الرئيسة \  واحة اللقاء  \  توافق أميركي سعودي على توازنات جديدة شرق الفرات

توافق أميركي سعودي على توازنات جديدة شرق الفرات

16.06.2019
فراس علاوي


سوريا تي في
السبت 15/6/2019
في كل مرة يزداد التوتر أو تسيطر قوة ما على شرق الفرات ذات المنظومة الاجتماعية المعتمدة على العشيرة يبرز دور العشائر بشكل سلبي أو إيجابي، فقد قام تنظيم داعش قبل ذلك بضرب العشائر ببعضها البعض كما فعل بين (البكير والشعيطات) وبين عشائر القورية والعشارة في ديرالزور من أجل تسهيل سيطرته عليها.
كما عملت جميع القوى الإقليمية على تشكيل مجالس عشائرية داعمة لمواقفها من المنطقة.
حيث تشكل مجلس عشائر المنطقة الشرقية التابع لنظام الأسد والذي يدرك أهميتها بحكم سيطرته على مقاليد الحكم لسنوات واستطاع اختراقها وتوظيفها لمصلحة تثبيت حكمه، كذلك عملت تركيا ومن أجل دعم مواقفها شرق الفرات على تشكيل مجلس أعلى للعشائر والقبائل وهو مافعلته قسد بالمقابل.
بعد الانتهاء بشكل شبه كامل من تنظيم داعش وتوقف العمليات العسكرية الكبرى واجهت التحالف وقوات سوريا الديموقراطية "قسد" تحديات جديدة تتمثل بعدم قدرتها على فرض سيطرتها ورؤيتها السياسية في المنطقة، لأسباب كثيرة أبرزها الرفض الاجتماعي لوجودها وعدم قدرتها على إدارة المنطقة بشكل كامل وتلبية الحاجات الأولية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وعدم قدرتها على إعادة البنية التحتية. مما فرض حالة من الاحتقان لدى سكان المنطقة، تمثلت بموجة من الاحتجاجات واللقاءات بين قيادات العشائر والتي حاولت قسد احتوائها عن طريق عدة إجراءات تراوحت ما بين تلبية بعض المطالب والتلويح بالقوة، لكنها فشلت خاصة بعد انفجار قتال محدود بين قريتين تنتمي كل منهما لعشيرة وتتهم كل منهما الأخرى بالانتماء لجهة معينة. فاتهم أهالي قرية أبو النيتل جيرانهم في قرية النملية بالتبعية لقسد أتهم أهالي الأخيرة جيرانهم باحتضان خلايا تابعة لداعش.
حاولت قسد كما تنظيم داعش وقبلها النظام الاستثمار بهذه الخلافات لكن يبدو أنها فشلت في ذلك، مما استدعى تدخل مباشر من الطرف الأمريكي مستفيداً من التجربة العراقية، والعلاقة مع العشائر العربية هناك.
التدخل الأمريكي هذه المرة جاء لعدة أسباب أهمها؛ طي مرحلة تنظيم داعش ومحاولة كسب ود العشائر وتهدئة المنطقة وحالة التوتر الكردي العربي. وتهيئة الأجواء لبقاء "قسد" لفترة أطول من خلال الوعود بدعم خدمي واقتصادي وإشراك أهالي المنطقة في قيادتها وإدارتها.
يضاف لما سبق تهيئة المنطقة لاحتمالية نشوب صراع مع المليشيات الإيرانية على الجهة المقابلة من نهر الفرات والتي تسيطر على مناطق يقطنها أبناء تلك العشائر، وتقديم وعود بدعم عسكري وسياسي لاستعادتها في حال نشب مثل هذا الصراع.
لم يأت الامريكان لوحدهم هذه المرة بسبب تجارب عدم الثقة بوعودهم سواء في سوريا أو العراق، بل كان اللاعب السعودي حاضراً متمثلاً بوزير الدولة ثامر السبهان الذي حضر رفقة نائب وزير الخارجية جويل رابيون والمبعوث الأمريكي لشرق سوريا وليم روباك اجتماعا في حقل العمر النفطي شرق سوريا مع قيادات عشائرية واجتماعية.
السبهان الذي يعود بأصوله لعشيرة شمر ويملك علاقات جيدة مع شيوخ عشائر غرب العراق وشرق سوريا والتي تعتبر منطقة جيوسياسية هامة للأمريكان، كونها غنية بالنفط وتشكل بوحدتها الجغرافية والديموغرافية، عمق استراتيجي للقوات الأمريكية المتواجدة في الأنبار وعلى الحدود العراقية السورية، وصمام أمان لها في حال نشوب صراع مع الإيرانيين (وإن يبدو الأمر مستبعداً حالياً).
حضور السبهان الذي قدم للمنطقة بعد حضوره احتفالية تعيين رئيس جديد لكردستان العراق، وهي خطوة رمزية لكنها واضحة المعالم من حيث تمهيد الأجواء لتهدئة الأجواء في المنطقة المحاذية لتركيا بين العرب والكرد ودعم الأمريكان في إنشاء منطقة عازلة هناك.
كذلك يمثل السبهان موقف خليجي عربي واضح من المنطقة سواء سياسياً أو اقتصاديا وربما عسكرياً، وهي مرتبطة بظروف حرب اليمن والتصعيد في ليبيا والسودان، لكن بذات الوقت تهيئة المنطقة لأجواء تصعيد محتمل مع إيران يتطلب الحصول على تأييد في واحدة من أكثر المناطق توتراً في المنطقة، وهذا ما ظهر في وعود الدعم الاقتصادي.
فهل ستكون الحلول الجزئية والمؤقتة لتلك المناطق نافعة وتحقق استقرارها بعيداً عن حل سياسي شامل للقضية السورية، والتي كانت السبب الرئيس لاشتعال التوتر فيها؟.
التهميش المتعمد لتلك المناطق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على مدى عقود وعدم إشراك أهلها في العملية السياسية أو استفادتهم من عوائد النفط الموجود في أراضيهم لا يمكن إخماده إلا بمجموعة من الحلول سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية والعمل على إيجاد عقد اجتماعي جديد يقوم على التقارب بين مكونات المجتمع "العشائرية" التي فككتها النزاعات وتبادل السيطرة بين قوى تحمل أفكار وأيديولوجيات مختلفة بل ومتناقضة، كل هذا يأتي في إطار حل شامل لجميع تلك القضايا فهل ينجح الأمريكان بذلك؟