مايسكي) قائلاً أن “العربي هو أبن الصحراء ووالدها وخموله وتخلفه حوّلا تلك الحديقة الخصبة إلى صحراء. فاعطونا هذه الأرض وسنوطن خمسة ملايين يهودي فيها وننعش أرضها ونعيدها حديقة خصبة”.
وتعبيراً عن مشاعره إزاء ما قرأ، يقول ويبر “حتى تلك الساعة وقبل قراءة هذا الكتاب لم أعتقد بأن أي قائد يهودي يشعر بهذه السلبية والعداء تجاه الشعب الفلسطيني مع أن والد زوجتي أبلغني عن خساراته الكبيرة في فلسطين عندما طُرد وعائلته من يافا عام 1948 وكانت والدة زوجتي في شهر حملها التاسع. واضطرت العائلة إلى التنقل بين دول عربية عدة قبل ان تستقر في سوريا. وواجهت مثل هذا المصير الآلاف من العائلات الفلسطينية” (ص 128).
وبالتالي، يستنتج ويبر بان حبه لسوريا ينبع من حبه لزوجته سلمى وتعاطفه ومحبته لعائلتها ولشعبها وقضيته.
Thamas L. Webber: “The Last American in Damascus”
Notton Press, New York 2020
360 Pages.