الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تصعيد أميركي خارج السياق السوري

تصعيد أميركي خارج السياق السوري

16.04.2018
أحمد جابر


الحياة
الاحد 15/4/2018
سورية واستخدام الكيماوي فيها وسلوك نظامها، كلها ذرائع عابرة تستخدمها السياسات الأميركية الثابتة المتمحورة حول قراءة المصالح الداخلية والخارجية، والمتحركة تقدماً أو تراجعاً، تصعيداً أو تهدئة، وفق بارومتر "المنفعة"، هذه التي يدلي بها رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب بلغة عارية هي أقرب إلى اللغة التجارية الجديرة بتاجر شاطر، والبعيدة عن لغة دولة تدَّعي لنفسها قيادة العالم، ما كان منه حرّاً، وما صار ملحقاً بتصرفاتها التي تحمل الكثير من سمات الاستعمار.
ولنعد إلى السياق، فماذا اكتشف جديداً دونالد ترامب حتى قامت قيامة إدارته؟ السلاح الكيماوي القاتل في سورية ليس جديداً، والقتل بأسلحة الفتك التي تعادل الكيماوي ليس جديداً، والسماح بدخول القوات التركية والإيرانية ليس جديداً، والتواطؤ الضمني مع الدور الروسي ليس جديداً، إذن ما الجديد في السياسة الأميركية طالما أنّ كل ما تُبنى عليه قديماً بقديم؟ البحث يجب أن يتخذ منحىً آخر، ولنقل أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي في قراءة لحظة التهديد والوعيد الأميركي الذي يبدو أن من أهم أسبابه، إعادة تذكير بما نسي، وبقوة النار الخطابية، أو قوة النار المادية، أن خلاصات الوضع السوري لا تتم صياغتها إلا بعد مرورها على "المدقق" الأميركي، فعند ذلك المدقق المصحح، تكتمل الصياغة، وبعد توقيعه ترى كل الخلاصات النهائية النور.
في هذا الاتجاه، يصبح الوعيد الأميركي، المنفذ أو المرجأ، إضافة تدميرية إلى البنيان السوري، وخسارة زائدة على خسارات الشعب في الداخل، وتفكيك كارثي آخر لمقومات "البلد" المنكوب، بحيث تتأجل قيامته من بين الرماد، هذا إذا لم تكن قيامة الكيان السوري ككيان قد صارت غير ممكنة، حتى نقول لا باستحالة هذه القيامة. وما هو معروف ومعلوم جيداً، أن سلاح الجو لا يحسم معركة على الأرض، وأن مفعول الصواريخ بعيدة المدى يتلاشى تأثيره ما إن تلامس رؤوس الصواريخ التراب، وأن ما لا يتم استثماره وزناً في الداخل، يصير قصفاً عشوائياً انتقامياً يزيد في عمر بقاء النظام السوري السياسي، ولا يصيب من ثباته في مقارّ الحكم مقتلاً. عليه، ما تُراها الولايات المتحدة الأميركية فاعلة بقصفها؟ وإلى أين تريد الوصول بُعيدَ هذا القصف؟.
إذا كان المقصود رسالة ما، فإن التهديد بالقوة يكون أفضل من استخدامها، على ما يقول بعض منظري الاستراتيجية العسكرية، وإذا كان المقصود رسم حدود للمتدخلين، فلدى السياسة الأميركية قنواتها التي تستطيع من خلالها إبلاغ التركي والإيراني والروسي بمرادها، وإذا كان المقصود إضعاف النظام من أجل التعجيل بالخلاص من رأس السلطة، فإن السؤال: ما هي خطة الاستراتيجي الأميركي في هذا المجال، وما هي الخطوات المتدرجة على هذا الطريق؟
واستطراداً، إذا كان النظام مرموزاً إليه برئيسه، قد بات من الماضي، فما هو المستقبل الذي تريده السياسة الأميركية، من أجل ذهاب الرئيس وعدم ذهاب سورية في الوقت ذاته؟ ما يُطرح هنا له مشروعيته، فما حصل في العراق سابقاً شاهد على "الغباء" الذي افترض أنه بتسريح الجيش العراقي يعاد بناء البلد، ديموقراطياً!، فكان أن أفلت الكيان العراقي من انتظامه، وكان ما كان مما هو متداول على الملأ هنا، وفي الديار البعيدة.
أميركا، قوة العالم الأولى، متهمة عربياً، فأياديها "غير البيضاء" قتلت في الصومال، وفي ليبيا، وهي أذِنت ببدء خراب اليمن وتهديد استقرار الخليج العربي، وسمحت بالتنكيل المتصاعد بالفلسطينيين، ولوَّحت وتلوِّح بالتهديد لمجموع الأنظمة العربية، وهي جنت وتجني من سياسة "قاطع الطريق" التي تمارسها أرباحاً فاحشة.
ستظل الخلاصة الأولى أن الفعل الأميركي لا يشكل نجدة للشعب السوري، بل هو مساهمة تمعن في مأساته، أما السياسة الحقيقية الجادة، أي تلك التي لن تقدم عليها الولايات المتحدة الأميركية، فتتلخص بجملة واحدة: الدعوة إلى وقف القتال في سورية، واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بتنفيذ هذه الدعوة على الأرض... ولدى الولايات المتحدة ما تقوله وما تفعله في هذا المجال، مع كافة الوكلاء المحليين والإقليميين والدوليين، أولئك الذين لا يسعون إلى مناصبة "زعيمتهم" العداء.