الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تقسيم سوريا ورقة ضغط تجاوزها الأمر الواقع 

تقسيم سوريا ورقة ضغط تجاوزها الأمر الواقع 

11.04.2021
غسان ابراهيم

 
العرب اللندنية 
السبت 10/4/2021 
اعتدنا على سماع الأطراف السورية المنخرطة في الأزمة ترفع صوتها وتشهر ورقتها المفضلة “سوريا على طريق التقسيم”، في محاولة للضغط ونشر الذعر بتفكك هذا البلد الذي يحتل موقعاً إستراتيجياً في المعادلات الإقليمية والدولية. 
قالتها المعارضة بمختلف أشكالها في بدايات الأزمة، إما الحل السريع أو التقسيم البطيء لاستدرار الدعم، ولكنها فشلت في إقناع الأطراف اللاعبة في المشهد السوري. 
هدد بها النظام السوري قائلاً إذا حدث تغيير في بنية الحكم ستتحول البلاد إلى دولة مترهلة مفككة وتدخل مرحلة الاستعصاء، وفشل في إشعار الآخرين بحالة القلق على مستقبل المنطقة. 
موسكو التي فرضت نفوذها العسكري في سوريا ترى نفسها المنتصر الذي سيصوغ الحل منفرداً بدرجة كبيرة وترضخ واشنطن لذلك في نهاية المطاف 
وخلال الأيام القليلة الماضية عاد الجانب الروسي لرفع تلك الورقة من جديد في وجه الخصم الأميركي، معتبراً أن الأزمة إذا دخلت في مرحلة التجميد وأزمَنة الصراع ستنتهي الأمور بتقسيم سوريا. 
بغض النظر عن مصداقية كل الأطراف وقلقها على سوريا كبلد وشعب، يبدو أنها لم تتعلم حتى الآن أن تقسيم سوريا لن يخيف الجانب الأميركي أو الأوروبي، وإن كانت الولايات المتحدة لا تسعى لذلك. 
الجانب الأميركي لم يدعم استقلال كردستان العراق الذي يحظى باستقرار كبير مقارنة بشمال شرق سوريا، ولذلك تعلم واشنطن أن أكراد سوريا لن يسيروا على ذلك الدرب، على الأقل على المدى المتوسط. 
إذا لن يشعر البيت الأبيض بأي قلق من التحذير الروسي، وربما يريد أن يسمع من الكرملين المزيد من التحذيرات والمخاوف حول ما وصلت إليه البلاد. فكلما طالت الأزمة كلما زاد العبء على رعاة النظام السوري، هذا ما تريده الإدارة الأميركية، فهي هناك لمشاهدة الوضع السوري عن كثب فقط لا غير، ولن تقدم أي مقترحات للحل على المدى القصير. فهي لا تدفع شيئاً في صراع يستنزف الخصوم. 
بالتأكيد، هذا لا يعني أن خطر التقسيم غير موجود، بل هو موجود كأمر واقع غير رسمي ولا يحظى باعتراف الأطراف الدولية. 
عاد الجانب الروسي لرفع ورقة تقسيم سوريا من جديد في وجه الخصم الأميركي، معتبراً أن الأزمة إذا دخلت في مرحلة التجميد 
تركيا التي تحتل مساحات شاسعة على الشريط الحدودي بالإضافة إلى إدلب ومحيطها تقدر بحوالي 11 في المئة من مساحة سوريا تدير هذه المناطق بعقلية الإدارة المستقلة. 
فقد فرضت بشكل تدريجي اللغة التركية على المؤسسات التعليمية وافتتحت الجامعات والمدارس التركية، مع خدمات البريد والاتصالات، مما يعني أننا أمام نموذج لا يختلف كثيراً عن قسم قبرص التركية. 
فتتريك الشمال السوري وإدارته من أنقرة يعني تقسيما مشابها لقبرص التركية، ورغم أنه لا أحد يعترف باستقلال الشمال إلا أنه يدير نفسه بنفسه دون دور للنظام السوري أو الدولة السورية. 
هذا المشهد من حيث المنطق لا يختلف كثيراً عن الجزء الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية. فهذه مناطق يفرض فيها الأكراد رغباتهم في طريقة إدارتها سياسياً واقتصادياً. 
فمنطقة شمال شرقي سوريا التي تعمل تحت الإدارة الذاتية الكردية، والتي تعادل حوالي 26 في المئة من مساحة سوريا، تعمل بمؤسسات خاصة بها من الجيش إلى الأمن الداخلي إلى نظامها العام. 
هذا التقسيم يقودنا من جديد إلى دور الكرملين في إدارة الصراع في سوريا وخلق توازنات بين الدور الإيراني والتركي من خلال اجتماعات أستانا وسوتشي، انتهت بمناطق شبه مستقلة، مع توزيع النفوذ فوق الأراضي السورية. 
ومن أهم أسباب وصول البلاد إلى مرحلة التقسيم الحالي هو الأمر الواقع الذي فرضته الحرب وتفكك تطلعات السوريين وانسداد أفق الحل. 
ولكن الجانب الروسي يرى تلك الظروف كحالة تكتيكية لاحتضان كل الأطراف المنخرطة في الصراع وصولاً إلى مرحلة يبدي فيها الجانب الأميركي استعداده للحل النهائي. 
يعتقد الروس أن الحل السياسي بالتنسيق مع الأميركيين وتحت مظلة الأمم المتحدة سينهي هذا التقسيم ويمهد الطريق نحو دولة سورية قادرة على فرض سلطتها على البلاد. 
موسكو التي فرضت نفوذها العسكري في سوريا ترى نفسها المنتصر الذي سيصوغ الحل منفرداً بدرجة كبيرة وترضخ واشنطن لذلك في نهاية المطاف. 
أما البيت الأبيض فينشغل بملفات كثيرة لا تظهر سوريا ضمن الأولويات التي تهم إدارة الرئيس بايدن مما يقلق الروس الذين يريدون ترجمة الانتصار العسكري إلى انتصار سياسي يقفل الأبواب على أزمة معقدة، فكلما مر الوقت على هذا الوضع سينشغل الروس في إدارة تفاصيل كثيرة في الملف السوري بدلاً من جني ثمار النصر. فالبقاء في حالة جمود ينخرط فيها العديد من الأطراف يستنزف الكثير من الجهد في ضمان التوازنات ومنع العودة إلى التصعيد. 
بغض النظر عن مصداقية كل الأطراف وقلقها على سوريا كبلد وشعب، يبدو أنها لم تتعلم حتى الآن أن تقسيم سوريا لن يخيف الجانب الأميركي أو الأوروبي 
وما يزيد الأمر سوءاً تدهور الاقتصاد السوري نتيجة قانون قيصر الذي تعتبره واشنطن وسيلة للضغط على موسكو لصياغة الحل وفق مفاهيم مختلفة عما يقدمه الروس حالياً، فروسيا التي ترى أن الحرب انتهت لصالحها لا تعتقد أن الحل سيكون وفق التفاهمات السابقة، بل لا بد من أخذ الظروف الجديدة ضمن الطروحات المستقبلية. 
لا يبدو أن ورقة التقسيم الروسية تقلق الأميركيين بمقدار ما يقلق قانون قيصر الروس، فهناك تصادم بين تمسك واشنطن بتفاهمات سابقة وطرح روسي لمستقبل مختلف. 
الشيء الوحيد المؤكد في سوريا هو النفوذ التركي في الشمال والكردي – الأميركي في الشرق والروسي – الإيراني في الغرب، بينما يكاد التهديد بالتقسيم يبدو أمراً تجاوزه الواقع.