الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تناقض الأجندات في سوريا يعيد صياغة حلف الضرورة بين روسيا وإيران 

تناقض الأجندات في سوريا يعيد صياغة حلف الضرورة بين روسيا وإيران 

25.10.2020
العرب اللندنية


العرب اللندنية 
السبت 24/10/2020 
المهمة لم تكتمل بعد 
لا يمكن وصف توافق روسيا وإيران على كثير من الملفات المحورية ولاسيما النووية، بأنه تعبير عن حلف استراتيجي بينهما. فعلى الرّغم من التقاء البلدين على طاولات شراكة سياسية واقتصادية وعسكرية منذ زمن إلا أنهما يشكلان تحالفا للضرورة أكثر من أي شيء آخر. وقد بدا ذلك واضحا من خلال تناقض أجنداتهما في سوريا، وهو ما دفع المراقبين إلى التساؤل حول مآلات هذا الشقاق غير المعلن في رقعة جغرافية باتت معضلة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط. 
 موسكو/دمشق - مع إدراك روسيا أنها قد تفقد بوصلتها في سوريا أمام تناقض أجندتها مع حليفتها إيران، أخذ الكرملين يكثف من تحركاته حتى لا يضيع نصرا عمل عليه لسنوات من أجل إبعاد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وجيواستراتيجية في منطقة لا يبدو أنها ستشهد استقرارا في المدى القريب. 
ومنذ أشهر تشهد الساحة السورية صراعي أجندات محمومين بين روسيا من جهة، ونظام بشار الأسد وإيران، من جهة أخرى، حيث يتنافس الرئيس فلاديمير بوتين بلهفة ليصبح صانع القرار الرئيسي في البلد، وهذا الأمر قد يؤدي إلى خليط من الحسابات في توقيت يعتبرة مراقبون مليئا بالمفاجآت. 
وبينما تعمل موسكو على إحداث تغييرات جذرية في بنية الدولة السورية، وأخرى في المنظومة الحاكمة، خصوصا على صعيد الجيش والأمن، من أجل ضمان هيمنتها المطلقة على البلد الذي دمرته الحرب في السنوات التسع الماضية، تسعى دمشق إلى شراء الوقت لإبقاء الأمور على ما هي عليه، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. 
وفي المقابل، تعمل إيران على تجميد كل شيء على حاله، إلى حين استبانة ما ستؤول إليه الأمور في الولايات المتحدة عقب الانتخابات الوشيكة مطلع نوفمبر المقبل، والتي يعول النظام في طهران كثيرا على نتائجها وتتجرع من أجلها سم الضربات الإسرائيلية والحصار الاقتصادي الأميركي الخانق. 
خليط من الحسابات 
يرى مراقبون أن الأمر المؤكد الذي يعني الروس على الأرض في سوريا هو كونهم المنتصر الرئيسي في النزاع السوري – السوري وكيف يقطفون ثمار هذا النصر، لكن التجارب التاريخية تشير إلى صعوبة التعايش بين قوتين خارجيتين محتلتين أو متحكمتين في مكان واحد. 
وهذا ما بدأ يظهر جليا على طبيعة العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا، حيث برزت في الآونة الأخيرة مواقف كثيرة تشير إلى التباعد بين الجانبين أكثر فأكثر، خصوصا حيال المسائل الأساسية، مثل تركيبة الدولة السورية بعد الحرب، ومسألة بقاء الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة، ودور الأكراد. 
وعلى الرغم من الانسحاب الإيراني الجزئي مطلع مايو الماضي، إلا أنه لا يمثل تغييرا استراتيجيا، حيث تجد روسيا نفسها في وضع لا يمكنها بموجبه، ليس فقط السيطرة على تصرفات إيران في سوريا، بل وضبط أداء نظام الأسد أيضا. 
وكل رهان على فصل المنظومة الأسدية عن إيران يبدو وهما لا طائل منه لأن العلاقة بين الطرفين تشبه “التوأم السيامي”، كما عبر عنها الكاتب اللبناني خطار أبودياب في مقال نشرته “العرب” في شهر أبريل من العام الماضي، بعنوان “التسابق الأميركي – الروسي في إسرائيل والشرق الأوسط”. 
ولذا سيكون التجاذب الروسي – الإيراني الخفي عاملا مؤثرا في بلورة إعادة تشكيل المشهد السوري، وفي هذا السياق يمكن التأكيد على أن نظام الأسد اليوم لا يمثل أي بعد لدولة مكتملة المؤسسات، التي دمرت بفعل النزاع المستمر منذ 2011، بل يعتبر سلطة بلا صلاحيات في هيكل دولة حيث من يملك القرار النهائي في سوريا، مجموعة من القوى الخارجية الفاعلة. 
وباتت المؤسسة العسكرية السورية نتيجة المواجهة المفتوحة مع الجماعات المتطرفة المدعومة من تركيا، وسياسة حليفتي النظام، موسكو وطهران، خارج السيطرة الفعلية لقيادة النظام، وتعتبر التشكيلات الرئيسة والفاعلة تحت القيادة المباشرة للحلفاء أكثر منها للقيادة العامة، وتحتل موسكو المساحة الأكبر في خارطة النفوذ على مستوى الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والقوى الجوية والدفاع الجوي. 
وتسود خلافات داخلية على مستوى قيادة الجيش، نتيجة رفض ماهر الأسد سياسة شقيقه بشار بصفته القائد العام للجيش، حيث اتجه إلى تأسيس تكتل عسكري موال له بشكل مباشر في الساحل السوري والمنطقة الجنوبية. 
ويشرف العميد غياث الدلة على إدارة ملف الساحل، حيث نظم منذ الصيف الماضي عدة لقاءات لقادة تشكيلات عاملة في الساحل، منها الفوج 53 مشاة/ قوات خاصة في مدينة طرطوس، فيما كان التركيز على تشكيلات الدفاع الوطني والقوات الرديفة في الساحل. 
واستطاع الدلة تأسيس حاضنة قوية لصالح ماهر الأسد، حيث شهد الفترة الماضية عملية نقل عدة تشكيلات رديفة ليصبح نشاطها تحت قيادة الفرقة الرابعة. أما في المنطقة الجنوبية، فقد أشرف يعرب زهرالدين، مسؤول مكتب أمن الفرقة الرابعة في السويداء، على تكثيف عمليات التجنيد والتسويات الأمنية لصالح الفرقة الرابعة في المحافظة. 
تقاسم الكعكة 
يعاني جيش النظام من عجز كبير بشري ولوجستي، لدرجة أنه أصبح غير قادر على خوض عمليات قتالية على مستوى المحافظات، بسبب نقص العنصر البشري، إضافة إلى حصر الدعم اللوجستي والعسكري من قبل حلفاء النظام، بتشكيلات ممولة من قبلهم وليس وزارة الدفاع. 
وقد بدأت كل من موسكو وطهران، منذ مطلع العام الماضي، بتركيز الدعم على تشكيلات رديفة، تأسست بإشراف مباشر منهما. وبينما تدعم روسيا الفرقة 25 مكافحة الإرهاب والفرقة 30 حرس جمهوري، تقوم إيران بدعم لواء الباقر. أما بقية تشكيلات جيش النظام الأخرى، فتعاني من عجز كبير على جميع المستويات. 
وعلى المستوى الأمني، يسيطر الروس فعليا على الأجهزة الأمنية، من خلال مكتب استخبارات الجيش الروسي الموجود في منطقة المهاجرين بدمشق، حيث يعتبر المسؤول الفعلي عن النشاط الأمني، ولا سيطرة فعلية من طرف النظام على تلك الأجهزة. 
وهذا الوضع دفع ماهر الأسد للبدء بتأسيس نواة جهاز أمني مستقل من خلال منح مكتب أمن الفرقة الرابعة صلاحيات واسعة، ويعتبر المكتب حاليا جهازا أمنيا مستقلا، ويمارس مهامه خارج مظلة وزارة الدفاع، التي تعتبر الجهة الرسمية المسؤولة عن وحدات الجيش، وبعيدا عن شعبة الأمن العسكري، الجهة الأمنية الرسمية المسؤولة عن ملف أمن المؤسسة العسكرية. 
ويلعب الإيرانيون، بواسطة مكتب استخبارات الحرس الثوري في دمشق بمنطقة المزة، الدور الأهم في تفكيك الأجهزة الأمنية من خلال كسب ولاءات ضباط تلك الأجهزة، بالإضافة إلى التركيز على نقل الكوادر والضباط الموالين للحرس الثوري إلى المناطق الساخنة التي يشرف عليها الحرس الثوري، لاسيما في المنطقة الشرقية ومحافظة حلب. 
وجرت العادة أن يتم تقديم لوائح تعيينات مقترحة، سواء من قبل الجانب الروسي أو الجانب الإيراني، قبيل كل فترة تعيينات دورية تصدر، ويتم التركيز من خلال هذه اللوائح على فرض تعيينات في عدد من المواقع، بما يتناسب مع حماية مصالح هذه الأطراف ونفوذها الأمني، الأمر الذي أدى إلى تفكك الأجهزة الأمنية وفرض حالة من التضارب. 
مخابرات الجيش الروسي بمنطقة المهاجرين واستخبارات الحرس الثوري بمنطقة المزة في دمشق تتقاسمان الكعكة الأمنية 
وفي خضم ذلك، بدت وتيرة النقد الروسي لنظام الأسد في تصاعد مستمر، خصوصا في ما يتعلق بحالة التخبط التي تعاني منها الأذرع الأمنية في القصر الجمهوري، والتي بلغت مداها أثناء تحديد قائمة المرشحين لمجلس الشعب في الانتخابات الأخيرة، حيث تم تغيير القائمة عدة مرات. 
ودفع هذا الوضع فارس الشهابي رئيس غرفة صناعة حلب إلى الإشارة للفساد وتدخل الأجهزة والحزب بالانتخابات، وذلك عبر تصريح غير مباشر وغير واضح. طبعا لأن الشهابي لا يملك القدرة والجرأة الكافية للحديث عن الأيادي الإيرانية الخفية التي حسمت موضوع المرشحين، لتضفي نكهة إيرانية على تركيبة مجلس الشعب السوري (البرلمان). 
ويعتقد مراقبون أن المرحلة القادمة ستعرف استعدادا أكبر من قبل الروس يكون للتعاون الأمني والمعلوماتي مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بخصوص أذرع إيران، وربما يقومون بفتح خطوط أكثر مع المعارضة السورية، وسوف تستمر روسيا في إضعاف بشار الأسد من جهة، وبإحكام السيطرة أكثر على المؤسسات الرئيسية والحيوية في سوريا من جهة أخرى. 
ومن أجل ذلك لن يكون الكرملين مكترثا بضرب إيران، بل سيبدي قدرا من التعاون في استهداف الوجود الإيراني في سوريا، من أجل إرغام الأسد على الدخول الفعلي في عملية المفاوضات. 
ولا ينحصر التنافس الروسي الإيراني على منع إيران من الاستحواذ على مرفأ في الساحل السوري، الحيوي بالنسبة لوجود موسكو، أو في الاستثمارات والتغلغل داخل البنية السورية، بل يتصل بالهدف النهائي للتنسيق. 
وتريد روسيا الوصول لبناء دولة اتحادية مستقرة تضمن مصالحها، بينما تبذل طهران كل جهودها لتكريس بقاء سوريا في النادي الإيراني، حيث تتلاشى الدولة أمام منطق الهياكل الموازية خدمة للمشروع الإمبراطوري الإيراني. 
وعلى الأرجح سيشتد التنافس ويغيب التنسيق بين الروس والإيرانيين، بانتظار متغيرات حاسمة. وإذا قرر “قيصر” روسيا الجديد أن يبقى ملك اللعبة على رقعة الشطرنج السورية، فلن يكون من السهل عليه إبعاد إيران عن الغنيمة السورية بعد كل هذا الاستثمار. وبالتالي ستكون بلاده محرجة أكثر فأكثر في تحريك أحجار الشطرنج بين كل من إسرائيل وإيران والولايات المتحدة وتركيا.