الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تنافس أميركي روسي في سوريا على تعزيز الحلف مع تركيا واستقطاب الأوروبيين

تنافس أميركي روسي في سوريا على تعزيز الحلف مع تركيا واستقطاب الأوروبيين

10.12.2018
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 9/12/2018
بدأت تتبلور ملامح استراتيجية أميركية جديدة في سوريا، مع تسلّم جيمس جيفري، مهمة المبعوث الأميركي إلى سوريا؛ إذ عززت الولايات المتحدة تواجدها شرقي سوريا، وفي قاعدة التنف، وهددت بالتدخل برفقة حلفها الغربي الأوروبي لمنع هجوم النظام السوري وإيران على إدلب، وبالتالي دعمت موقف تركيا في اتفاق سوتشي المتعلق بالمنطقة منزوعة السلاح في إدلب.
قبل ذلك جرى اتفاق للمجموعة المصغرة بشأن سوريا، والتي تقودها الولايات المتحدة، على مسودة “لا ورقة”، للدفع باتجاه تغيير سياسي ومرحلة انتقالية، وفق مسار جنيف.
مؤخرا، استكملت الولايات المتحدة استراتيجيتها حول سوريا، وصعّدت من ضغوطها على روسيا من أجل تعطيل مخططاتها لتمرير الوقت عبر الهدن المؤقتة، واستمرار قضم المناطق المتبقية، وبالاستعانة بالميليشيات الإيرانية؛ أي لفرض سياسة الأمر الواقع المتمثلة “باستعادة الحكومة السيطرة على جميع الأراضي السورية”، وهذا يشمل كلا من محافظة إدلب ومناطق شرقي الفرات.
تعمل الولايات المتحدة على تقوية الحلف مع تركيا؛ فقد شكّل جيفري مع مسؤولين أتراك “مجموعة العمل رفيعة المستوى من أجل سوريا” خلال زيارته الحالية إلى تركيا، في مسعى لزيادة التقرّب من الحليف التركي، ولتعطيل أي اتفاقات منفردة تركية -روسية، في ما يتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية.
تختلف أجندة طرفي الحلف الروسي – التركي في ما يتعلق بمنطقة خفض التصعيد شمال سوريا؛ فروسيا أرادت من اتفاق 17 سبتمبر في سوتشي، المتعلق بإدلب، تهدئة الجبهة مؤقتا، والتفرّغ لمناطق النفوذ الأميركي شرق الفرات.
وتركيا تريد نفوذا في منطقة إدلب، غير الاستراتيجية من الناحية الاقتصادية، لكنها مهمة لها لأغراض دفاعية تتعلق بتعزيز نفوذها في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات؛ حيث سعت خلال الأشهر الأخيرة إلى تحقيق نفوذ ثقافي واجتماعي بعيد المدى في مناطق نفوذها، عبر إنشاء شبكة طرق حديثة وعمليات إغاثة ومشاريع صحية وخدمات تعليمية، مثل فتح فرع جامعي تركي في الباب وتوفير الكتب المدرسية والمعلمين وفرض اللغة التركية وإعداد وتدريب الأئمة عبر جماعة الإخوان المسلمين.
تتلاقى واشنطن وأنقرة حول ضرورة التغيير السياسي في سوريا، رغم أن الإطاحة بالنظام ليست في أولويات الطرفين؛ فلا تزال أولوية أنقرة حماية أمنها القومي، وهي نقطة خلاف مع واشنطن التي تدعم وحدات الحماية وتنظيمها الأم حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعتبره فرعا لحزب العمال. وكانت أولوية واشنطن في الفترة الماضية هي تخفيض النفوذ الإيراني واستكمال محاربة الإرهاب، وتعزيز نفوذها في الشرق عبر دعم حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية، ومساعيهم إلى شكل فيدرالي للحكم.
وبالتالي لا تملك واشنطن من مغريات جذب الحليف التركي، بقدر ما تملك من مسببات نفوره وتمسكه بالحلف الروسي الإيراني. وأنقرة لن تغامر بعلاقتها مع موسكو في سوريا، بسبب تشابك مصالحها معها في ملفات خارج سوريا، تتعلق بانطلاق عمليات خط أنابيب الغاز الطبيعي “ترك ستريم” بين روسيا وتركيا، وبإمكانية تسليم روسيا منظومة الدفاع الجوي الروسية أس-400 إلى الجيش التركي خلال العام القادم.
يمكن وصف القمة الرباعية التي عقدت في إسطنبول في 27 أكتوبر، بأنها توسيع لدائرة المشاركين في اتفاق سوتشي حول إدلب ليضّم إضافة إلى روسيا وأنقرة أطرافا أوروبية، تريد روسيا جذبها لتمويل ملف إعادة الإعمار، فيما تريد أنقرة إشراكها في منع حدوث كارثة إنسانية في إدلب، وما يرافقها من زيادة حجم اللجوء إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
أجندة طرفي الحلف الروسي – التركي تختلف في ما يتعلق بمنطقة خفض التصعيد شمال سوريا؛ فروسيا أرادت من اتفاق 17 سبتمبر في سوتشي، المتعلق بإدلب، تهدئة الجبهة مؤقتا، والتفرّغ لمناطق النفوذ الأميركي شرق الفرات
النظام السوري وميليشيات إيرانية يحشدان للهجوم على إدلب من محور أو محورين، وفق دوائر الاستطلاع التابعة للجيش الحر. هذا الحشد يأتي بموافقة روسية؛ وهدفه الضغط على تركيا والغرب الأوروبي باحتمالية تفجّر الوضع وتقويض الاتفاق، وذلك مع سعي جديد لعقد قمة إسطنبول2، مع تركيا وفرنسا وألمانيا، وقد تجذب أطرافا أخرى متخوفة من تفجر الوضع في إدلب.
تبني موسكو استراتيجيتها العسكرية والسياسية في سوريا على هدف التفرّد بالملف السوري بكامله. وتضع كل رهاناتها على النظام أو معارضات صنعتها هي لغرض القبول بالنظام؛ لذلك تتحدث موسكو عن حوار سوري – سوري، وتسعى، منذ مؤتمر سوتشي مطلع العام الحالي، إلى توفير غطاء أممي له، وتوجّه النظام لتعطيل القائمة الثالثة من اللجنة الدستورية، لفرض إصلاح دستوري تقره حكومة النظام؛ رغم التهديد الأميركي والسعي لإقناع كل من المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا، غير بيدرسون، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بعدم تأمين غطاء أممي للجنة دستورية يقرها مجلس الشعب الحالي وحكومة النظام.
أما واشنطن، فتريد حصر نفوذ موسكو في قاعدتي حميميم وطرطوس؛ وكانت موافقة على استعادة النظام السوري وروسيا لمناطق في الغوطة وحمص ودرعا، وقبلها حلب، وما يقابلها من سيطرة تركية على جرابلس وعفرين ومحيطهما. وليس لواشنطن مصالح في إدلب، لذا دعمت اتفاق المنطقة منزوعة السلاح ودعمت قمة إسطنبول، دون حضورها، خاصة أنها لا تشمل إيران كطرف ضامن.
بالتالي واشنطن تضغط لفرض جدول أعمال جديد حول الملف السوري، وفق استراتيجيتها الجديدة؛ فأولويتها محاربة الإرهاب وإخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، ولا تريد للحل السياسي أن يخرج من مسار أستانة وسوتشي للحوار الوطني، أي عبر تشكيل لجنة دستورية تملك روسيا والنظام فيها الأغلبية لفرض إصلاح دستوري، بل تضغط، وبثقل تواجدها العسكري شرقي الفرات، للعودة إلى مسار جنيف، ونقاش الانتقال السياسي، وتعمل مع حلفائها الأوروبيين والعرب لربط ملف إعادة الإعمار بالانتقال السياسي، وتدفع بثقلها الدبلوماسي الأطراف الأوروبية، لاستمرار القطيعة مع النظام السوري، واستمرار فرض العقوبات على شخصيات بارزة فيه، وتفعيل ملف المحاسبة.
في ظل غياب اتفاق أميركي – روسي على الحل في سوريا، تستثمر روسيا في عقدة تركيا تجاه الأكراد، وقد تشكل معها حلفا يهدد مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية شرقي الفرات، للضغط على واشنطن. في حين أن هذه الأخيرة بدورها لم تستطع استقطاب الحليف التركي من الحضن الروسي، بسبب عجزها عن تطمينه في ما يتعلق بالخطر الكردي على الحدود التركية في شمال سوريا.