الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تعويم عربي ومظلة إيرانية

تعويم عربي ومظلة إيرانية

31.12.2018
حسام كنفاني


العربي الجديد
الاحد 30/12/2018
يبدو أن زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، دمشق، ولقاءه فيها رئيس النظام السوري بشار الأسد، لم تكن اعتباطية أو فردية، بل جزءاً من عمليةٍ منسقةٍ لفتح باب التطبيع مع النظام السوري، وتكريسه منتصراً في حربه على شعبه. إذ بات واضحاً أن قرار خرق الحظر العربي على دمشق لم يكن مرتبطاً بمزاج البشير، المتهم بارتكاب جرائم حرب، بلقاء نظيرٍ له يحمل الاتهامات نفسها، بل كان بالون اختبار لقياس رد الفعل، قبل ان تدخل دول عربية أخرى إلى ساحة التطبيع مع الأسد. وبالفعل، لم تكد تمضي أيام على الزيارة، حتى أعلنت الإمارات العربية المتحدة إعادة فتح سفارتها في دمشق، على الرغم من أنها عملياً لم تكن مغلقة كلياً، بل كانت تمارس المهام القنصلية المعتادة، وهو ما أوضحته لاحقاً البحرين، حين انضمت إلى الإمارات في قرارها، لتشير إلى مواصلة سفارتها القيام بأعمالها المعتادة، وليس إعادة فتحها، أي أنها لم تكن مغلقة. غير أن الأمور لا يبدو أنها تقف عند هذا الحد، فالواضح أن خطواتٍ أخرى تحضّر لإعادة إدماج النظام السوري في المنظومة العربية التي تريدها السعودية والإمارات، وهو ما أوضحه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حين أشار إلى أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية تحتاج إلى إجماع عربي. ومع أن هذا لا يعني العودة التلقائية للنظام إلى الجامعة، إلا أنه يوضح أن الفكرة مطروحة على طاولة البحث، وقد يكون في القمة العربية المقبلة في تونس، والتي ربما يحضرها وفد يمثل هذا النظام. الأمر قد تحسمه الشهور المقبلة، والخطوات الانفتاحية المرتقبة من الأنظمة العربية تجاه نظام الأسد، وسط مؤشراتٍ مباشرة من السعودية على إمكان رعاية هذا الأمر.
السؤال الأساسي اليوم هو عن الغاية من هذا الانفتاح المفاجئ، وما الأهداف التي دفعت هذه الأنظمة إلى إبداء الرغبة في إعادة احتضان الأسد، ووفق أي شروط. مبدئياً، لا بد من التسليم أن هذه الخطوة من الأنظمة العربية، وتحديداً الإماراتية ولاحقا السعودية، ما كانت لتصير من دون ضوء أخضر أميركي، وهو ضوء أوضحه الرئيس دونالد ترامب، حين أشار بوضوح إلى أن السعودية، وأكيد حلفاءها، ستتولى تمويل عملية إعادة الإعمار في سورية.
الإعلان الأميركي، والذي بدا مفاجئاً حتى للسعودية، يأتي وفق استراتيجية أوسع من مجرّد الحرص على إعادة سورية إلى منظومة العمل العربي، المتهالكة أساساً، فالخطوات تبدو متسقة مع المواجهة الأميركية الإيرانية، والدفع في بعض الدول العربية إلى محاولة إبعاد نظام الأسد عن إيران، وهو ما لمّحت إليه تسريباتٌ صحافية في وسائل إعلام سعودية، ذكرت أن عودة السعودية إلى سورية مرتبطة بانسحاب القوات الإيرانية.
المحاولة الأميركية العربية لإبعاد النظام السوري عن إيران ليست الأولى من نوعها، غير أنها بدأت اليوم بخطوات عملية، لكن ذلك لن يضمن لها النجاح، وخصوصا أن الأمور أصبحت أبعد كثيرا من مجرد وجود قوات إيرانية في سورية، بل باتت مرتبطةً بالتغلغل الإيراني في النسيج الاجتماعي السوري ضمن خطوات تبشيرية دأبت إيران عليها في كل مناطق نفوذها، وبالتالي فإن الخروج الإيراني المباشر، في حال كان للنظام السوري قرار فيه، لا يعني انتهاء النفوذ الإيراني في سورية، خصوصا أن نماذج العراق ولبنان واليمن ماثلة في الأذهان، فالحشد الشعبي وحزب الله وأنصار الله، الفصائل العراقية واللبنانية واليمنية، تمثل أواني إيرانية في هذه البلدان، وهو ما سيحدث اليوم في سورية بالتأكيد. وعليه، إذا كان الرهان الأميركي استخدام الأموال العربية لفك ارتباط النظام السوري مع إيران، فهو رهان فاشل مسبقاً، خصوصاً أنه لا ناقة لهذا النظام ولا جمل في قرارات مصيرية داخل بلاده، ولن يكسب غير التعويم العربي، تحت مظلة إيرانية.