الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تعويم الليرة السورية… بين مكاسب محتملة للنظام وفقدان السيطرة 

تعويم الليرة السورية… بين مكاسب محتملة للنظام وفقدان السيطرة 

01.04.2021
القدس العربي


القدس العربي 
الاربعاء 31/3/2021 
إسطنبول – الأناضول: طفت على السطح في الآونة الأخيرة تقديرات ودعوات لتعويم الليرة السورية بعد أن شهدت انهياراً غير مسبوق بتجاوز سعر صرف الدولار حاجز 4000 ليرة، خصوصاً على إثر انهيار عملة لبنان، الذي يكاد يكون المنفذ الوحيد لسوريا بعد تشديد العقوبات. 
ورغم ما يمكن أن يحققه النظام السوري جراء إلغاء دعم السلع وخصخصة عدد كبير من القطاعات والشركات بالعملة الصعبة، إلا أن افتقاره لأدوات التحكم في سوق الصرف بسبب الحصار والعقوبات، يجعل من هذا الاحتمال بعيداً، على الأقل في المرحلة الحالية. 
في منتصف مارس/آذار سجل سعر صرف الليرة السورية مستوى متدنياً قياسياً بلغ في السوق السوداء 4190 ليرة لشراء الدولار و4250 ليرة للبيع، مقابل 1250 ليرة السعر الرسمي لدى البنوك. 
وقبل اندلاع الأزمة 2011، كان الدولار يصرف بنحو 47 ليرة فقط، ما يعني أن الليرة السورية فقدت 89 ضعف قيمتها في عشر سنوات. 
ونجم عن الانهيار في سعر العملة المحلية، ارتفاع غير مسبوق بأسعار السلع، وبات التجار يتحكمون بالأسعار، فيما يقف النظام عاجزا عن ضبطها. 
يرتبط تعويم العملة عادة بإلغاء أو تقليل الدعم الحكومي لأسعار السلع، والذي يقدره خبراء في سوريا بنحو 200 مليار ليرة سنويا (حوالي 160 مليون دولار بالسعر الرسمي، و48 مليون دولار بسعر السوق السوداء). ويمكن للنظام السوري الاستفادة من إلغاء هذا الدعم من خلال تقليل العجز في الميزانية العامة. 
وقدرت الحكومة السورية عجز الميزانية لعام 2021، بنحو 3484 مليار ليرة (حوالي 2.8 مليار دولار بالسعر الرسمي وحوالي 829.5 مليون دولار بأسعار السوق السوداء). 
كما يتطلع النظام السوري إلى خصخصة عدد كبير من القطاعات والشركات الحكومية. وفي حال تعويم العملة فإن عائدات عمليات الخصخصة ستكون بالقيمة الحقيقية لأسعار النقد الأجنبي، والتي توازي أسعار السوق السوداء. 
يذكر أن تجارب الدول العربية الخمس التي عومت عملاتها حتى الآن، جزئيا أو كليا، وهي مصر واليمن والمغرب والعراق والسودان، ارتبطت ببرامج إصلاح اقتصادي بإشراف "صندوق النقد الدولي" وكانت شرطا للحصول على تمويل من الصندوق والمؤسسات الدولية الأخرى. 
وفي حالة سوريا، فإن تعويماً محتملاً للعملة قد يجعل النظام أكثر قبولاً من جانب المجتمع الدولي عموماً، والمؤسسات المالية الدولية على نحو خاص، لا سيما وأن تحرير الاقتصاد يشكل أحد مطالب المعـارضة السـورية. 
غير أن تعويماً محتملاً للعملة السورية، سيكون ثمنه باهظاً على المواطن السوري، إضافة إلى افتقار النظام لأدوات نقدية تمكنه من السيطرة على أسعار الصرف في ظل العقوبات. 
فعلى صعيد المواطن السوري، فإن التعويم واسترشاداً بتجارب معظم الدول الأخرى، سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع، وبالتالي خروج التضخم عن السيطرة. 
ويقدر خبراء الاقتصاد أن معدل التضخم ً في البلاد تجاوز 250 في المئة. 
في المقابل، فإن متوسط رواتب موظفي القطاع العام ما زالت عند مستوى 50 ألف ليرة شهرياً (حوالي 40 دولاراً بالسعر الرسمي و13 دولاراً بسعر السوق السوداء" شهرياً، وهو يعادل ما قيمته 700 ليرة فقط قبل الثورة. 
في المقابل، فإن تكاليف المعيشة للأسرة من 5 أفراد تتجاوز 700 ألف ليرة (560 دولاراً) وفق مؤشر تكاليف المعيشة الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء السوري، بنهاية 2020، نصفها (حوالي 350 ألف ليرة) بالكاد يكفي لتغطية حاجة هذه الأسر للطعام. 
وسواء أقدم النظام السوري على تعويم جزئي أم كلي للعملة المحلية، فإنه سيواجه معضلة كبرى في توفير نقد أجنبي كاف لضخه في الأسواق، للحفاظ على استقرار الليرة. 
فالحفاظ على استقرار الليرة سيكون صعباً في ظل عقوبات اتسع نطاقها على سوريا بموجب تطبيق الولايات المتحدة لقانون "قيصر" بدءا من يونيو/حزيران 2020. 
كما يواجه النظام السوري، جراء العقوبات صعوبات في تدفق السلع من وإلى سوريا، ما يجعل من تحقيق التوازن بين العرض والطلب أمرا في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا. 
كما يواجه المصرف المركزي السوري حالة من الضعف الشديد، جراء محدودية تأثير قراراته بتحديد أسعار الفائدة على أسعار الصرف، واقتصارها على التعامل بين البنوك، فيما تحدد الأسعار الحقيقية من قبل التجار في السوق السوداء. 
وبدلاً من الآليات المعروفة في الدول الأخرى لضبط سعر الصرف، وهي غالبا أسعار الفائدة وحجم النقد الأجنبي الذي تضخه السلطات النقدية في الأسواق، فإن محاولات ضبط سعر الصرف في سوريا تعتمد على إجراءات أمنية عبر منح التراخيص للصرافين. 
وما يزيد من تعقيد الأوضاع المالية والاقتصادية في سوريا، اقتصار الولاية النقدية لليرة على مناطق سيطرة النظام، وهي المناطق التي تشهد تقلبات حادة في الأسعار. 
بينما التقلبات أقل حدة في مناطق تسيطر عليها المعارضة، مثل شمال سوريا حيث تستخدم الليرة التركية في إدلب ومحيطها على سبيل المثال.